قبل 17 يوماً فقط من أولى جلسات محاكمة المتهمين بقتل رئيس دير أبومقار فى وادى النطرون، الأنبا أبيفانيوس، أعلن كيرلس سامى، محامى المتهم الأول، الراهب المجرد أشعياء المقارى، الانسحاب من القضية، بعد اطلاعه على نص التحقيقات، وقال فى تصريحات لـه: «أى محامٍ يحق له قبول أو رفض القضايا دون إبداء أسباب».
وأضاف «كيرلس»، ثانى محامٍ ينسحب من القضية بعد أمير نصيف: «أبلغت شقيق المتهم الأول بانسحابى من القضية، بعد دراستها جيداً، والتحقق من جميع الاعترافات والتقارير الطبية الواردة فيها، والاتهامات الموجهة من جانب النيابة العامة للمتهم، وطالبت الأسرة بالبحث عن محام آخر لتولّى الدفاع عنه، قبل موعد الجلسة الأولى».
انسحاب محامى المتهم الأول من القضية «دون إبداء أسباب» قبل موعد الجلسة بـ17 يوماً.. ونائب رئيس الدير: الضحية كان على خلاف مع 30 راهباً أنشأوا جروب «واتساب» لمناهضته
وجاء نص أقوال رهبان الدير ضمن تحقيقات النيابة العامة، وكشف فيها الراهب «سرابيون المقارى»، المسئول عن مشروع الملاك ميخائيل، الخاص بتوزيع المساعدات المالية والعينية، عن وجود خلافات بين الأنبا أبيفانيوس، وعدد من الرهبان فى الدير، مشيراً إلى أن هذه الخلافات وصلت إلى حد وضع «البراز» فى طبق الطعام الخاص به، وأضاف أن الخلاف بين رئيس الدير والراهب أشعياء المقارى وصل إلى مراحل متقدمة، خلاف باقى الرهبان.
وقال الراهب أغاثون المقارى، مسئول زراعة الزيتون فى الدير، إنه جلس مع الراهب فلتاؤس المقارى قبل يوم واحد من محاولته الانتحار، وأبلغه بتوجيه الرهبان الاتهام له بالتورط فى قتل الأسقف، موضحاً: «تغيرت ملامح الراهب فلتاؤس، وأصيب بحالة عصبية وقتها، ولم يستطع الرد على الكلام».
أما الراهب «برناباس المقارى»، المسئول عن المطبخ والحدائق فى الدير، فقال إنه يشتبه فى تورط الرهبان أشعياء وأنطونيوس وصليب وزينون بالتحريض على قتل المجنى عليه، بينما أقر الراهب أرسانيوس المقارى بوجود خلافات سابقة بين المجنى عليه ومعارضيه من رهبان الدير، ويعتقد أن هناك مَن استخدم المتهمَين أشعياء وفلتاؤس فى ذلك العداء.
من جهته، برر المتهم الثانى فلتاؤس المقارى «ريمون رسمى»، محاولة انتحاره، خلال استماع النيابة لأقواله، قائلاً: «حاولت الانتحار بسبب الضغوط النفسية التى كنت أمرّ بها، بسبب واقعة قتل الأنبا أبيفانيوس، وكنت أخشى أن يتهمنى أحد بقتله، ما جعلنى أعتزم الانتحار»، مضيفاً أن هناك رهباناً اتهموه بقتل الأسقف، ما أدى لإصابته بحالة نفسية سيئة.
وظهر تضارب فى اعترافات «فلتاؤس» حول الانتحار، فقال فى بداية الأمر إنه تعرض لهجوم داخل قلايته، بوضع منديل به مخدّر على وجهه، ليدخل فى غيبوبة، وعند إفاقته وجد نفسه غارقاً فى الدماء وسط الغرفة، فأسرع بسيارته إلى عيادة الدير، وهناك لم يجد الراهب ميخائيل المقارى، الطبيب المسئول، فأخذ يبحث عنه فى الدور الأول ثم الثانى والثالث وصولاً إلى الرابع، وعندها سقط من أعلى السطح، نتيجة إصابته بهبوط نتيجة فقدان الكثير من الدماء.
وأشار فى الاعتراف الأول، إلى أنه حاول التمسك بالسور، إلا أنه سقط على الأرض، ثم تراجع عن هذه الأقوال، وأقر بمحاولته الانتحار داخل غرفته، ثم ندم فاستقل سيارته متوجهاً إلى العيادة، وهناك لم يجد الراهب الطبيب، فصعد إلى السطح، ليسقط من أعلاه.
وعما إذا كانت هناك خلافات بين الأسقف والمتهمين، نفى «فلتاؤس» وجود خلافات بينه وبين الأنبا «أبيفانيوس»، واصفاً علاقتهما بالطيبة، إلا أنه عاد مجدداً ليؤكد وجود خلافات بينهما نتيجة سحب 120 فداناً مخصصة له لزراعتها، موضحاً أن خلافاً نشب بينه وبين الراهب غورغوريوس، على مساحة الأفدنة، ليصل الأمر إلى حد التشاجر بينهما، فقرر المجنى عليه سحب الأرض منه، وتركه لمدة عامين دون عمل.
وقال فلتاؤس إنه شعر بالظلم الواقع عليه من رئيس الدير، «لكن فى الرهبنة يوجد مبدأ يقول: إن الطاعة واجبة، ولو كان فيها ظلم»، مشيراً إلى وجود خلافات كثيرة بين رئيس الدير والرهبان بسبب سفره، وعدم اهتمامه بهم، أو سؤاله عليهم.
وأنكر «فلتاؤس» ارتكاب جريمة القتل، ووصف ما ذكره الراهب أشعياء بـ«الكذب»، مشيراً إلى أنه تم الزج باسمه من جانب رهبان على خلافات مع رئيس الدير أيضاً، وأكد أنه ليس الوحيد المختلف معه، وأن الأب يوحنا المقارى هو المسئول عن توجيه الرهبان للزج باسمه فى القضية، وعلل تحريض الأب يوحنا عليه، بأنه لا يحبه دون أسباب.
وأشار إلى أن عدداً من الرهبان أنشأوا جروب «واتساب»، لمناهضة سياسة رئيس الدير، وضم الراهب زينون، وأضاف أنه أبلغ النيابة بوجوده وقت الحادث داخل قلايته، التى تبعد عن الدير مسافة 2 كيلومتر، وأنه تلقى اتصالاً من الراهب أشعياء فى الساعة الخامسة وأربعين دقيقة فجراً، يبلغه فيها بنياحة رئيس الدير، فرد عليه مصدوماً: «بسم الصليب بسم الصليب».
وفى أقوال الراهب المجرد أشعياء المقارى، العائد إلى اسمه العلمانى وائل سعد، أشار إلى أن «فلتاؤس» كان يذهب باكياً إلى رئيس الدير شهرياً، طالباً تشغيله، إلا أن الأنبا أبيفانيوس أذله، وأسند إليه العمل فى حظيرة البهائم، ما نفاه «فلتاؤس»، كما أشار المتهم الأول فى اعترافاته إلى أنه اجتمع مع «فلتاؤس»، ودبّرا قتل رئيس الدير، بعد أن عانيا من إهانته لهما.
وأقر أشعياء بأنهما حاولا قتل الأسقف مرتين من قبل، إلا أنه خرج من قلايته مبكراً عن موعده فى المرة الأولى، وفى الثانية لم يخرج من مسكنه، وأوضح أنهما تتبعاه وقتلاه، حتى تأكدا من وفاته، ثم توجّها إلى خارج الدير لاستقبال الزوار.
واستنادا إلى عدد من مستندات القضية، بينها قرار النيابة العامة بإحالة المتهمين إلى «الجنايات»، وجاء فيه أن القضية انتهت بالإحالة إلى محكمة الجنايات المختصة بدائرة استئناف الإسكندرية، لمعاقبة المتهمين وفقاً لمواد الاتهام والوصف، حيث اتهمت النيابة العامة كلاً مَن المتهم الأول أشعياء المقارى، والمتهم الثانى «فلتاؤس»، بالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
وأشارت إلى أن المتهمين أشعياء وفلتاؤس عقدا العزم وبيّتا النية على قتل الأنبا أبيفانيوس، منذ أكثر من شهر على ارتكاب الجريمة، بأن وضعا خطة لها، ووزّعا الأدوار فيما بينهما، وبعد أن أعدّا لهذا الغرض أداة تنفيذ «ماسورة حديدية»، حملها المتهم الأول، وكمنا فى الممر المؤدى من قلاية المجنى عليه بالدير إلى كنيسة الدير، وأثناء توجه الضحية فجراً لأداء صلاة قداس الأحد انهال عليه ضرباً بالأداة الحديدية، بينما وُجد المتهم الثانى فى مسرح الجريمة لمراقبة الطريق، والشد من أزر الأول، قاصدين من ذلك إزهاق روح رئيس الدير، فأحدثا به الإصابات الموصوفة فى تقرير التشريح، ما أودى بحياته.
وشملت المعاينة مناقشة أمين ونائب رئيس الدير، اللذين أفادا بأن هناك 30 راهباً على خلاف مع رئيس الدير، بسبب عدم موافقتهم على سياسته، ما دفعهم إلى إنشاء موقع مناهض لسياسة رئيس الدير على شبكة الإنترنت، وأوضحا أن المجموعة انضم إليها الراهبان أشعياء المقارى وفلتاؤس المقارى.
وحصلت جريدة «الوطن» على نسخة من محضر معاينة تصورية للجريمة داخل الدير، التى جرت تحت إشراف محمد مصطفى، رئيس نيابة استئناف الإسكندرية، الذى أكد أنه وصل الدير برفقة المتهم الأول وائل سعد تواضروس ميخائيل «أشعياء»، والمصور الجنائى بقسم المعمل الجنائى التابع لإدارة غرب الدلتا، لتحقيق الأدلة الجنائية فى الواقعة، وقوة تأمين من الشرطة، وعندها أعاد المتهم الأول تمثيل كيفية ارتكاب للجريمة أمام الجميع، محدداً دوره ودور المتهم الثانى فى الجريمة، ومكان كل منهما فى الموقع، على نحو مطابق لما اعترفا به فى التحقيقات.