الإثنين , ديسمبر 23 2024
الكنيسة القبطية
ماجد سوس

بين العَاثِر والمُعثَر

في ضوء الأحداث الأخيرة مرت الأسابيع الماضية على الكنيسة وشعبها وكأنها الدهر كله، لم يكن يتوقع أحد أن تستيقظ الكنيسة يوما على جريمة قتل بشعة، دماء متناثرة على بقعة من أطهر بقاع الأرض، في وقت من أقداس أوقات يوم الراهب العاشق لتسبيح الله، يستيقظ رجل الله البسيط المتسربل بالتواضع ليذهب ليلتقي إلهه في بيته فينقض عليه إبليس وأعوانه ويلقوه أرضاً نائماً وسط دماءه.

ما أصعبها قصة لم تخطر على فكر كاتب قصص الشر المحترف . أب يُقتل من أبنائه، شيء لا يصدقه عقل.

لن أدخل في تفصيلات القصة التي يعلمها القارئ بتفصيلاتها ولن أقوم بتحليلات امتلأت بها الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي ولكن سأنظر للقصة من جانب آخر وهو لا يقل أهمية من الجريمة نفسها وهو جانب الألم النفسي الذي أصاب الكنيسة على كل مستوياتها وأقصد بالتحديد العثرة.

فالعثرة تشمل الجميع وتمس الراعي والرعية فالرعية غالبيتها يشعر بمرارة تلك العثرة التي تمخضت عن الفعل الإجرامي الشنيع الذي حدث في برية شيهيت منارة الفكر المسيحي في العالم . الشعب هنا لا يستطيع أن يرى الأحداث بعيدة عن زيها الأسود الذي يحبه ويقدّره كثيراً ومن كانت العثرة ومرارتها .

أما باقي الرعاة فهم أيضاً في موقف صعب جداً فإذا اهتزت صورة الراعي أمام رعيته فكيف يقودها في مرعى حسن نحو أرض الموعد التي تفيض لبناً وعسلاً.

في البداية أود أن أرسل رسالة إلى آبائي الأكليروس والخدام مفادها بإختصار شديد أن ماحدث رغم انه فاجعة إلا أنه لا يجعلكم تهتزوا على الإطلاق فجريمة يهوذا لا تقلل من قوة باقي التلاميذ وثباتهم وطهارتهم وآمانتهم فإن كان هناك يهوذا فهناك إحدى عشر تلميذاً غيروا خريطة العالم ونشروا شريعة الحب والغفران

ولم ينجح إبليس في ضرب الكنيسة وعثرة شعبها فليكن إهتمامكم الأول هو إظهار صورة التلامذ بل صورة يسوع لمسيح فيكم وليكن شفيعكم هذا الأسقف الشهيد نيافة الأنبا إبيفانيوس الذي تبوأ مكانة عظيمة في الملكوت بسبب إتضاعه وحبه.
حينما دخل الآباء قلايته بعد إستشهاده وجدوه يعيش في فقر عجيب فهو ينام على حصيرة وبجانبه كتبه وقلايته بسيطه، ليس له خادم أو تلميذ يعينه والأغرب من هذا بعد تجليسه على كرسيه في الدير خلع تاجه ونزل من كرسيه وقال للأباء الرهبان انا أخوكم يا آبائي فلا أريدكم أن تنادوني بسيدنا ولا تضربوا لي الميطانيات – السجود – وطلب عدم تمجيده وإستخدام ألحان كنسية خاصة به.

أما عن محبته فقد كان غفورا صفوحاً لشاتميه حتى أن الراهب المجرد المتهم بقتله تهجم عليه أكثر من مرة ومسك في ملابسه أمام الناس لأنه طلب منه ان يترك المضيفة والجلوس مع الناس ليساعد اخوته في احدى الخدام وحتى حينما أتعبه كثيراً لم يشأ أن يجرده من رهبانيته بل طلب من البابا ان ينقله إلى دير آخر وحين تشفع أخوته له وافق الأسقف الشهيد من أجل محبته لأولاده.فالحب والإتضاع يا أحبائي هما سر نجاح الخادم وضمان نجاح الخدمة بل وضمان الملكوت

أما من جهة الرعية يا أحبائي فأقول لا نعثر يا أحبائنا لأنه ليس أحد بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحدا على الأرض والجميع زاغوا وفسدوا

وهنا علي ان اتحدث بصراحة شديدة عن خطأ قد يقع فيه البعض وهوالتمثال الذي ننحته ونقيمه لإنسان تحت الآلام مثلنا. إنها الصورة التي نرسمها بأيدينا ثم نعود ونلقي على المرسوم لا الراسم خطأ تشويه الصورة وهو أمر يجب معه الوقوف وقفة جادة جداً لنميز بين من يعبد الله ومن يعبد البعل، من يمجد الشخص ومن يمجد المسيح.

يتحدث إليَّ كثير من الأحباء، هل تعرف ماذا فعل فلان الخادم العظيم، لقد أعثرني، لقد صُدمت، تصور لقد قرأت في تاريخ الكنيسة وأعثرت في بعض الإكليروس، لقد سمعت ان الأنبا فلان يقول كذا عن فلان،لقد اقتربت من الرجل الفلاني وأُعثرت في طريقة تعامله مع الناس رغم عظم عظاته.
وهناك من يترك الكنيسة من أجل العثرة سواء من أحد الخدام أو رجال الإكليروس أو غيرهم وأنا هنا لست أهاجم أو أدافع عن شخص أو أشخاص بعينهم ، كما إنني في ذات الوقت لا استبعد فكرة العثرة من حياة الكنيسة، ولكن لأضع أمامكم حقيقة ربما لا يدركها البعض وهي أننا نحن الذين نُعثر أنفسنا بأنفسنا لأننا لا نثبت نظرنا على المسيح وحده الذي شابهنا في كل شيء ما خلا الخطية .

المسيح فقط يا أحبائي هو الذي لم يعرف خطية و هو وحده الذي تحدى كل الخليقة قائلا : من يستطيع ان يبكتني على خطية.

أما مشكلة البعض منا فهي أننا ننظر إلى نصف الحقائق فقط تاركين الحق نفسه.

فهناك من ينظر إلى تاريخ الإكليروس في الكنيسة ولا يجد فيه غير المعثرين كنسطور وأوطاخي وأريوس وغيرهم ولا ينظرإلى المضيؤن فيها كأثناسيوس وكيرلس وديسقورس وغيرهم فيكون بهذا قد أعثرنفسه بنفسه وكان عليه – كما أسلفنا – أن يُثبّتَ نظره على المسيح فقط.

أو كمن يقرأ قصة إنكار بطرس للمسيح ولا يقرأ توبته وتسليم المسيح له سر الكهنوت ومفتاح الملكوت بخلاف عظته العظيمة يوم الخمسين ويزعم أنه أعثر في بطرس، وهوالذي لم يعرف كل الحقيقة ولم يُثبّتَ عينه على المسيح فينسى أن بطرس إنسان خطَاء مثلنا و المسيح فقط هو البار.

إن تعلقنا الزائد بالأشخاص دون التركيز على شخص المسيح أوعمل المسيح فيهم سيضرهم ويضرنا. سيضرهم بأنه ربما يصيرون بعد ما كرزوا مرفوضين بسبب ضربة يمينية. لذا قال أحد الآباء القديسين الحكماء: “لا تمتدح أحدًا،لا في وجهه ولا في ظهره.

في وجهه حتى لا يسقط بالكبرياء وفي ظهره حتى لا تهيج الشياطين عليه.

خذ التعليم من فم المسيح مباشرة فتعلق بالعظة لا بالواعظ ، بالخدمة لا بالخادم، بالترنيمة لا بالمرنم.. وهكذا.

لا تقل لقد اقتربت من الواعظ الشهير فوجدته عصبي أو غير صبور.

أولا، ربما يشغله موضوع ما ولاسيما أن المشاكل التي يشترك في حلّها قد تكون فوق الطاقة ولأنه بشر مثلك فلم يتحكم في مشاعره. ثانياً، أعلم أنه يجاهد مثلك تماماً بل وأكثر لأن دماء كثيرين تطلب منه.

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.