فى قطار حياة الأفراد والمجتمعات محطات شعارها اليأس ، وفى تلك المحطات يغيب الرجاء وينقطع الأمل ، وعندما يسيطر شعور اليأس على نفوس الأفراد والمجتمعات ،وفى غياب الايمان الحقيقى بالله تعالى ، يصبح من الطبيعى أن يصاب المجتمع بحالة من الاحباط وهذا ينعكس سلبا على الحالة النفسية للمجتمع ككل ، ولهذا من الواجب أن ننبه الى أن يكون شعارنا دوما ” لا تيأس ” وكما يقال فى الأمثال :
- اليأس لا يليق بكبار النفوس .
- اليأس طريق سهل يسلكه العاجزون .
- الكسل واليأس من مفاتيح الذل والضياع
معنى اليأْس لغةً:
اليأْس: القنوط، وقيل: اليأْس نقيض الرجاء أو قطع الأمل، يئس من الشيء ييأس وييئس؛ والمصدر اليأْس واليآسة واليأَس، وقد استيأس وأيأسته وإنه ليائس ويئِس ويؤوس ويَؤُس، والجمع يُؤُوس
معنى اليأْس اصطلاحًا:
قال العسكري: (اليأْس: انقطاع الطمع من الشيء) وقال ابن الجوزي: (اليأْس: القطع على أنَّ المطلوب لا يتحصل لتحقيق فواته).
إن العبد المؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87).
أم كيف يتمكن الإحباط من تلك النفس المؤمنة وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23).
فإذا أيقن بهذا فكيف ييأس؟ إنه عندئذٍ يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضىً تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح.
إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [الزمر:53].
قال بعض العلماء: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسٌ غرسًا.
ولا تيأسن من صنع ربك إنه.. …. ..ضمينٌ بأن الله سوف يُديلُ
فـإن الليالي إذ يـزول نعيـمهـا.. …. ..تبشــر أن النائبــات تزولُ
ألـم تـر أن الليـل بعـد ظلامــه.. …. ..عليـه لإسفار الصباح دليلُ
لما جاءت إبراهيم عليه السلام البشرى بالولد في سنٍ كبير أبدى تعجبه فقال: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)[الحجر:54]. فقالت الملائكة: (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ)[الحجر:55]. قال عليه السلام: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)[الحجر:56].
إن الأمور وإن تعقدت، وإن الخطوب وإن اشتدت، والعسر وإن زاد، فالفرج قريب:
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110]. ولا يغلب عسرٌ يسرين: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح: 5، 6].
علاج اليأس
إن اليأس مرض من الأمراض التي تصيب النفوس فتقف عاجزة عن إدراك المعالي، ومن هنا فإننا نضع خطوطًا عريضة ونقترح بعض الوسائل التي نرجو أن تكون نافعة في علاج هذه الآفة، ومنها:
1- تعميق الإيمان بالقضاء والقدر بمفهومه الصحيح، وتربية النفس على التوكل على الله، ونعني بذلك أن يعتمد القلب في تحقيق النتائج على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبذل الجهد الممكن للوصول إلى الأهداف المنشودة.
2- تنمية الثقة بالنفس، والاعتماد على الذات في القيام بالأعمال، وتحمل المسؤولية عن نتائجها بغير تردد ولا وجل.
3- اليقين بالقدرة على التغيير إلى الأفضل في كل جوانب الحياة ومطالعة تجارب الناجحين في شتى الميادين.
4- قراءة قصص الأنبياء والصالحين الذين غير الله بهم وجه الحياة والتعرف على الصعاب والمشاق التي واجهوها بعزم صادق وقلب ثابت، حتى أدركوا مناهم بحول الله وقوته.
5- اليقين بأن الاستسلام لحالة اليأس لن يجني صاحبها من ورائها إلا مزيدًا من الفشل والتعب والمرض، وأن البديل هو السعي والجد وتلمُّحُ الأمل.
إذا اشتمـلت على اليأس القلـوب.. … ..وضاق لما به الصدر الرحيبُ
وأوطــأت المكــاره واطمــأنت.. … ..وأرست في أمكانها الخطـــوبُ
ولم تر لانكشـاف الضـر وجهًا.. …. ..ولا أغنــى بحيلتـــه الأريـــبُ
أتاك على قنـوط منــك غـــوثٌ.. …. ..يمـن به اللطيـف المستجيــــبُ
وكــــل الحادثـات إذا تنـــــاهت.. …. ..فموصـول بها الفـرج القريـب
- ومن الحكم والأمثال التى تحدثت عن اليأس :
- اليأس جبن
- أكبر خطأ ترتكبه اليأس
- اليأس من انتحار القلب .
- أكبر الفتنة قاتل الأمل .
- من ملكه اليأس قتله الأسف .
- ينجم اليأس عن الخوف والثقة عن الرجاء .
- الإسراف في اليأس ضعف والإسراف في الأمل غرور .
- لا تدع قطار حياتك يتوقف كثيراً على محطة اليأس واحتفظ دوماً بتذكرة الأمل .
وأخيرا وكما قلنا من قبل فإن الاستسلام لحالة اليأس لن يجني صاحبها من ورائها إلا مزيدًا من الفشل والتعب والمرض، وأن البديل هو السعي والجد وتلمُّحُ الأمل، وليكن الشعار دوما “لا يغلب عسرٌ يسرين” : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح: 5، 6).
اجعلوا من الرجاء منبرا وطريقاً للتغلب على الصعاب ، ولا تستسلموا لليأس ، واعلموا أن هناك رب “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ “( غافر : 19) ، وهو سبحانه وتعالى القائل ” إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ” ( يس : 82 ) .
والى اللقاء مع الحكم والأمثال .