الكاتب الصحفى محمد المغربى
رغم حداثة تعارفنا, وقلة تواصلنا, فأننى أزعم معرفتها منذ زمن بعيد, فلعل الأرواح تتلاقى قبل الوجوه… أو تتجانس الأقلام بتوحد الدروب…
علو اللغة, إنتقاءالألفاظ, فلسفة المعنى, مزج النثر بالشعر, استخدام السجع, تلك خصائص و رؤى (خالدة غوشة) فى كتابة الرواية.
ـ من خلال عملى بالحقل الصحفى, لفت إنتباهى أسلوبها المميز فى كتابة الرواية, فوجدت نمطها مسايرًا للعصرالحديث, فيبعد عن الرتابة والملل, فالقارئ فى عصرنا هذا عجول, ويمقت الإطالة, ورغم عصرية نمطها, فإنها لا تقدم أفكارها للقارئ كوجبة يتذوقها سريعًا, بل تجعله يستجلب المعنى من غوِر بعيد..!!, و يتفكر فى قراءة معاٍن مسكوٍت عنها, وإعادة قراءة الرواية لأكثر من مرة لاستنباط معاٍن خفيٍة, أو قل مخفاة “إن صح التعبير” , فهى تعشق التدبر, وتؤمن بالروحانيات, فلا يخفى ما فى كتاباتها من طابع فلسفى مختلف , يجنح بك إلى عنان الميتافيزيقا.
وهذا المنهج يراه القارئ جليًا فى رواياتها السابقة, مثل رواية “بلا عنوان, و الخيط الأبيض, ونرجس والقطار” وقد كتبت عن بعضها عدة مقالات, لما رأيت فيها من أسلوب مختلف, غير تقليدى, فألفاظها فى السرد ملغومة..!! تخشى من انفجارها, فتعيد قراءتها, لتحظى بحكمٍة مزجاٍة, أو قصٍة مغنَاٍة, أو قراءٍة مستقبليٍة مخفاة.
لا أود أن أفسد متعة القارئ فى الإبحار فى محيط كتاباتها, بذكر تفاصيلها, بل سأكتفى بإلقاء الضوء على منهج الكاتبة الواعدة (خالدة غوشة) فى كتابة روايتها الأخيرة (مصيدة ابن آوى) , وسأرتدى ثوب الناقد الذى يخشى شهادًة مجروحًة فى رواية لا تعالج مسألًة واحدًة, بل تجمع بين متفرقات كثيرة , فهى تمزج الواقع بالخيال, والحاضر بالماضى, بل وتقدم لك رؤية مستقبلية لما سيحدث.
ـ (ابن آوى) حيوان نكرة يعيش على بقايا موائد أسياده, ويأكل الجيف, استعانت به الكاتبة ليؤدى دور الخائن الذى يبيع وطنه, ويصبح عميلًا مرتزقًا ينصب الشباك لاصطياد فرائسه, وإسقاط عملاء جدد, يعملون فى خدمة الماسونية العالمية, وفى هذا الإطار خلط الواقع بالخيال.
ـ (أمنية) فتاُة فلسطينيٌة موتورٌة, تعشق تراب الوطن, وتريد تطهيره من العملاء الخونة, بل تشجيع الجدد منهم على الاغتسال من نجاسة هذا العار, والطهارة منه, قبل أن يتورطوا فى خيانة وطنهم, يحدث هذا فى إطار عمٍل مخابراتى, يكون فى ثنايا حواراته حديث عن الماضى, والحاضر, وكيف أنهما مرتبطان ببعضهما البعض .
ـ (الجد) وهو شخصية مؤثرة فى الرواية, والذى كان بالنسبة لأمنية مصدرًا للحكمة, ويرسم لها طريقها, بل ويدفعها لمواجهة (ابن آوى) والإيقاع به, بشجاعٍة, ودون خوٍف, كان الجد هو لسان (خالدة) فى الرواية, وهو مصدر الرسائل, والحكم التى تريد (خالدة) إيصالها لكل وطنٍى فلسطينى , وإن شئت فقل لكل وطنٍى عربى.
أدخلت الكاتبة إلى الرواية فنًا يشبه كثيرًا فن المقامة العربية القديمة, وهى نُص نثرُى يجمع بين فن الكتابة والشعر, ويتميز بالبلاغة اللغوية, وكثرة المفردات, وتجمع بين الخيال والواقع.
ومن المعروف أن المقامة العربية, لابد أن يختار كاتبها بطلًا لها تدور كافة أحداثها حوله, ويقوم شخص برواية هذه الأحداث, ويطلق عليه اسم الراوى, والقصة التى تدور كافة أحداثها المقامة حولها.
تقمصت الكاتبة فى هذه الرواية دور “المحلل السياسى” والذى يتوقع ما سيحدث فى السنوات القادمة من أحداٍث, وثوراٍت, وحروٍب, وبقاء أو زوال أنظمة, وفى هذا الإطار تقدم رؤيًة مستقبليًة, لما سيحدث, فكانت (غوشة) فى روايتها الكاتبة, و بطلة الرواية, بل وعبرت عن مشاعر القارئ أيضا, وكأنها كانت هى السارد العليم .