د. إيهاب أبورحمــــه يكتب :الطـــب في مصـــر +18
قديماً كان يعرف الطبيب في مصر بالحكيم باشا وكان يتمتع بإحترام الجميع بل كان من صفوة المجتمع بلا منازع ، كانت شهادة الطب في مصر مُعترف بها في جميع أنحاء الدنيا بل إن كليات الطب المصريه كانت تُخرّج كل عام طلاباً من دول أوربيه كبيره و عتيقه في دراسة الطب .
و لكن في السنوات الأخيره بل في العقدين الأخيرين بدأ الإنهيار في المنظومه الطبيه و بدأ المرض يسري في جسد المؤسسه الصحيه في مصر و انتشر الصدأ و ازداد التآكل في الجسد الضعيف حتي أصبحت منظومه متهالكه لا يصلح معها الإصلاح بل لابد من تغييرها كلياً.!!
أصابت الأعباء المنظومه الصحيه في مقتل ، في أهم أركانها في الطبيب و هو حجر الأساس في أي منظومه صحيه في دول العالم المتقدمه طبياً ، فلم يعد الطبيب يتلقي تعليماً بجودة قيمه بل لم يعد هذا التعليم الذي يتلقاه علي خريطة التعليم في العالم من الأساس ، ولم يعد يتلقي أي تدريب يحترم الطبيب أو حتي الروح الأدميه التي يتعامل معها ويقوم علي خدمتها فهم يوزعونه في فترة تدريبه في مناطق نائيه لا علم فيها ولا إمكانيات و الأغرب أنه هو من يتحمل هذه السلبيات في نظر بعض وسائل الإعلام و هذا ما صدروه للمرضي من خلال برامجهم السفيهه.!!
أصبح الطبيب يعاني الفقر والهم وأصابته الأمراض دون وجود دواء وهو المفترض له علاج كل داء ، أصبح بلا قيمه ولا احترام أو هيبه في نظر المرضي ولما لا و إعلام السفه يقلل من شأنه دوماً و يُظهره في صورة الجشع اللص و قليل بل عديم الضمير و إذا ذهبت الهيبة ذهبت القيمه وضاعت الرساله .
أصبحنا نري مهنة الطب منتهكه من كل من هب ودب فهذا يذهب و يسب الطبيب لضعف الإمكانيات ، وهذا يلعنه لعدم وجود أسِرّه خاليه ، وهذا يتهجم عليه لوفاة عزيز ٍ عليه ، حتي أصبح كل من يريد ممارسة رياضه عنيفه (كالبوكس والكاراتيه)فعليه أن يذهب إلي أقرب مستشفي فهناك من يستطيع أن يتدرب عليه دون وجود أدني درجات الحمايه أو حساب رادع .!!
وليس خفياً علي جموع أطباء مصر ما حدث من كليات العلوم الطبيه و منحها لقب أخصائي لكل خريجيها مع ما درسوه من قشور في الطب بل و الأفجع من هذا من أتت بهم برامج التلفاز العاهره من خريجي هذه الكليات و التي أتاحت لهم الفرصه بالتهكم و السخريه من أطباء مصر وفاكهة المجتمع المصري ، فهذا يتحدث عن تعلم أطباء الأشعه من الفنيين و منهم ، و هذا يتخذ من خبرة الأطباء ماده حقيره للسخريه متناسياً أن هؤلاء الأطباء هم من كانوا و مازالوا الأكثر ذكاءاً و الأكثر اجتهاداً و معاناةً دون غيرهم ، و كانت الصاعقه حينما رأينا المجلس الأعلي للجامعات يوافق علي طلباتهم !!.
ولم ننسي ما حدث من قبل في السماح للأطباء البيطرين و لخريجي كليات العلوم و الزراعه بفتح معامل تحاليل !! و ها قد جاءت الأيام وأصبح هناك من تخصص و حاز علي لقب الأخصائي دون عناء و دون جهد والأن ننتظر السماح لكل من درس كيمياء حتي ولو كانت كيمياء الثانويه العامه بفتح معامل تحاليل و التعامل مع المرضي فقد أصبحت حياة المرضي بلا حرمه أو كرامه!!.
هكذا أصبحت مهنة الطب مهنه منتهكه فاقده لشرفها مغتصبه ممن لا يستحق ولا يستطيع سد الثغره التي لا يستطيع أن يسدها إلا الطبيب ، فبدلاً من أن يكونوا مساعدين في فريق طبي يرأسه طبيب طالبوا بالمساواه فأخذوا أكثر مما طلبوا بكثير !!، هذا الطبيب ذابت خلايا مخه في علمٍ ضاع الكثير منه نتيجة عدم وجود امكانيات ليمارس ما تعلمه ، بل خلايا جسده كلها انتشر فيها الضعف من عناء مجهودات مبذوله دون أي تقدير ٍ لأدميته وهو الذي يتحمل مباشرةً ضعف المنظومه الغير مسئول عنها تماماً ، فماذا فعلوا هم؟! .
و ما أن شعرنا بمرارة الذل و الهوان جراء هذا الموقف المخذ من مجلس الجامعات الأعلي إلا و باغتتنا الساعات بحكم محزن فطر قلوبنا اليائسة البائسه بحكم علي طبيب لم يذهب إلي النيابه حرصاً منه علي مصلحة المرضي فكيف يترك المستشفي و مرضاها دون طبيب ؟ و عندما توفر البديل ذهب ليجد كارثه في انتظاره فهو مدان بتعطيل مهمة وكيل النيابه وعمله فهذا الأهم دون النظر إلي المرضي و صحتهم أو تواجد طبيب من عدمه !!، فكم كان حكماً قاسيا ً فلم يقتصر الأمر علي حبس سنه مع إيقاف التنفيذ بل اتسع ليشمل عزله من مهنته التي اكتسبها بجهده و اجتهاده و التي لم يسلبها من أحد لا برشوهٍ أو واسطه !! .
و رغم كل ما مر علي أطباء مصر من أحداث أليمه كتلك التي حدثت في المطريه و غيرها و طعن وزارة الصحه علي بدل عدوي (أطباءها) وهو ماحدث في عهد هذا المجلس الحالي من النقابه ، مازال هناك من يتحدث بأمل عن ما تستطيع النقابه فعله من أجل حماية ما تبقي من كرامة الأطباء و من أجل حماية حقوق المرضي و التي تبدأ بحماية الأطباء و إعطائهم حقوقهم ماديةً كانت أو معنويه في فترة عصيبه لم تحدث من قبل و لم تمر من قبل علي مهنة الطب المغتصبة حقوقها و المباح شرفها و المنتهكة مبادئها و التي أصبحت كالعاهره لمن استطاع و أراد و التي أصبح الأطباء أنفسهم يكرهونها أكثر من غيرهم .!!
فهل يُفَعّل مجلس نقابتنا دوره و يقوم بواجباته أم يستقيل خيراً له و للأطباء؟؟
الكاتب: د. إيــــهاب أبورحمـــــه
https://m.facebook.com/Dr.EhabAburahma/