إبرام الاتفاقية عمل سياسى وإبعاد القضاء عنه إعمال لمبدأ الفصل بين السلطات
الواقع القانونى الجديد للاتفاقية لا يمنع المحكمة من نظر الدعوى.. ولا مسوغ لبحث دستورية قرار نشرها
طلب رد عضوين بالمحكمة يفتقد الأسباب وخالف الإجراءات المرسومة بقانون المرافعات
حصلت «الشروق» على الحيثيات الكاملة لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر 3 مارس الحالى بعدم الاعتداد بجميع الأحكام المتناقضة السابق صدورها من مجلس الدولة ومحكمة الأمور المستعجلة فى قضية «تيران وصنافير».. وتعرض فى السطور التالية أبرز ما قالته المحكمة ردا على الدفوع المختلفة من أطراف الخصومة، وتفسيرا لنص المادة 151 من الدستور الخاصة بضوابط وإجراءات إبرام الاتفاقيات والرقابة القضائية عليها، وشرحا لمدى إمكانية تصدى المحاكم للأعمال السياسية.
ــ طبيعة الاتفاقية وكونها من أعمال السياسة:
مناط الفصل فى الدعوى هو تحديد ما إذا كان توقيع ممثل الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية مندرجا فى أعمال السياسة، أم أنه محض عمل إدارى، توصلا لتحديد جهة القضاء المختصة بنظره.
وعلى الرغم من تعذر وضع تعريف جامع مانع لأعمال السيادة، وفى القلب منها الأعمال السياسية، التى تعد بحق المجال الحيوى والطبيعى لنظرية أعمال السيادة، فإن ثمة عناصر ومميزات تميز هذه الأعمال عن الأعمال الإدارية العادية، أهمها تلك الصبغة السياسية البارزة فيها، فهى تتصل بنظام الدولة السياسى، أو بسيادتها فى الداخل أو الخارج، اتصالا وثيقا، إذ تصدر عن السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم، وبما لها من سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة السياسية كلها والسهر على احترام دستورها والإشراف على علاقتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها فى الداخل والخارج، وهو ما يميز هذه الأعمال عن أعمال الإدارة العادية التى تجريها السلطة التنفيذية بوصفها سلطة إدارة، تتولى الإشراف على المصالح اليومية للجمهور ومرافقه العامة، ويبرر منح السلطة التنفيذية، فى شأن الأعمال السياسية، سلطة تقديرية أوسع مدى وأبعد نطاقا، ومن ثم استبعادها من ولاية القضاء عامة، تحقيقا للغايات المتقدمة، واتساقا مع الاعتبارات السياسية التى تقتضيها طبيعة هذه الأعمال، بل إن خروج الأعمال السياسية عن ولاية القضاء يعد إحدى صور التطبيق الأمثل لإعمال المفهوم الصحيح لمبدأ الفصل بين السلطات، الذى يوجب إقامة توازن دقيق بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحيث تتولى كل من هذه السلطات صلاحياتها التى خلعها عليها الدستور وفى الحدود التى رسمها دون افتئات من إحداها على الأخرى.
ــ أول تفسير من المحكمة للمادة 151 من الدستور:
إن إبرام المعاهدات والتصديق عليها يعدان من أبرز أشكال أعمال السياسة المحظور على المحاكم الرقابة عليها… وذلك من وجهين؛ الأول: تعلقها بعلاقة بين السلطة التنفيذية، ممثلة للدولة، وبين سائر أشخاص القانون الدولى العام، من دول ومنظمات دولية، وذلك فى مراحل التفاوض والتوقيع والتنفيذ، الثانى: وقوعها فى مجال الاختصاص المشترك، والرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
فبمقتضى المادة (151) من الدستور يراقب مجلس النواب السلطة التنفيذية فيما تبرمه من معاهدات، وله أن يوافق أو يرفض ما يدخل منها فى اختصاصه بموجب الفقرة الأولى من المادة المذكورة، كما له تقرير ما إذا كانت تلك المعاهدات تتعلق بالفقرتين الثانية والثالثة من المادة ذاتها، فيُحال ما يندرج منها فى الفقرة الثانية للاستفتاء، ويمتنع عن الموافقة، بأية صورة، على ما يتعلق منها بالنزول عن شىء من إقليم الدولة أو ما يخالف الدستور، وسلطة البرلمان فى ذلك سلطة حصرية لا يشاركه فيها غيره.
فإذا ما استنفد مجلس النواب سلطاته، كان ملاك الأمر، مرة أخرى، لرئيس الجمهورية وحده، بما له من سلطة، إن شاء صدق على المعاهدة، وإن شاء أبَى، وذلك كله وفقا لتقديراته السياسية وما يتطلبه صون المصالح العليا للبلاد.
ــ الرقابة على الاتفاقيات بعد نشرها:
يمتنع على السلطة القضائية بجميع جهاتها ومحاكمها التدخل فى أى من هذه الشئون جميعها حتى تمامها، فإذا نُشرت المعاهدة وفقا للأوضاع المقررة فى الدستور، وأصبح لها قوة القانون، جاز مراقبتها قضائيا من وجهين، الأول: رقابة استيفائها للشروط الشكلية المقررة فـى الدستور، والثانى: الرقابة الموضوعية للمعاهدة، وهى رقابة تجد موجباتها فى نص الفقرة الأخيرة من المادة (151) من الدستور، التى حظرت مخالفة المعاهدة لأحكام الدستور كافة، وهذه الرقابة القضائية على المعاهدات، من وجهيها، هى رقابة دستورية وليست رقابة مشروعية، وهى منوطة استئثارا بالمحكمة الدستورية العليا، لا تشاركها فيها جهة قضائية أخرى أيا كانت.
ــ ردا على الدفع بعدم دستورية قرار وزير الخارجية بنشر الاتفاقية فى الجريدة الرسمية، ومطالبة المحكمة بإعمال رخصة التصدى وفقا للمادة 27 من قانونها، للفصل فى موضوع الاتفاقية:
إعمال المحكمة الدستورية العليا الرخصة المقررة لها بمقتضى نص المادة (27) من قانونها، منوط بأن يكون النص المراد التصدى لدستوريته متصلا بالنزاع المطروح عليها، وترتبط ممارسة هذه الرخصة فى مجال الفصل فى تناقض الأحكام… وإذ انتهت المحكمة فيما تقدم إلى عدم الاعتداد بالحكمين المشار إليهما، وذلك إعمالا لنص المادة (11) من قانون مجلس الدولة التى تضمنت قاعدة آمرة، بمقتضاها لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، والمادة (190) من الدستور، التى جعلت مجلس الدولة هو صاحب الاختصاص، دون غيره، بالفصل فى منازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، وبالتالى فليس يكون هناك مسوغ لإعمال سلطتها فى التصدى.
ــ ردا على الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة نظرا لما طرأ من مستجدات على الاتفاقية وإصدارها ونشرها رسميا:
عهد المشرع إلى المحكمة الدستورية، حال اتصالها بالمنازعة، فض التناقض الناجم عن تغول إحدى الجهات القضائية على اختصاص غيرها، بما نص عليه البند ثالثا من المادة 25 من قانون المحكمة، وإذ كان هذا النص قد جاء مطلقا، ولم يشترط لقبول دعوى فض التناقض، ألا يكون أحد الحكمين، أو كلاهما، قد تم تنفيذه سواء قبل رفع هذه الدعـوى أو بعد رفعها، فلا يجوز تخصيص هذا النص بغير مخصص، لما هو مقرر من بقاء المطلق على إطلاقه، بل إن تنفيذ أحد الحكمين الصادر من جهة قضائية غير مختصة ولائيا، أيا ما كان توقيت هذا التنفيذ، لا يعدو أن يكون عقبة مادية تحول دون تنفيذ الحكم الآخر الصادر من الجهة القضائية صاحبة الولاية الأصيلة بالفصل فى النزاع.
ــ ردا على الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى:
المادة 192 من الدستور ناطت بالمحكمة الدستورية عددا من الاختصاصات من بينها الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أية جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى، والآخر من جهة أخرى منها… وبهذه المثابة؛ فإن المحكمة ــ وعلى ما جرى به قضاؤها ــ لا تعتبر جهة طعن فى هذه الأحكام، ومن ثم لا اختصاص لها بمراقبة التزامها حكم القانون أو مخالفتها له تقويما لاعوجاجها، وتصويبا لأخطائها، بل يقتصر بحثها على المفاضلة بين حكمين نهائيين صادرين من جهتين قضائيتين مختلفتين على أساس من قواعد الاختصاص الولائى، لتحدد على ضوئها أيهما صدر من الجهة التى لها ولاية الفصل فى الدعوى، وأحقها بالتالى بالتنفيذ.
ــ ردا على طلب المحامى أحمد قناوى رد المستشارين حنفى جبالى وحاتم بجاتو:
المحامى مثل أمام المحكمة بجلستى 21 و28 يناير وترافع فى أولاهما، وبالجلسة الثانية طلب الرد، دون إبداء الأسباب، وتبين أنه لم يقدم سند وكالة عن أى من المدعى عليهم… وحيث إن لرد القاضى عن الحكم فى الدعوى إجراء رسمه قانون المرافعات، فلا يكفى لتحقيق هذا الإجراء مجرد إبداء الرغبة فى رد أحد أعضاء المحكمة وإثبات ذلك فى محضر الجلسة، بل يجب أن يتم الرد من الخصم نفسه بحسبانه حقا شخصيا له، وليس لمحاميه أن ينوب عنه فى ذلك إلا بتوكيل خاص يقدمه لحظة إبداء طلب الرد، ولا يغنى عن ذلك صدور هذا التوكيل، مادام لم يقدم عند إبداء طلب الرد… ومن ثم يكون ما أبداه المحامى هو والعدم سواء، ولا تثريب على المحكمة إن التفتت عنه ومضت فى نظر الدعوى.