الإثنين , ديسمبر 23 2024
محمود طاهر

الشعور بالمسئولية

محمود طاهر يكتب : الشعور بالمسئولية 

يقول الكاتب يوسف إدريس :- ” كنت أبحث عن سر نهضة اليابان ، عن الاسباب العميقة التي جعلت بلداً صغيراً معزولاً لان يصبح قوة صناعية واقتصادية كبرى .
و قد عرفت السبب ، حيث كنت ذات مرة عائداً إلى الفندق في وسط طوكيو – حوالى منتصف الليل – ورأيت عاملاً يعمل وحيدا ، فتوقفت أراقبه ولم يكن معه احد وولم يكن يراقبه احد ، ومع ذلك كان يؤدى عمله بجد ومثابرة كما لو أن العمل ملكه هو نفسه ، عندئذ عرفت سبب نهوض اليابان هو شعور ذلك العامل بالمسئولية النابعة من داخله بلا رقابة ولا قسر ، وعندما يتصرف شعب بكامله مثل ذلك العامل فإن ذلك الشعب جدير بأن يحقق ما تحقق في اليابان من نهضة ” .

👈 إذن شعور الفرد بمسئوليته نحو وطنه عماد نهضة هذا الوطن، وعماد بناء الشخصية المستقلة لذلك المجتمع و عماد حماية الأملاك العامة.
فماذا عن عالمنا العربي ؟
الواقع الذى لا يحتاج لبرهان هو غياب الشعور بالمسئولية تجاه الملكية العامة و تجاه المجتمع وكأن المجتمع يعادى نفسه .
لكن من العبث أن نتعامل مع هذا الامر إذا ما تلمسنا له علاج على انه مجرد سلوكيات خاطئة لدى افراد المجتمع العربي ، ومن العبث أيضاً محاولات إصلاح ذلك السلوك ، بما نسميه توعية الافراد بأهمية الملكية العامة ، سواء عن طريق الوعظ الديني والأخلاقي ، وأو عن طريق تجريم الاعتداء على الملكية العامة.
كل هذه الإجراءات و ما على شاكلتها لا يخدم القضية ولا يمكن أن يصنع مجتمعاً يتصرف أفراده على نحو ينطلق من الشعور بالمسئولية ، فهذه وغيرها من الاجراءات السطحية ما هي إلا ترقيع ردئ لثوب ممزق .
وأولى بالباحث عن علاج أن يتبين السبب سبب عدم اكتراث المواطن العربي بما هو ملكية عامة ، إن اقتران الممتلكات العامة بالسلطة لدى وعى المواطن العربي يخلق شعوراً بان هذا ما للحكومة فبلا وعى منه ينتقم من الحكومة التي لا ترعى حقه ومن السلطة التي تستبد به بتخريب ما يظنه ملكاً لها .
وما دفع الناس إلى ذلك إلا الاستبداد ، فعندما يعامل الشعب على نحو سيء فإن الشعور بالاختناق والتوتر يصبحان سمة عامة للمجتمع بكامله ، وفى هذه الأجواء ينعدم الشعور بالمسئولية لغياب العدالة الاجتماعية ، ويكون سلوك المسيطر القوى مقبولاً معتاداً ويرضخ له المجتمع .
إن انعدام المسئولية الذى يخالط الأنفس في المجتمعات العربية ، ليس نبته شيطانية بلا جذور ، ولا محض سلوك خاطئ لأفراد ، بل هو ربيب النظام السياسي والاجتماعي في هذه المجتمعات ينطلق من الممارسات التي تولد لدى المواطن شعور بالقهر والظلم ممزوجاً بالخوف ومن ثم ينشط لديه إحساس بأن الفرد هنا لا يحميه شيء إلا إذا كان مقرب من السلطة أو على الأقل لا يعارضها .
ويندفع كل فرد دفعا نحو استغلال وظيفته ، والتسلط بحرفته ومهنته بقدر استطاعته ويتفق الجميع بالصمت على قبول هذا الواقع ، ويسود الشعور باللا جدوى (مفيش فايدة)
تلك هي جذور الشعور بعدم المسئولية والتي يمارسها الجميع على اختلاف المستويات وان أردنا حقاً التداوي ، فإن الاستبداد هو داؤنا العضال الذى إن تم استئصاله انتهت كل معوقات نهضتنا ، فبالعدل والحرية يمكن أن نبنى قوة صناعية واقتصادية و من دون ذلك فكل المحاولات ستؤدى الى تدمير الثروة الوطنية وانحراف السلطة عن الطريق الصحيح ، والدخول في الممارسات الخاطئة باستمرار .

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.