الأحد , ديسمبر 22 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

عاصفة ثلجية

اكتست الارض باللون الابيض الناصع بعد عاصفة ثلجية استمرت لعدة ايام ، وفى تلك الليلة المقمرة كانت الاضواء المنعكسة ما بين الارض والسماء تجعل لاسفلت الطريق بريقاً جميلاُ يضىء الطريق السريع والذى لم يعد سريعاً بسبب الجليد الذى يجعل من السيارات مثل لعب صغيرة تترنح على الطريق أو يمكن ان تشبهها بمتزلج مبتدىء يتحسس خطواته على الارض المنبسطة…..

كان قدرى أن اسافر بسيارتى فى تلك الليلة وكان من المفترض أن تستمر رحلة سفرى القصيرة لمدة ساعتين امتدت الى خمس ساعات نتيجة لسوء حالة الجو. لم يكن الطريق خالياً كما تخيلت لكنه ايضاً لم يكن مزدحماً ، والسيارات كما هو متوقع تسير بسرعات حذرة وبطيئة باستثناء بعض الشاحنات التى كانت تأكل الطريق أكلاً بسرعتها الفائقة

وتكاد أن تخرج لسانها لنا وهى تتجاوز سياراتنا وتلقى عليها فضلات الجليد من بين اطاراتها فتنتشر تلك الفضلات الثلجية على الزجاج الامامى وتحجب الرؤية لثوانى تمر كالساعات. توقفت العاصفة بعد ان تركت اوزار الجليد على ارضية الطريق السريع

وباتت الرؤية أقل سوءاً ولا ادعى انها صارت أفضل حالاً حافظت بقدر الامكان على السير بسرعة 60 كم/ساعة كسرعة متوسطة وكنت أرى فى مرآتى طابورا قصيرا من السيارات خلفى ويبدو أن قائدى تلك السيارات قد اتخذوا قراراً جماعياً بالا يتجاوزوا سيارتى.

زاد من صعوبة الامر بالنسبة لى ان الطريق الذى اسلكه لم يكن طريقاً معتاداً لى فهى رحلتى الاولى لتلك المدينة وما زاد الامر سوءاً أن اللافتات الارشادية على طول الطريق قد تغطت بالثلوج فلم استطع تحديد اتجاهاتى بسهولة. كانت هناك استراحة قريبة على يمين الطريق

فقررت ان ادخلها لدقائق قليلة لاتناول مشروباً ساخناً يجدد طاقتى وكان طريفاُ أن أرى قائدى السيارات التى كانت خلفى قد اتخذوا نفس القرار. فى طريقى للخروج من الاستراحة سألت رجلاً كان خارجاُ هو الأخر عن الطريق الذى يجب أن أسلكه وكم كانت سعادتى عندما علمت أنه ذاهب لمدينة اخري ابعد من مدينتى لكنها تقع على امتداد الطريق، كما انه يعرف الطريق جيداً ويبدو انه شعر بحيرتى فابتسم لى مطمئناً واكتفى بكلمة واحدة…

” اتبعنى” ….اتجهت مسرعاً الى سيارتى ونظرت نحوه فاذا به يقود شاحنة ضخمة فتخوفت من اننى لن استطيع الركض بسيارتى خلفه. لم يكن أمامى خيار سوى أن اتبع الرجل وشاحنته والحقيقة اننى شعرت بطمأنينة من هيئة الرجل وثقته بنفسه علاوة على هدوئه ورزانته ولم يخيب الرجل رجائى فقد كانت سرعته على المستوى المناسب لأن اتبعه بل وحتى عندما كانت تزداد المسافة بيننا اتساعاً كان يخفض من سرعته حتى يحافظ على مسافة محددة بيننا…فى الوقت نفسه كانت اشاراته على الطريق دليلاً لى خاصة مع عدم قدرتى على قراءة اللافتات المغطاة بالثلوج.

نظرت فى مرآتى الأمامية فوجدت نفس السيارات وقد اصطفت خلفى فى الطريق الممتد تتبعنى ومن هنا ادركت ما يجب أن افعله فبدأت فى تشغيل اشاراتى لهم كما يفعل سائق الشاحنة معى وبدأ الطريق يبدو أكثر سهولة خاصة مع اقتراب بزوغ الفجر فعلى الرغم من اضاءة الجليد للطريق الا أن للنهار رونق آخر.

اقتربنا زمنياً من نهاية الطريق ومازلت الشاحنة تتقدم وأنا أتبعها وخلفى عدة سيارات تظن أنها تتبعنى…وبدأت علامات المدينة تظهر أمامى بأضوائها ومعالمها واجتازت الشاحنة احد المفارق وانا اتبعها والسيارات الاخرى خلفى ثم بدأت الشاحنة تخفض من سرعتها وتتجه الى جانب الطريق حتى توقفت تماماً ولم يخرج السائق من كابينة القيادة لكنى وجدته وقد اخرج يده من النافذة مشيراً لى بأن اتجه يميناً ففعلت دون أن اتوقف….

واكتشفت اننى فى الطريق الى مدخل المدينة وانفرجت اساريرى عندما وجدت نفسى اخيراً فى قلب المدينة….ومرة اخرى اتجهت الى احدى الكافيتيريات لاتناول مشروباً ساخناً….ولم انتبه لطابور السيارات التى كانت خلفى- اكثر من خمس سيارات كانت تتبعنى-

وقد توقفت امام الكافيتيريا لكن هذه المرة -وبعد الوصول بأمان الى المدينة – اتجه قادة السيارات نحوى واحد بعد الآخر منهم من شكرنى وحيانى وآخر اصر ان اشاركه افطاره ، كلهم قدموا لى مشاعر الشكر والتقدير على ارشادى لهم طول الطريق وعلى حكمتى فى قيادة قافلة السيارات حتى الوصول الى المدينة فى أمان اما عن رد فعلى فقد حاولت ان اظهر تواضعى واهز رأسى فى وقار مع ابتسامة مصطنعة وضعتها على وجهى وضعاً. نهضت مغادراً المكان وانا أتذكر سائق الشاحنة – البطل الحقيقى –

الذي لم يروه وكيف أنه لم ينتظر منى كلمة شكر او تقدير بينما سرقت أنا ما يستحقه هو من شكر وتقدير وشعرت بخجلى من بطولتى الزائفة لكنى وبعد اقل من ساعة شعرت بخجل اقوى عندما ظللت ابحث عن سائق الشاحنة الوقور ليرشدنى الى طريقى بعدما ضللت الطريق من جديد ولكن داخل المدينة.!!!!!!!!!!!!!!!!

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.