كتب مدحت عويضة
نشرت المنظمات الأمريكية تقرير في منتهي القسوة عن إنتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، اعقب التقرير تغريدة علي موقع التواصل الإجتماعي ”تويتر“ أدانت فيها كندا عملية القبض علي حقوقيين وطالبت بالإفراج الفوري عنهم.
السعودية عجزت عن الرد علي الخمسين صفحة الأمريكية وعلي التعليقات الرسمية الأمريكية التي أدانت وشجبت وعبرت عن قلقها وعدم رضاها فيما يتعلق بإنتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، بينما ردت بقوة علي كندا!!! فطردت السفير الكندي وقامت بتجميد التبادل التجاري وسحب الطلبة السعوديين وسحب الأطباء المتدربين وغيرها من الإجراءات القاسية ضد كندا.
ثم توالت ردود الأفعال الكندية، وهنا أركز علي ردود أفعال أبناء الجالية العربية، والتي أنقسمت بين فريق كبير بل والغالبية العظمي يدين كندا!!!!. وتستند هذه الأراء علي أن تغريدة وزيرة الخارجية الكندية تدخل في الشأن السعودي الداخلي، وكما أننا لا نقبل تدخل الغير في شؤوننا فينبغي أن لا نتدخل في شئون أحد، وأن ما فعلته كندا هو إنتهاك للسيادة السعودية علي أراضيها، الغريب أن هذا الرأي كان رأي أغلب الصحف الكندية الناطقة بالعربية أي النخبة المثقفة!!!!.
والرأي الثاني يقول أننا بموجب ميثاق الأمم المتحدة الموقعة عليه الدول ومنها السعودية، فكل الدولة لها الحق في إبداء رأيها في مسألة تخص حقوق الإنسان. وكندا لم تخطئ ولولا سوء العلاقة بين ترامب وتردو لما تجرأت السعودية حتي بالتعليق علي التغريدة الكندية.
الحقيقة أن هذه المعركة لا تخص كنداوالسعودية وحدهما بل تخص كل فرد معني بحقوق الإنسان، وبالأخص الأقليات المختلفة في العالم والتي لولا تدخل الدول الغربية لأنتهي و إنقرض معظم هذه الأقليات. لو إنتصرت السعودية علي كندا في هذه المعركة فمعناها إنتكاسة كبيرة لحقوق الإنسان في العالم تعود بنا لخمسين عاما للخلف. أتعجب علي قوة السعودية هذه المرة وخصوصا أن لي تجربة معهم سنة ٢٠٠٧ حينما احتجز طبيب مصري هناك أسمة ”ممدوح فل فهمي“. وكيف تمكنا وقتها من إجبار السعودية علي تسليمه جواز سفرة وإعطاءه تزكرة سفر مجانية وتركه يعود لمصر ولم نتعاون مع حكومات وقتها بل منظمات حقوقية وللعلم المنظمات هي التي تدحلت وطلبت التعاون معنا بعد نشر القضية بالإنجليزية.
عموما للمؤيدين والمعارضون للموقف الكندي ولموضوع سيادة الدولة علي أراضيها، لدي رد بسيط وهو أنه كانت تسود العالم نظرية السيادة المطلقة للدولة، والتي بموجبها لا يحق لأي دولة أخري التدخل في شئون أمر داخلي لدولة لأخري، وفشلت هذه النظرية وكان سبب فشلها الحربين العالمية الثانية، وبعد الحرب العالمية الثانية، تم تكوين منظمة الأمم المتحدة بعد فشل عصبة الأمم، وكان فشل الأمم المتحدة يعني حرب عالمية ثالثة، وإتفقت جميع الدول المنضمة للأمم المتحدة علي إنتهاء نظرية السيادة المطلقة للدولة، والعمل بنظرية السيادة النسبية للدولة لصالح الأمم المتحدة ولصالح مؤسسات الأمم المتحدة، فلم تعد الدولة عي السلطة الأعلي بل أصبح هناك من يستطيع أن يفرض قراراته علي الدول كمجلس الأمن الدولي مثلا. والدول التي وقعت علي الإنضمام للأمم المتحدة وقعت علي أن سيادتها علي أراضيها غير مطلقة وهي سيادة نسبية.
من ناحية أخري فأن وثيقة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتي تعتبر أن الدولة الموقعة علي الوثيقة قد إعتبرت أن الوثيقة هي جزء من دستورها الداخلي، أي أن الوثيقة هي جزء من الدستور الكندي والسعودي والمصري وهي جزء مشترك بين الدوله الموقعة عليه وبالتالي تستطيع أي دولة التعليق في حالة إنتهاك دولة أخري لهذه الوثيقة. وأيضا تستطيع أي دولة موقعة مطالبة دولة أخري بشرط توقيع الأخيرة بالإلتزام بالوثيقة، والمطالبة بذلك ليس تدخل في شأن خارجي بل هو إلتزام بمعاهدة دولية موقعه علي كلتا الدولتين.
من العرض السابق يتضح أن كندا لم تخطئ بل أستخدمت حقها القانوني، والتي حصلت عليه من توقيعها علي وثيقة الإنضمام للأمم المتحدة، وبتوقيعها علي والوثيقة الدولية لحقوق الإنسان والتي وقعت عليها مع السعودية. فكندا لم تخطئ والسعودية ليس بهذه القوة لترد بهذه القسوة علي كندا. ولكنها رعونة تردو والتي تسببت في أن يشتم ترامب مرتين أثناء انتخابات الرئاسة الأمريكية، والتي جعلت من أمريكا وأوروبا تقف موقف المتفرج من الإزمة. أما الشئ الأكثر خطورة هو أن الدستور الكندي يطالب كندا بالتدخل في حالة انتهاك حقوق الإنسان في أي مكان في العالم!!!!!.