كتبت / أمل فرج
جريمة الساعة ، وفاجعة الشهر المنصرم الذي أفجعت المجتمع المصري ، والتي تشابكت خيوطها ، وتداخلت أركانها ، واتفق الجميع على التعاطف مع الأب ـ المتهم ـ رغم اعترافه بالجريمة ، بل وأجزم الجميع على تبرئته ، جريمة فريدة ، ومتهم مثير للجدل ، رفض المجتمع إدانته لنفسه ، وتظاهر من أجل براءته ، كما توقف أمام اعترافه القانون ؛ للبحث والتروي والنظر في ما تطرحه الأيام من قرائن وبراهين ، رغم اعترافه القاطع ..
أعدت نيابة شمال المنصورة الكلية، مذكرة لمشروع إحالة المتهم ” محمود نظمي ” بقتل طفليه “ريان ومحمد” في القضيتين رقمي 1483 لسنة 2018 إداري مركز ميت سلسيل، و4521 لسنة 2018 إداري مركز فارسكور خلال الاحتفال بالعيد الأضحى الماضى.
وكان مجمل المشهد يحصرنا أمام ست عشرة مشهدا في قضية قتل الطفلين ريان ومحمد
بداية الواقعة جاءت عندما ورد بلاغا إلى الرائد محمد فتحي، رئيس وحدة البحث الجنائي بمركز شرطة ميت سلسيل، مساء الثلاثاء الموافق 21 أغسطس، من محمود نظمي محمد، يفيد بتغيب نجليه “محمد ويان” خلال اصطحابهما لنزهة بحديقة ميت سلسيل للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وأثناء مقابلته مع أحد أصدقائه القدامى فوجئ بعدم تواجد نجليه بجانبه وظل يبحث عنهما فلم يجدهما ولم يشتبه جنائيا في ذلك التغيب وأدلى بأوصاف نجليه المتغيبين.
سؤال زوجة المتهم عن غياب الطفلين
أقرت والدة الطفلين، سماح طارق الشافعي، 28 سنة، بخروج زوجها من المنزل واصطحاب نجليهما لنزهة بحديقة المدينة بعد صلاة العصر أول يوم عيد الأضحى المبارك والموافق 21- أغسطس وهاتفها زوجها وأخبرها بعدم تواجد الطفلين وتغيبهما عن الأنظار وبحثه عنهما ولكن دون جدوى فهرعت إلى ذلك المكان وبسؤالها لكافة الأشخاص المتواجدين آنذاك لم يسفر ذلك عن إيجادهما واستعانت بأفراد عائلتها وهمت بالذهاب إلى كافة الأماكن التي ساورها الشك في ذهاب الأطفال إليها فلم تجدهما إلى أن علمت بالعثور على جثمانيهما بمجرى مائي بدائرة مركز فارسكور بمحافظة دمياط ولم تتهم أحد بعينه وراودها الشك في بعض الأشخاص المقربين لزوجها.
وأضافت الأم، نجليها ريان عمره 5 سنوات، ومحمد عمره عامين ونصف، وقد ذهبا برفقة والدهما عصر أول أيام عبد الأضحى لزيارة الأهل والأقارب والتنزه معه واصطحابها لإحدى الحدائق المتواجدة بدائرة مركز ميت سلسيل، وحال ذلك تقابل زوجها مع أحد أصدقائه لم يره منذ سنوات وأثناء انشغاله مع صديقه التفت للخلف للاطمئنان على أطفاله فلم يعثر عليهما، وقررت أنها تشتبه جنائيا في تلك الواقعة ولم تتهم شخصا بعينه.
العثور على جثتي الطفلين في فارسكور
أبلغ الأهالي مركز شرطة فارسكور، بالعثور على جثمانين لطفلين ملقاة أسفل كوبري فارسكور العلوي وبتعرف محمود نظمي محمد، عليهما أقر أنهما طفليه والمبلغ باختفائهما وحرر بشأنها المحضر رقم 483 لسنة 2018 إدارة مركز ميت سلسيل، وذلك فيما يخص القضية رقم 4521 لسنة 2018 إداري فارسكور، وبمناظرة الجثتين عقب تعرف المبلغين عليهما وإقرارهما بأنهما لنجليهما لم يتبين بهما ثمة إصابات سوى آثار الدماء على الأنف ووجود انتفاخ بجسد الطفلين وتلاحظ أن أحد الطفلين يلبس بامبرز، وانتدب الطب الشرعي لمعرفة سبب الوفاة وإعداد تقرير الصفة التشريحية للمجني عليهما.
والد الطفلين يحاول صرف النظر عن القتل بخلافات المخدرات والآثار:
وبسؤال محمود نظمي محمد السيد، 33 سنة، عامل عادي، وصاحب أعمال حرة، شهد بما لا يخرج عن أقواله استدلالا وزوجته بالتحقيقات وأعزى بوجود خلاف بينه وبين آخرين وتتمثل أولى تلك الخلافات في وجود خلاف على عقار تبلغ مساحته 15 فدانا بينه وبين زوج عمته والذي يدعى “محمد. أ” وشهرته “العسكري”، بسبب مبالغ مالية قدرها مليون جنيه جراء إعطائه لتلك الأرض وأشهر عقب ذلك الأخير سلاح ناري في وجهه لإرغامه على إعطائه المبلغ المتفق عليه وهدده بخطف أحد أطفاله، وكذا خلاف بينه وبين أحد النسوة، وتدعى “ش. ع” والتي يجمع بينهما علاقة غير مشروعة وأحد أصدقائه يدعى “إ. م”، وخلاف آخر بشأن شرائه للمواد المخدرة من أحد الأشخاص بناحية القنطرة غرب يدعى “م. ك” لعدم سداده قيمتها، وخلاف بشأن اتفاق مع شخص يدعى “ح. ن. ع” المقيم بمحافظة دمياط إثر طلبه منه قطعة أثرية وعدم إعطائه ما اتفق عليه مقابل بيعها لآخر يدعى “م. غ. ا” ومقيم في أجا بالدقهلية بمبلغ مالي وقدره مليون جنيه، واتهم سالفي الذكر بقتل نجليه وأعزى أن تلك الخلافات قد تكون وراء مقتلهما.
طلبت النيابة تحريات المباحث الجنائية حول الواقعة وظروفها وملابساتها، وورد محضر التحريات المؤرخ في 24/8/2018 والمسطر بمعرفة العقيد السيد خشبة، رئيس فرع البحث الجنائي شمال الدقهلية، والتي أسفرت عن أن وراء ارتكاب الواقعة هو والد الطفلين المدعو محمود نظمي محمد السيد، المبلغ بغيابهما، وبأنه اصطحبهما بسيارته “د و ط 9725” وإلقاهما بنهر النيل ثم أبلغ باختفائهما، وصدر قرار النيابة العامة بضبط وإحضار المتهم.
الزوج يعترف بقتل طفليه للنيابة:
اعترف محمود نظمي محمد السيد، تفصيليا بارتكاب الواقعة مرجعا ذلك بسبب بوجود خلافات زوجية وأسرية وتعثره المالي وتعاطيه المواد المخدرة” البانجو والخشيش” والأدوية المؤثرة على الحالة النفسية “الأنافرانيل، والأبتريل” حيث راودته حسب أقواله في التحقيقات، فكرة التخلص من نجليه ريان ومحمد إلى أن جاءت له الفرصة بأول أيام العيد، واصطحبهما للترفيه عنهما بمكان يدعى “العبد” في ميت سلسيل وبدأ التخطيط لتنفيذ جريمته وتناول عقار”الأنافرانيل، والأبتريل” وتعاطى سيجارة لمخدر البانجو وذهب بهما إلى حيث مكان الواقعة “كوبري فارسكور” وتوقف حتى خلا الكوبري من المارة وأخرج “ريان” وألقاه من أعلى الكوبري فسقط في مياه النيل، ثم أخرج الآخر “محمد” وفعل به نفس ما فعله مع الأول وذلك لإرسالهما لمكان أفضل خوفا عليهما من الحياة، حسبما ذكر، ثم فر من مكان الواقعة واختلق واقعة المحضر المسطر على لسانه بتاريخ 21/8/2018 الساعة الثامنة مساء.
أسفرت تحريات إدارة البحث الجنائي التفصيلية المؤرخة في 24/8/2018 والمسطرة بمعرفة العقيد سيد خشبة، رئيس فرع البحث الجنائي شمال الدقهلية، عن أن المدعو محمود نظمي من مواليد 1/10/1985 بدون عمل هو الابن الأصغر لأسرة ميسورة الحال آلت إليه بعد موت والده تركة لا بأس بها جعلته هدفا لبعض من الأصدقاء العاطلين لنيل بعض عطاءاته المادية والعيش إلى جواره معتمدين على إنفاقه عليهم
وذكرت التحريات، أنه قبل 6 أعوام ارتبط المذكور بعلاقة زوجية بالمدعوة سماح طارق الشافعي، وأثمر زواجهما طفلين هما “ريان ومحمد” وتوسعت علاقات المدعو محمود نظمي وارتبط بمجموعة من أصدقاء السوء من أصحاب المصالح وتوثقت صلته بهم على نحو جعل من دائرة هؤلاء الأصدقاء ملاذا أقرب إليه من أسرته، وصار أفرادها أوثق صلة إليه من أشقائه، وأن المذكور أطلق وأصدقائه العنان وراحوا يمارسون الفجور وتعاطي المخدرات على نحو علني وسيء السمعة حيث يتولى محمود نظمي الإنفاق ببذخ لافت ومستفز.
وأوضحت التحريات أن أهل محمود نظمي قد انزعجوا من تصرفاته ورأوا في سفهه سببا يوجب عليهم مقاومته خوفا على أمواله المعرضة للنفاذ فأجمعوا أمرهم على مواجهته وطارد شقيقاه “رضا ومحمد” المترددين على وكر شقيقهم وأجبروه على تحويله لمنزل أسري يقيم فيه مع وزوجته كما حاولا إدخاله مصحات علاج الإدمان إلا أن ذلك لم يجد نفعا.
وقال العقيد السيد خشبة في تحرياته، إن نظمي لم يقف موقف المحايد ولكنه انحاز إلى أصدقاء السوء في مواجهة شقيقيه وحرر لهما محضرا اتهمهما فيه بالتعدي عليه وعلى بعض أصدقائه وأن علاقة محمود نظمي توترت بذويه وزوجته وأهله وأهل زوجته إلى درجة كبيرة اضطر إزاءها الرضوخ لهم ونقل أسرته للبيت الذي كان يتخذه وأصدقاؤه مركزا لهم إلا أن ذلك أشعره بالإحباط الشديد والكراهية لأسرته وزوجته وأبنائه الذين أرغموه عن التخلي عن حياته الخاصة.
وأشارت التحريات إلي قيام المذكور بالتخلص من طفليه وذلك بعد أن سولت له نفسه المريضة أنهما العقبة في عودته إلى حياته السابقة مع أصدقاء السوء كما أن وجودهما الحجة الرئيسية لأسرته في غل يده عن التصرف في ثروته الموروثة، بالإضافة إلى ما تتسم به نفسه من اللامبالاة والتجرد من المشاعر والأنانية الخالصة التي تفقده روح الأبوة ومسؤولياتها.
وأكدت مذكرة النيابة أنه جرى إجراء المعاينة التصويرية لارتكاب الواقعة ولم تخرج عما أدلى به ووردت الصور الفوتوغرافية الخاصة بتمثيل المتهم للواقعة، وكيفية ارتكابها وفق الاعتراف الصادر منه والمعاينة التصويرية وأرفقت بالتحقيقات وكذلك أوراق الاستدلال والتحقيقات الخاصة بالمحضر الرقيم 4521 لسنة 2018 إداري مركز فارسكور للارتباط.
سألت النيابة كل من السيد محمد عبد المنعم، 49 سنة، حاصل على دبلوم فني صناعي، والذي أقر بأنه أثناء تواجده بالطريق الرابط ما بين مدينتي “ميت سلسيل والمنصورة” في غضون الساعة السادسة والربع مساء بتاريخ 21/8/2018 شاهد المتهم بسيارته المضبوطة وبرفقته نجليه متجها ناحية مركز فارسكور، وكذلك محمد عبد الوهاب حسن، 26 سنة، سائق درجة ثانية، والذي قرر بذات المضمون، وقدم عدد اثنين فيديو تبينا بمشاهدتهما على نحو ما أورداه بأقولهما كما جاء ومواجهة المتهم بهما، وبسؤال “سامح ع. ه”، عامل محطة تموين الوقود، قرر بأن المتهم قد قدم إلى محطة الوقود التي يعمل بها وكان ذلك في عضون الساعة السادسة والنصف يوم 12 أغسطس، حيث موّن سيارته وكان برفقته طفلين أحدهما يلهو بالمقعد الخلفي خلف السائق والآخر يجلس بجواره نائم، ولم يستغرق مكوثه بمحطة الوقود سوى 5 دقائق، أو أقل وانصرف بعدها متجها إلى طريق الإسكندرية فارسكور، وعرض الفيديو المأخوذ من الكاميرا الخاصة بمحطة الوقود على المتهم فأقر به وبتوقيتاته.
تفريغ أربعة مقاطع تصويرية لكاميرات المراقبة
جرى تفريغ المقاطع التصويرية لكاميرات المراقبة، أولها تفريغ كاميرا بنزينة فارسكور وتبين أنه عبارة عن فيديو كاميرا مدته 7:42 دقائق بتاريخ 21/8/2018، ويظهر بالفيديو بنزينة فارسكور وعند الثانية 49 بمقطع الفيديو والذي يوافق الساعة 6:30 مساء حسب التوقيت الظاهر على فيديو الكاميرا يظهر دخول سيارة ماركة هيونداي ماتريكس أسود اللون تشبه سيارة المتهم بذات أوصافها بالمعاينة وعند الساعة 6:31 حسب التوقيت الظاهر على فيديو الكاميرا يظهر طفل يخرج رأسه من نافذة المقعد الخلفي للسيارة خلف المتهم واستقرت السيارة وقام بالتموين ثم غادر في الساعة 6:32 مساء حسب الفيديو الظاهر على فيديو الكاميرا، ومقطع فيديو آخر تفريغ كاميرا بطريق البحر أمام الملاهي الساعة 6:12 مدته 59 ثانية وفي تمام الساعة 6:12 مساء حسب التوقيت الظاهر على فيديو الكاميرا تبين مرور سيارة تشبه سيارة المتهم متجهة في اتجاه فارسكور، ومقطع تفريغ كاميرا أول طريق الخضيري المؤدي لفارسكور الساعة 6 والدقيقة 52، ومقطع تفريغ كاميرا رابع لمدخل الجمالية طريق البحر الساعة 6:20 مدته 28 ثانية وجميعها كانت على طريق فارسكور محل ارتكاب الواقعة وموافقة لإقرار المتهم والمعاينة التصويرية، وبتاريخ 25/8/2018 وبمواجهة المتهم في التحقيقات بمقاطع الفيديو المعروضة عليه إثر تفريغ كاميرات المراقبة، أقر بها وأن تلك السيارة خاصته وأنه كان برفقة صغاره المجني عليهما.
عرض المتهم على مصلحة الطب الشرعي بالمنصورة وأخذ عينة بول ودم وأرسلت بتاريخ 25/8/2018 لمعامل الطب الشرعي الميداني بالقاهرة لفحصها، وبيان عما إذا كانت تحوي آثار لمواد مخدرة أو عقاقير مؤثرة على الحالة النفسية والعصبية وورد تقرير الطب الشرعي الميداني بشأن عينتي البول والدم المأخوذة من المتهم والذي انتهى إلى إيجابية تعاطي المتهم لمخدر الحشيش وعقار الترامادول وأرفق بالتحقيقيات.
وبعرض المتهم على القاضي الجزئي بتاريخ 26/8/2018 للنظر في أمر تجديد حبس المتهم، أصدر قراره بتجديد حبسه 15 يوما على ذمة التحقيقات على أن يراعى له التجديد في الميعاد القانوني.
تقرير الطبيب الشرعي حول وفاة الطفلين
ورد تقرير الطب الشرعي والخاص بالصفة التشريحية للمجني عليهما والذي انتهى إلى أنه بفحص وتشريح جثتي الطفلين ريان محمود نظمي، وشقيقه محمد، أنهما في دور بداية التعفن الرمي على هيئة ظهور الشجرة الرمية مع اخضرار وانتفاخ البطن، وتبين من الفحص والتشريح وجود إصابات رضية بسيطة حيوية بيسار العنق وهي إصابات بسيطة لا تكفي لإحداث الوفاة، ولم يتبين من فحص وتشريح الجثتين ثمة أحوال مرضية ظاهرة يكون من شأنها إحداث الوفاة، وتبين من الاطلاع على مذكرة النيابة الشارحة لظروف الواقعة.
كما تبين من فحص وتشريح الجثتين وجود زبد رغوي من فتحتي الأنف والفم مع وجود الرسوب الدموي الرمي بأعلى الجثتين مع احتقان حشوي فضلا عن كبر حجم الرئتين وعلامات انطباع الأضلاع مما يشير لحدوث وفاة المذكورين من جراء استفكسيا الغرق كان قد مضى على الوفاة لحين التشريح مدة حوالي يوم وقد أرفق بالتحقيقات.