الإثنين , ديسمبر 23 2024
تطوير التعليم
أطفال

تطوير التعليم فى مصر بين الوهم والحقيقة (2 )

“من أين نبدأ ؟ “
الدكتور / صلاح عبد السميع 

عند الحديث عن تطوير منظومة التعليم فى مجتمع ما ، يصبح لزاما على من قرر التطوير أن يعرض مشروعه على المجتمع ليناقش عبر القنوات الرسمية ، وتتاح فرصة النقاش الهادف عبر استطلاع الراى العام من ناحية ، وكذلك تعرف آراء المتخصيين والمهتمين بالشأن التربوى والتعليمى ، وعرض المشروع عبر وسائل الاعلام المختلفة لكى يتعرف الرأى العام على ملامح التطوير وطبيعته ، وذلك انطلاقاً من ان التعليم يمثل مظلة للأمن القومى للمجتمع وبدونها لايمكن للمجتمع أن ينهض .
ومنذ ايام أعلن وزير التعليم المصرى مشروع تطوير التعليم والذى سوف يبدا تنفيذة خلال العام الدراسي 2018 من خلال مرحلة رياض الأطقال وكذلك الصف الأول الابتدائى ، حيث ستطبق مناهج جديدة على أطفال الروضة ، وان الوزارة قد اعدت العدة لتطبيق النظام الجديد ، وان التطبيق سوف يتم على مستوى الجمهورية منذ بداية العام الدراسي الجديد ، وان الوزارة قد قامت بتدريب المعلمين على أحدث الأساليب التى يتم من خلالها تطبيق الأنشطة التى تنمى مهارات التفكير لدى الأطفال فى تلك المرحلة .
اذا سلمنا بصحة كل ما يقال وأن الوزارة قد استعدت لتطبيق التطوير على مستوى الروضة والصف الأول الابتدائى ، فإن الواقع يشير الى كعس ما يقال ، ويكفى الاشارة الى واقع المدارس بالمرحلة الابتدائية ، وكذلك واقع الروضة فى العديد من المحافظات ، وليس عيبا أن نعترف بالواقع الموجود وأن نسعى الى تغييره ، ليس عيبا أن نعترف بواقع الاعداد لمعلمات الروضة وكونه يحتاج الى التطوير والتدريب المستمر ، ليس عيبا أن نعترف أننا لا نملك ابنية حقيقية تحقق مفهوم وأهداف مرحلة الروضة . العيب هو ان نسوق الوهم لمتخذ القرار ، العيب هو ان نستمر فى خداع انفسنا وتمر الأيام دون تطوير حقيقى ينعكس على شخصية ووجدان الأبناء بما يحقق نمو شامل للأطفال ويساهم بشكل مباشر فى تربية وتعميق الانتماء لديهم .


ولكى تتضح الصورة للقارئ علينا ان نقف على مفهوم رياض الأطفال وأهداف مرحلة الروضة ، لكى يكون التقويم موضوعياً ، ولكى نصل الى توصيات يمكن ترجمتها على أرض الواقع بما يحقق تطوير حقيقى للتعليم .
ولقد عرفها البعض بانها ” مؤسسات تربوية صممت لتقديم الرعاية والعناية من خلال البرامج التربوية المصممة للأطفال فى مرحلة الطفولة المبكرة ، بهدف تنمية الأطفال جسمياً وعقليا واجتماعيا ووجدانيا وانفعاليا فى بيئة تربوية صالحة .
وكلمة رياض الأطفال لها معنى ودلالة :- فهى حديقة الأطفال وتتضمن فكرة ان الأطفال مثل نباتات الحديقة يجب أن نتولاها بالعنايه الفائقه لتنمو وتزدهر .


هذا وتنطلق أهمية رياض الأطفال من كونها مرحلة تعليمية مُهمة لتهيئة الطفل قبل التحاقه بالمدرسة، وانخراطه ببيئة أكبر، مقارنة بمحيطه الأُسريّ أو الاجتماعيّ، وتعويده على خطوة صغيرة من مشوار تربوي طويل بانتظاره، ومساعدته على تنمية شخصيته، وكسر الحواجز بينه وبين الأشخاص الذين لم يتعوّد عليهم في المنزل أو أثناء ذهابه للملاعب والأماكن الترفيهية الأُخرى، وتكمن أهمية رياض الأطفال أيضاً من خلال سعيه لتحقيق مجموعة من الأهداف منها :
• مُساعدة الطفل على التكيف الاجتماعي وتنمية رغبته في العيش مع الآخرين.
• إكساب الطفل بعض القيم والمبادئ الدينية السامية بما يناسب مرحلته وغرس روح الانتماء لوطنه وأمته لديه.
• تنمية القدرات الذهنية والإبداعية للطفل من خلال خلق فضاء تعليمي يتسم بالمرونة، ويستطيع الطفل من خلاله التعبير عن ذاته بأريحيّة. مساعدة الطفل في استكشاف محيطه من خلال الأدوات والأساليب المختلفة؛ كالصور، والملصقات الملونة، والألعاب، والمجسمات، إلى جانب القيام بالرحلات والنزهات.
• تعويد الطفل على العمل الجماعي والتعاوني، وذلك من خلال مشاركته مع بقية الأطفال في الأعمال التي تطلبها معلمة الرياض منهم؛ كزراعة الزهور في حديقة الرياض، أو القيام بترتيب الغرف التعليمية.
• كسر الحاجز بين الطفل ومفهوم المدرسة؛ فكثيراً ما تواجه الأمهات مشكلة نفور أطفالهن في المراحل التعليميّة الأولى من المدرسة؛ لكن المنهجية التي تعتمدها مؤسسات رياض الأطفال، والتي تمزج بين التعليم، والترفيه، واعتماد الأساليب والأدوات الممتعة، تكسر حاجز الخوف الذي يُرهبه قبل التحاقه بالصف الأوّل في المدرسة.
• اكتشاف مواهب الطفل وتنميتها؛ كالعزف الموسيقي، والغناء، والرقص، والرسم وغيرها.
• تعويد الطفل على تحمل المسؤولية تجاه نفسه بعيداً عن رعاية الأم والعائلة .


بعد الاطلاع على مفهوم وأهداف الروضة ترى الى مدى يمكن تنفيذ وتطبيق تلك الأهداف فى الواقع الحالى للروضة فى مصر ؟ هل سيتم اعداد البيئة المناسبة والمعلم المناسب خلال خمسة أشهر من الآن ؟ عند سؤال العديد من المتخصصين فى مجال رياض الأطفال ” هل تم تدريب المعلمات ؟ هل سمعتم عن برامج تدريب حديثة خضعت لها معلمات الروضة خلال الأيام الماضية ؟ الاجابة بالنفى ………..
من الجميل أن نطور ومن الأجمل أن يعرف المجتمع آليات التطوير ، من المهم أن نطلع على تجارب عالمية فى مجال تطوير رياض الأطفال ، وأن نستفيد منها بما يتناسب مع طبيعة المجتمع المصرى ، وبما يتناسب مع طبيعة الأطفال فى مصر ، ولا يعنى التطوير أن ننقل تجارب الآخر دون مراعاة للواقع ولفلسفة التعليم وللقيم المجتمعية ، مطلوب أن نبدأ بالتطوير الشامل منذ مرحلة الروضة عبر دعوة المجتمع بأسرة الى المشاركة فى التطوير ، وبالنظر الى مرحلة الروضة فى امريكا واوربا نجد أن لها أهمية خاصة ترتبط بضرورة رعاية الأطفال والاهتمام بهم جسميا وعقليا ووجدانيا ، ولهذا يتم اختيار وتدريب المعلمات بشكل فعال ، ويتم تجهيز الروضة بكافة الامكانات التى تساعد الأطفال على ممارسة الأنشطة المختلفة ، وترفع فرنسا شعار ” صلاح التعليم هو فى صلاح المعلم ” ، ” يقدر قيمة المعلم تقع قيمة التعليم ” ، ولهذا فإن اعداد المعلم من الأمور التى تحتاج الى بذل الجهد والوقت لكونه يتحمل مسئولية الاعداد النفسيى والوجدانى والعقلى للأطفال ، وهذا يحتاج الى جهد ووقت ، وهذا ما نود أن نشير اليه ونركز عليه ، حيث يجب على وزارة التعليم أن تهتم ببرامج التدريب الحقيقية التى تنمى مهارات حقيقية ، برامج وورش عمل يقوم عليها أهل الاختصاص ، برامج تنفذ على أرض الواقع وليس مجرد محاضرات للمعلمين والمعلمات ، اذا اردنا تطوير حقيقى وبداية حقيقية لتطوير الروضة علينا ان نخاطب المجتمع لكى يكون شريكاً فى المشروع ، أما أن يفرض على المجتمع ولا يتم تهيئة البيئة والواقع ، فهذا مجرد تصدير لتجارب كتب لها الفشل قبل أن تبدا ، المجتمع الغربى اذا اراد ان يطبق جديدا فى منظومة التعليم كان عليه أن يخاطب الرأى العام ويضع أولياء الأمور داخل المشهد ،لا ينفرد شخص باتخاذ قرار ويفرضه على مجتمع ، الكل شركاء فى اتخاذ القرار ، والمعلم شريك أساسي وعليه واجبات كثيرة ، وعن المعلم نتحدث فى المقال القادم ان شاء الله تعالى

 

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.