د.ماجد عزت إسرائيل
ولد القدّيس يعقوب في مدينة اسمها لابات، في ناحية سوز الفارسية، على بعد نحو (٣٠٠) كيلومتر تقريباً شمال الخليج الفارسي،وكان ينتمى لعائلة مسيحية ثرية من فئة النبلاء،عرف عنها الكرم وإضافة الغرباء، تلقّى يعقوب قسطاً وافراً من علوم عصره، ارتبط بصداقة حميمة بالشاه الفارسي، يزدجرد الأول (399 -420) – الذي يلقب الأثيم(بزه كار) والخشن، كان ملكا ساسانياً في إيران وكان ملكاً مسالما يكره الحرب، وضرب على سكّته اسمه يزدجرد المسالم- وقد أسبغ عليه هذا الأخير امتيازات شتى فبات أكثر معشر يعقوب أهل القصر وأكثر أجوائه مجالس كبار القوم،والحقيقة التاريخية فى بلاد فارس كانت تتعرض للاضطهاد المستمرة من أصحاب الدينية الرسمية بالبلاد،وقد زاد الاضطهاد منذ عام (411م) عقب قيام أسقف مدينة المدائن بحرق أحد المعابد التى اعتاد يزدجرد الأول تقديم ذبائحه.
والحقيقة أن يعقوب كان يتمتع بمكانة كبيرة في بلاط الملك يزدجرد الأول،وبعد حرق معبد المدائن على يد أحد الأساقفة، شن هذا الملك اضطهاد شديد على المسيحيين ببلاد فارس، فخاف يعقوب على مركزه فأخفي مسيحيته،فلما علمت أمه وزوجته وأخته بذلك أرسلن إليه موبخين إياه علي ضعف إيمانه حيث ذكرت قائلات: “عار على من هو مثلك، رفيع في الحسب والنسب والإيمان أيضاً، أن يسقط في جبّ الضلال العالمي طمعاً في أمجاد تافهة مزيفة.من المؤسف كل الأسف أن تؤثر الملك الأرضي على الملك السماوي، ملك الملوك ورب الأرباب. ماذا نقول فيك يا مستحق النوح والبكاء والشفقة؟ أية عطية سيجزل لك يا عديم العقل؟ إننا ننوح من القلب ودموعنا تتساقط مدرارة حزناً على صنيعك الممقوت.لكننا نتضرع إلى الرب أن يفتح عينيك المغمضتين،وأن يلقي بنوره الإلهي في صدرك كي تعود عن غيّك وضلالك. حاول أن تفهم ما آلت إليه حالك. جرّب أن تدرك الخطيئة العظيمة التي وقعت فيها. فكّر في أنك كنت ابناً للنور فأصبحت ابناً لجهنم. لا تفوّت فرصة خلاصك، ولا تؤّجل عمل التوبة. مدّ إلى العلّي يد التضرع والانسحاق. عد إلى رشدك وصوابك فيعود فرحنا بك. ولا تنس أن إصرارك على ما أنت فيه سيجعل بينك وبيننا قطيعة”.
على أية حال عندما وصل خطاب عائلته إليه وقرأه ندم علي ضعف إيمانه باكياً وذكر قائلاً: “إذا كان بفعلي هذا قد تغربت عن أهلي وجنسي فكيف يكون أمري مع السيد المسيح الذي فداني بدمه”.بعدها ترك خدمته لدي الملك وتفرغ لدراسة الكتاب المقدس، وعندما علم الملك بأمره وتأكد من مسيحيته، استدعاه وسأله عن حقيقة الأمر، فاعترف ولم ينكر.وبدا الملك لبعض الوقت غير مصدّق، لكن يعقوب أصرّ. حاول يزدجرد إغراءه بالمناصب والمال والأمجاد فلم يبال. قال أنه مستعد أن يهبه حتى نصف مملكته فلم يصغ. ذكّره بالشباب وحلاوات الحياة فلم يتزحزح. هدّده فلم يكترث. إذ ذاك خرج الملك عن طوره وأسلمه، في غضب شديد، إلى التعذيب. فأمر بضربه و لما لم يرجع عن إيمانه أمر الملك بتقطيعه قطعاً(عضواً عضواً). كان القديس يصرخ مع كل عضواً يُقطع قائلاً “يا ألهي أرحمني كعظيم رحمتك”، و لما علم بقرب ساعته الأخيره سأل الرحمه و التحنُن من الله لأجل الشعب المسيحي. ولما حضرت الساعة، بدا بعض الناس حزانى باكين فقال فيهم يعقوب: “لا تبكوا علي أيها البائسون، ابكوا أنفسكم وشهواتكم وملذاتكم. سأتوجع قليلاً، ثم ينتهي كلّ شيء. أما أنتم فمصيركم هنا غير مضمون”.
كان يعقوب يصلي إلي الله معتذراً قائلاً “ليس لي رجلان لكي أقف أمامك ولا يدان أبسطهما قدامك فأقبل نفسي اليك يارب”. قطعوا رأسه المقدسه بعد عذابات أليمه ونال هذا القديس إكليل المجد الأبدي عام 421م وكان استشهاد يعقوب في مدينة بابل على نهر الفرات بالعراق. وعندما علمت أمه وأخته وإمرأته فجئن ومعهن أطياب ثمينه ووضعوها علي جسده المقدس الذي أحرقه بعد ذلك ملك الفرس بسبب الأيات التي ظهرت منهن وقد تمكّن بعض الأتقياء من أخذ الجثمان ولملمة الأطراف ونقله بإكرام وخشوع إلي مدينة أورشليم. وتوجد العديد من الكنائس على اسمه،كما أن رفاته توجد فى جميع ربوع العالم.ليتنا نتعلم من سيرة القديس الشهيد يعقوب المقطع.
شاهد أيضاً
صناعة الانحدار !!!
كمال زاخر الخميس ٧ نوفمبر ٢٠٢٤ من يحاربون البابا الحالى هم تلاميذ من حاربوا البابا …