الدكتور / صلاح عبد السميع
فى رمضان نستدعى كل الخصال الطيبة والمعانى السامية ، وخلق الرحمة نموذج يتجسد فى سلوكيات الأمة فى رمضان فنرى الراحم بين العباد ، ونرى رحمة رب العباد ” الرحمن الرحيم ” ونشاهد رحمة الكبار بالصغار ، ان رمضان ترجمة لكل معانى الرحمة من خلال ممارسات أبناءالمجتمع الواحد بل أبناء الأمةالواحدة ليلا ونهاراً ، والرحمة بمثابة خلق سام, وسجية عظيمة لا بد أن يتخلق الانسان , فهي من مبادئ الإسلام الأساسية, وأخلاقه الكريمة وتتجلى أهميتها في أن الله عز وجل تسمَّى واتصف بها, فمرة باسم الرحمن ومرة باسم الرحيم فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهم قال تعالى: الرحمن الرحيم فجمعهما الله في مكان واحد لتستغرقان جميع معاني الرحمة وحالاتها ومجالاتها .
معنى الرحمة لغة:
قال الجوهري: الرحمة: الرقة والتعطف .
وقال ابن منظور: والرَّحْمَةُ في بني آدم عند العرب رِقَّةُ القلب وعطفه .
ومنها الرَّحِم: وهي عَلاقة القرابة، ثم سمِّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يُرْحَمُ وَيُرَقّ له مِن ولد .
وقد تطلق الرحمة ويراد بها ما تقع به الرحمة كإطلاق الرحمة على الرزق والغيث .
معنى الرحمة اصطلاحاً:
الرَّحْمَةُ رقّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، وقد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، وتارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة ، وقيل: (هي رقة في النفس تبعث على سوق الخير لمن تتعدى إليه).
لعلى استدعى مرحلة الطفولة وأنا فى المرحلة الابتدائية كنا نحب القصص ، وكنا نتفاعل مع ما تقصه علينا معلمة الصف الأول الابتدائى ، الأستاذة تحية نموذج المعلمة المبتسمة الطيبة المحبة الرحيمة بتلاميذ الصف ، ومن القصص التى كانت تقصها علينا تعبيرا عن الرحمه.
فكانت تقول لنا فى مقدمة الكلام ، كان ياما كان ولا يحلى الكلام الا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام ……
كان رجل يسير في الصحراء
وكان الجو شديد الحرارة فعطش عطشا شديدا.
وأثناء سيره وهو يبحث عن الماء وجد بئرا
نزل الرجل ليشرب
وقبل الشرب قال : بسم الله
وبعد الشرب قال: الحمد لله
وبعد أن خرج الرجل من البئر
وجد كلبا يخرج لسانه من العطش
ففكر قليلا ثم قال: ماذا أفعل حتى يشرب هذا الكلب.
نزل الرجل فى البئر مرة ثانية وملأ حذاءه ماء.
قدم الرجل الماء للكلب فشرب حتى ارتوى .
كان جزاء هذا الرجل الذى سقى الكلب أن غفر الله له وأدخله الجنة.
كنا نتفاعل مع القصة ونترجم التفاعل من خلال سلوكياتنا ، والتى قد تظهر من خلال زجر التلاميذ الذين يقومون يتعذيب طائر أو كلب صغير ، والدفاع عن الطائر أو الكلب وتخليصه من ايدى هؤلاء الأطفال ، وعند العودة الى المدرسة فى اليوم التالى نخبر المعلمة بما حدث ، وكانت تشجعنا على فعل الخير دوما .
ان نموذج القدوة الذى تناولناه فى المقال السابق تجسد فى سلوكيات العديد من المعلمين والمعلمات الذين علمونا ونحن صغار ، ان المعلم القدوة هو ما نحتاجه اليوم ، لن يكون التابلت هو البديل عن المعلم يا سعادة وزير التعليم ، المعلم هو الآب الحنون وهو القدوة والنموذج اذا احسن اعداده تربويا ونفسيا وثقافيا .
ولعل الرحمة خلق الرحمة من جملة الأخلاق الحسنة الظاهرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان دائما ما يحث على الرحمة, فكيف كانت رحمة النبي صلى الله علية وسلم ؟
عن أبي قتادة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِنِّي لأَقُومُ فِي الصَّلاَةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ.
قَبَّل النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس[3]، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “مَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ.
من الرحمة بالحيوان والطير في هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لا يجوز تعذيبها ولا تجويعها، أو تكليفها ما لا تطيق، ولا اتخاذها هدفا يرمى إليه، بل وتحريم لعنها، وهو أمر لم ترق إليه البشرية في أي وقت من الأوقات.
وقد شدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المؤاخذة على من تقسو قلوبهم على الحيوان ويستهينون بآلامه.
وبين، صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان على عِظم قدره وتكريمه على كثير من الخلق، فإنه يدخل النار في إساءة يرتكبها مع الحيوان، فقد دخلت النارامرأة في هِرَّة، حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي أطلقتها.
وفي المقابل دخلت الجنة امرأة بغية في كلب سقته، فشكر الله تعالى لها فغفر لها.
ونهى النبي الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن اتخاذ شيء فيه روح غرضا يُتعلم فيه الرمي، فعن سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ قال «مَرَّ عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال ابن عمر: من فعل هذا؟، لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا يُتعلم فيه الرمي»، وعن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ
ومن الحكم والأمثال حول الرحمة :
من لا يرحم لا يرحم .
رحمة الله واسعة .
الرحمة فوق العدل .
إن التسامح هو رأفة الذكاء .
ببذل الرحمة ستنزل الرحمة
الذى لا يعطف على الصغير لا يوقر الكبير .
لا تنبع الرحمة صادقة الا ممن ادركته المحن .
لا تنزع الرحمة الا من شقى .
احق الناس بالرحمة العاقل يسلط عليه الجاهل .
ارحموا عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما بين جهال .
ارحموا ضعفاءكم فالرحمة لهم سبب رحمة الله لكم .
الرحمة التى تغفر للمجرمين جرائمهم ليست الا رحمة قاتلة .
ما أعظم ان نؤصل تلك القيم فى نفوس ووجدان أبناء المجتمع ، وما أحرجنا الى أن تتحول الرحمة الى سلوك يومى فى رمضان وغير رمضان ، فعندما تغيب الرحمة يضيع المجتمع وتضيع الأمة ، فلا حديث عن تعليم ولا تربية ولا اقتصاد ولا سياسة فى غياب الرحمة واخيرا ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء …… والى الملتقى مع قيمة جديدة من قيم رمضان .