ماجد سوس
منذ أيام ليست بقليلة قامت الدنيا ولم تقعد بسبب مجموعة تملك أجندة لتمزيق الكنيسة بحجة أنهم يحافظون على الإيمان الأرثوذكسي الصحيح وراحوا على صفحات السوشيال ميديا يدشون صفحات يطلقون عليها صفحات الدفاع عن الإيمان وحمايته وتكفير الآخر وهم أبعد كل البعد لا عن الإيمان فحسب بل عن المحبة التي هي كمال الوصية لأننا حتى وإن سلمنا جدلا أنهم يملكون إيماناً فقد كتب لهم معلمنا بولس قائلاً إن كان لي إيمان حتى أنقل الجبال وليست لي محبة فلست شيئاً.
يهاجمون قداسة البابا ويرون أنه لا يحافظ على الإيمان ويعقدون مقارنة بينه وبين سلفه ويتهكمون عليه وينتقدون تحركه نحو وحدة الكنيسة ويرون أنه يتنازل عن أمور في العقيدة بينما البابا شنودة لم يكن يسمح بإعادة معمودية الكاثوليك طالما كانت بالتغطيس وعلى الكاهن أن يرشم المعمد بالميرون فقط وهذا بشهادة آباء كثيرة منهم العلامة القمص تادرس يعقوب إلا أنه حينما أراد البابا تواضروس الثاني أن يضع هذا في إتفاق ثاروا ضده واتهموه بالتنازل عن عقيدة الكنيسة وبالمزايدة على أمانة البابا يعثرون شعب المسيح ويمزقون كنيسته.
راحوا يتصيدون لرجال الله وعلماء الكنيسة أخطاءهم يتهمون هذا بالهرطقة ويتهمون ذاك بالمضل دون وعي وعلم ودراسة، صاروا مجامع مسكونية يكفّرون مطراناً لأنه تجرأ وكتب مطالبا بمعاملة المرأة كنازفة الدم التي طهرها يسوع بعد أن تركها تلمس هدب ثوبه متمسكاً بحقها في تناول جسد الرب ودمه لأنها لم تعد نجسة وهو أمر إن اختلفنا أم اتفقنا معه لا شأن له بالإيمان والعقيدة إنما مجرد يليق اولا يليق يوافق أم لايوافق.
ثم قاموا بمهاجمة راهباً عالماً مشهوداً له كان يجول يخدم بعلمه وعمق فكره الآبائي الغزير في الداخل والخارج، عندما امتد الأمر إلى هرطقته وتجريحه فاضطر أن يحبس نفسه طواعية في قلايته مقرراً ان يعتزل الناس فخسرت الكنيسة رجل قلما وجد مثله.
حتى الكنائس الكبرى لم تسلم من سهامهم فها كنيسة كبرى بالإسكندرية أمٌ ولودٌ لكنائس هذا عددها يطعنون في صحيح إيمانها لأنها طلبت من أحد الآباء الرهبان أن يلقِ محاضرة في إحدى اجتماعاتها والرجل لم يصدر بحقه أي قرار من مجمع الكنيسة أو من رئيس ديره يدينه فتسببوا في عثرة شعبها الممتد في كل مكان لذا وجدنا مجمع كهنة ولاية شيكاغو يصدر بياناً قوياً مدافعا عن تلك الكنيسة مطالبين المجمع المقدس أن يتصدى لهم.
مؤخراً قرأت هجومهم الشرس على النائب البابوي بالولايات المتحدة نيافة الأنبا أنجيلوس لأنه في نظرهم مبتدع وبدلا من مناقشة الرجل الذي يمثل الأب البطريرك راحوا يشهرون به على صفحات التواصل الاجتماعي ويتهمونه بالهرطقة بسبب محاضرة ألقاها عن فكر أثناسيوس الرسولي
وفي دفاعه عن استخدام القديس أثناسيوس للتفسير الرمزي في شرحه لبعض الأمور الكتابية أعطى نيافة الأنبا أنجيلوس مثالا لأحداث السقوط في بداية الخليقة مستخدماً كلمة ميثولوجيا في بعض أحداث قصة السقوط في سفر التكوين فانقلبت هذه الصفحات على نيافته
هرع متصيدي الأخطاء لوضع بضع ثواني من محاضرة قالها قداسة البابا شنودة الثالث مهاجماً اللاهوت الغربي
أو اللبناني لأنه أتى إلينا بفكرة الميثولوجيا والتي تعني الأساطير وأنها هرطقة دون أن يقدموا لنا أكثر من هذه الثواني القليلة رغم أن نيافة الأنبا أنجيلوس بعد استخدامه لهذا المصطلح أوضح في نفس المحاضرة أن أحداث سفر التكوين حقيقية ولكن بها بعض الرموز لكن هذا لم يشفع له.
رغم أنني شخصياً لا أميل لهذا المصطلح لكنه لا يجب علينا أن نفتش ضمائر الآخرين ولاسيما أن ابونا الأسقف أوضح أنه يأخذ من المصطلح فكرة الرمزية فقط. دعونا في البداية نقوم بتعريف الميثولوجيا فحين بحثت عن معنى الكلمة وجدت أنه في السياق العلمي تعني “قصة مقدسة” أو “قصة تقليدية” أو “قصة عن الآلهة” والمشكلة ظهرت لأن الكلمة تعني حين ترجمت حرفيا (أساطير غير مكذوبة) لذا يستخدم العلماء كلمة “أساطير دينية” دون قصد الإساءة إلى الدين إلا أنه وبسبب ما تعنيه الكلمة في الأوساط الشعبية ظهر من يهاجمها بشدة تخوفاً من الطعن في مصداقية قصص الكتاب.
ونيافته – كما أسلفنا – كان يتكلم بوضوح عن فكرة رمزية بعض أحداث الكتاب وهي فكرة يتبناها الكثيرون من الآباء و الباحثين ففي كتاب أيام الخليقة الستة للأستاذ فوزي إلياس – اصدار اسقفية الشباب -يقول الكاتب : ” أن الكتاب المقدس يحوي كثيراً من الحقائق العلمية ولكنها مكتوبة بلغة غير علمية
ويعبر عنها بلغة بسيطة جداً يسهل حتى على الأطفال فهمها فيحكي لنا سفر التكوين في أصحا حاته الثلاثة الأولى قصة شعرية حقيقية ولكن في أسلوب رمزي metaphorical، كما شرخ وأكد لنا الكثير من الآباء الأولين مثل القديس يوحنا ذهبي الفم والقديس باسيليوس والعلامة أوريجينوس وغيرهم”.
واستخدام الكاتب هنا لمصطلح ميتافوريكال يعنى ان هناك أمورفي سفر التكوين كتبت بشكل مجازي أو استعاري وهو ذات الأمر الذي أراد نيافة الانبا انجيلوس ان يشير إليه ليس أكثر.
لذا نجد مثلا أن القديس باسيليوس الكبير رغم أنه أشهر آباء المدرسة الحرفية في تفسير الكتاب المقدس عندما كتب مقالاته عن أيام الخليقة الستة Hexaemeron
أوضح أن عمل الكنيسة ليس البحث عن طبيعة الأشياء والمخلوقات وإنما دراسة عملها ونفعها وهذا يعني أنه وجد أمور يصعب فهمها لذا علينا أن نأخذ معانيها الروحية وهذا لا يقلل من أن كل الكتاب موحي به من الله.
أما فيما قاله نيافة الأنبا انجيلوس ان الحية القديمة هي رمز للشيطان يتفق مع ما كتب في سفر الرؤيا “فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ” (رؤ 12: 2) فهل هي حية أم تنين لا يهم المهم أنه الشيطان وهذا لا يقلل من حقيقة القصة.
في النهاية أدعوكم أحبائي للاستماع لتلك المحاضرة القيّمة وقد سعدت بالبيان القوي الذي أصدره مجمع أباء كهنة شبرا الشمالية مساندة لأسقفهم السابق كما سعدت أيضا ببيان نيافة الأنبا رافائيل سكرتير المجمع المقدس مدافعاً عن الأنبا انجيلوس بعد مكالمة بينهما.
الامر جد محزن وعلينا الوقوف خلف مسيحنا وتعاليمه وخلف بابانا ومجمعنا متمسكين بطريق الآباء حتى لا نحزن قلب المسيح بتمزيقنا لجسده أما أبي الأسقف فأقبل مني المسكين اعتذارا لما بدر من أخوتي ولما سببناه لك من جرح وألم صلي لأجلي وأرجوك لا ترجع إلى ديرك كما نما إلى علمي أنك تريد الرجوع إلى قلايتك بعد جرحك الغائر بل ابق في موقعك الذي اختاره الله لك وتعيش وتعلم يا سيدنا.