بقلم: عبداللطيف مشرف- باحث وأكاديمى مصرى
العمل هو القوى المحركة لتقدم الدول، وتقدم الفرد والمجتمع، والإنتاج هو الناتج عن العمل المستمر والفعال، المحطة الرئيسية والمحركة لقوة الدولة على المستوى الداخلى والخارجى، حيث تقاس قيمة الأمم والدول ووضعها السياسى على الخريطة العالمية بما تنتجه على أرضها، وبما لدى أفراد مجتمعها من قدرة على العمل واعلم والتقدم والرقى، فكان قديما ميزان القوى الوضع السياسى للدولة وقوتها العسكرية فكانت السياسة محركة للأقتصاد، أما فى القرن العشرين أصبح الاقتصاد وهو الناتج من عمل الأفراد وأخلاصهم، ووطنيتهم وعطائهم المستمر لبلادهم، هو المحرك والقوى المؤثرة فى العالم والسياسة .
فيقول أحد علماء الأجتماع قولى ماذا تنتج وتفيد غيرك ولا تقولى ماذا تعمل أجيبك وأقول أنك إذا موجود، فكل الدول تعمل على أعداد فرد قادر علميا وصحيا، حتى يكون قادر على العطاء والعمل، فليس الغرب مصدر التقدم والرقي ، وصاحب نظريات البناء الإجتماعى والمحفز على العمل، فالدين الإسلامى بنصوص الكتاب والسنة النبوية، يدعو الإنسان المسلم إلى العمل وتطوير الذات، وإعطاء أقصى ما فى طاقته لأعمار الأرض وإنتاج ما يفيده هو وأسرته ومجتمعه ودولته، ويحس الإنسان ليس على العمل فقط بل على جودة العمل وأتقانه، فيقول النبى صلى الله عليه وسلم : أن الله يحب أذا عمل أحدكم عملا فليتقنه” فهنا ليس دعوة فقط لتعمل من أجل أن تؤدى الغرض فهذا ليس مقبول في ديننا الإسلامى، بل إرضاء الله فى عمل ذات جودة وإخلاص، حتى نصبح أمة منتجة قادرة على التحديات والصعوبات، فالعمل يؤدى إلى الإنتاج ومن ثم التقدم العلمى والاقتصادى والصحى والأستقرار الإجتماعى، فيؤدى إلى دولة قوية وفرد متزن وأسرة متماسكة ومترابطة، فمن لم يأكل من عمل يده فلا يمتلك قراره وفكره، فمن هنا دعوة لعزة الفرد وصون كرامته، والحفاظ على نفسه وثقته بنفسه ‘ حيث دعا النبى صلى الله عليه وسلم إلي ذلك فيقول فى حديثه الشريف” اليد العلي خير من اليد السفلي، فالعمل جنة الإنسان فى الأرض، وراحة باله وفكره، ومسار لعزة وطنه وتقدمه ، فالعمل عبادة لما له من فائدة ليس على المستوى الفردى وخصوصيته ولكن لشمولية أهميته على المستوى العام، ولما فيه نفع للإنسان وغيره، ولما فيه من حب وترسيخ لوطنية وحب البلاد، وتنفيذا للشرع والكتاب، فلا يهم نوعية العمل ما دام حلال ولا يخالف شرع الله وايضا لا يهم المكانة، ولكن الذى يهم هو أن لا تسئل الناس الحاجة وتتسول وتضيع كرامتك وتترك اهلك عالة وتكون يد مشلولة فى تقدم وطنك وأمتك، فعندما رأى النبى صلى الله عليه وسلم يد سيدنا معاذ وهى عليها أثر التعب من الزراعة مسك يده وقال ” هذه يدان يحبهم الله ورسوله” فأذا أردا محبة الله ورسوله فعليك بالكفاح والعمل حتى تصبح فرد ذا قيمة ومكانة.
والإسلام لا يفرق بين أنواع العمل بحيث يكون نوع منها لفئة معينة ونوع آخر لفئة أخرى، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض الأعمال والصناعات المفيدة بدون أن يقصرها على فئة محددة، فقد نوه القرآن الكريم بمادة الحديد التي لها دور اليوم في مجال الصناعة {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} كما أشار إلى أن صناعة اللباس في قوله {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} وبصناعة السفن {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}.. كما أشار إلى الزراعة {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} ولقد كرم الإسلام العاملين ولم يستعيب أي نوع من العمل الشريف، فقد رفع الزكاة عن آلات المحترفين وخفف الجزية عن ذوي الصناعة والزراعة..
وقد كان أنبياء الله ورسله يعملون في مهن مختلفة، فقد كان آدم عليه السلام يعمل في الزراعة وداود عليه السلام في الحدادة ونوح عليه السلام في التجارة وموسى عليه السلام في الكتابة وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الرعي والتجارة، كما أن من الصحابة الكرام من امتهن التجارة كأبي بكر الصديق، والحدادة كحباب بن الإرت والرعي كعبدالله بن مسعود، وصناعة الأحذية كسعد بن أبي وقاص والخدمة كبلال بن رباح والخياطة كالزبير بن العوام، وفي هذا المجال يقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة فإن قالوا لا سقط من عيني)..
وفي الإسلام يعتبر العمل ضرورياً إذا كان القصد منه اكتساب الرزق، وذلك لأن المحافظة على سلامة البدن أمر واجب لكون ذلك وسيلة للبقاء والذي يؤدي للغاية التي خلق الإنسان لها، وهي عبادة الله التي تؤدي إلى رضاء الله وثوابه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أما إذا كان الهدف من العمل هو الاكتساب لقضاء دين أو للإنفاق على العائلة فإنه يعتبر واجباً لأن أداء حقوق الإنسان والإنفاق على الزوجة والأولاد والوالدين ونحوهم ممن هم تحت إعالته أمر واجب {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}.. أما إذا كان الهدف من العمل هو الزيادة من الكسب الحلال أو التعفف عن سؤال الناس فهو أمر مستحسن، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرءاً اكتسب طيباً وقوله (نعم المال الصالح للرجل الصالح) كما يقول عليه الصلاة والسلام (السؤال آخر كسب العبد).
من ناحية أخرى يعتبر عمل الفرد في نظر الإسلام فرض كفاية بالنسبة للمجتمع فالعمل في مجالات النفع العام كالصناعة والزراعة والتجارة والحدادة والكهرباء ونحو ذلك يعتبر خدمة للمجتمع بأكمله يأثم الجميع إذا ترك العمل في هذه المجالات ونحوها. وكما أن الإسلام قد أكد على أهمية العمل وضرورته للفرد والمجتمع فقد اهتم بحقوق العاملين وواجباتهم، فمن ناحية الحقوق كان هناك حرص على أن يعطي العامل أجراً مناسباً ومجزياً وأن يصرف هذا الأجر فور استحقاقه، ففي السنّة (اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)، كما تم وضع الأسس اللازمة التي من شأنها المحافظة على صحة العامل ومنحه الرعاية الصحية بما في ذلك حفظ النفس والعقل، وكذلك إتاحة الفرصة له للراحة لأن لكل إنسان طاقة محددة ينبغي عدم تجاوزها، {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وفي السنّة (روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلت عميت)، كما اعتنى الإسلام بالأحداث والنساء في مجال العمل، فهو وإن كان قد أجاز تشغيل الحدث من أجل بعث روح التحفز والكسب وتشجيعه على الاعتماد على النفس إلا أنه قيد ذلك بأن يكون العمل الذي يمارسه ملائماً له وأن يكون عملاً مشروعاً وأن يكون العمل باختيار ولي أمره.. أما بالنسبة للمرأة فقد جعل لها الإسلام ذمة مالية مستقلة وأجاز لها العمل الذي يناسب قدراتها بشرط الاحتشام والوقار.
فكان أنبياء الله يأكلون من عمل أيديهم ، فسيدنا داود كان حداد وسيدنا أدريس كان خياط، ونبيك رعى الغنم وعمل بالتجارة، فنحن لسنا بأفضل من أنبياء الله، فلعليك بالعمل حتى ولو كان فى نظرك ليس له مكانة كبيرة ولا يدر ربحا ودخلا كبيرا، ولكن أبدا حتى تصل إلى نهاية وعمل تحبه وتصير به ذات قيمة، فمن جاء بسهولة ذهب بسهولة، ولكن النجاح والوصول إلى القمة يحتاج إلى مجهود ومصابرة وأنتاج حتى تصل، فالنجاح هو عدة خطوات من العثرات والصعوبات والفشل، حتى يكون لديك خبرة ومكانة كبيرة، فبالعمل والعلم والأنتاج تصبح الدول كيانات كبيرة، فالفرد هو المحرك والقوة الدافعة لنهضت بلاده وتقدمها، لأنه هو اليد والقدم التى تعمل وتسير بها الدول.
فعندما نعقد مقارنة بسيطة بين دول استغلت طاقته البشرية وحست وربت أفرادها على العمل وليس على الأطمئنان والبذخ لوجود الموارد، تكون النتيجة دولة متقدمة ولنا ذلك مثلا وعقد مقارنة بسيطة بين اليابان ونيجيريا فاليابان دولة عدد سكانها 150 مليون نسمة وكذلك عدد سكان دولة نيجيريا، ولكن اليابان لا تمتلك موارد طبيعية غير الأسماك أما نيجيريا تمتلك موارد طبيعية ونفط وماس وغيرها من الموارد، الأن نسبة الفقر في نيجيريا عالية جدا أما اليابان منخفضة جدا، نسبة البطالة تتخطى 50في المائة أما اليايان 3في المائة، رغم أنها لا تملك ربع موارد نيجيريا، ولكن علمت الفرد وشجعته على العمل والأنتاج، واستغلت قدرات أفراداها ووفرت لهم كافة الأمكانيات، فكانت النتيجة أن تكون اليابان من أفضل عشر أقتصاديات على العالم ، فالأولى أن يكون المسلمين والدولة الإسلامية فى قمة النهوض الأقتصادى، وقمة العمل والأنتاج لأن الدين يدعو إلى ذلك ، فيدعو إلى العمل وتقانه وعدم البطالة فيقول الله تعالى ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) الملك” وجعل الله العمل عبادة واتقانه فرض وواجب على كل مسلم، لأنه بهذه الرسالة يتم أعمار الكون واسعاد البشرية فيقو الله تعالى “وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ ﴿٦١﴾هود” فمن هنا تأتى اهمية العمل حيث أنه عييادة وتأمين لرزق الفرد ، وسبيل لنهضة أمته وابعادها عن الضغوط الخارجية، وعزة وكرامة للإنسان، وعائد وطنى وارتفاع لمستوى دخل الفرد، وارتفاع لمستوى معيسشته ، دعوة للعمل ولأنتاج حتى نصبح قوة بك، قالأمل اسعادك وارتفاع دخلك لا لفقرك، فلا أحد يتقدم لوحده، ولا وطن ينهض بدون سواعد ابنائه، ويأتى بعد العمل والأنتاج والوصول إلى الرفاهية، عدم الأسراف وترشيد الأنفاق وهذا ما حثنا عليه الدين .
الوسومعبد اللطيف مشرف
شاهد أيضاً
تفاصيل الحكم النهائي الصادر في حق القاضي قاتل زوجته “المذيعة شيماء جمال”
أمل فرج أصدرت محكمة النقض المصرية، الاثنين، حكمها النهائي بإعدام المتهمين أيمن عبد الفتاح، و …