الجمعة , نوفمبر 22 2024

الفصل الأول من رواية ” الباشا حانوتى ” : بقلم جرجس ثروت

اموات يمشون على الأرض !!!

o الحياة وسط الموتى

o زعيم الحانوتية بالتُرب

o عيسى وحياة الليل

o عائلات اموات وهم احياء

المكان منطقة التُرب بالقاهرة, وفي أحد شوارع القاهرة القريبة من الترب, توك توك يسير بالشارع خارجا من منطقة الُترب بصوت مزعج مع الكاسيت وأغنية هابطة تدل على ذوق الذي يقوده سعيد راضى الشهير بسعيد توك توك شاب في الثلاثينات من العمر اسمر نحيف الجسم شعره كثيف يقوده, ثم يقف في منتصف الطريق وينزل منه عيسى وهو رجل في الخمسينات من العمر يعمل حانوتي بعد أن كان متسولا, وهو ألدغ يتحدث بطريقة مميزة ويرتدى الجلباب, وهو اسمر ونحيف ولا تبدوا عليه علامات الوسامة, سعيد توك توك ينطلق بعد أن نزل ويتركه رافعا يده بالتحية مع صوت نفير التوك توك العالي والكاسيت, وتأتى بعد قليل سيارة فخمة يقودها شاب في الثلاثينات من العمر يدعى فرج غريب صبى المعلم عيسى, وشهرته قُرص نسبة إلى قُرص القرافة وليس أفضل حالا في الهيئة من معلمه عيسى يركب السيارة وقبل أن يتحدث مع قُرص يضربه بكف يده على قفاه يمزح معه, وقُرص متضايقا بسبب اللطم :

– إيه المواعيد الزبالة دي ياد يا قُرص ؟

– ليه كدا يا معلم عيسى .. ألله !!!

– إيه ياض فيه إيه .. مش عاجبك ولا إيه ؟

– لا ما فيش معلم .. بس قفايا اتفلطح من كتر الأقلام وطول .. بقى زى عمود النور

– يعنى أنا مطول رقبتك ياض !

– طبعاً يا سيد الناس .. ربنا ما يحرمك منى أبدا

– طيب شغل لنا حاجة نسمعها أحسن من كلامك الفارغ

وعندما تغرب الشمس يغرب معها شبح الحانوتي وحياة التُرب لتحل مكانها حياة الرفاهية والمتعة, كان عيسى يقضى اسعد أوقاته في الملهى الليلي يشرب ويرقص ويقضى أجمل لياليه مع نورا عشيقته وهى فتاة جميلة في العشرينات من العمر, والملهى يبدو في حركته المعتادة من رواده ومن يقدمون الخدمة, نورا ترقص على موسيقى شرقي وسط إعجاب الحاضرين, رجل يرتدى جلابية يقف من وسط الحاضرين ويقول بصوت عالٍ :

– سمع هس .. المعلمين

– المعلمين

– أحلى سلام للمعلمين .. ورقصنى يا جدع

الرجل يلقى النقود على نورا وهى ترقص, ويرقص معها في سعادة ثم يحاول الهجوم عليها ليقبلها وتتحول الصالة لفوضى, وخناقة كبيرة يُضرب فيها بالكراسي وغيرها ثم تطفأ الأنوار . في اليوم التالي تقف السيارة بالشارع أمام أحد العمارات الفخمة بالدقي ثم ينزل منها المعلم عيسى ومعه قُرص الصبي, عيسى ينظر إلى قُرص , ويرى يديه فارغة ويسأله عن الجرائد :

– فين العدة ياض ؟

– عدة إيه يا معلم ؟؟؟

– عدة الشغل يا خفيف .. الجرانين يا أبو مخ نتن

– أه .. لا مؤاخذة يا معلمي .. هجيبهم هوا

قُرص يذهب إلى السيارة بسرعة ليحضر الجرائد ثم يلحق بعيسى ويدخلا العمارة في طريقهم إلى شقة عيسى الفخمة, قُرص يدخل وهو يقول بصوت مسموع :

– وحدووووه

صبحي البواب وهو رجل أسمر في الخمسينات من العمر خفيف الظل يخرج ويقف على باب العمارة, ويسمع قُرص وهو يصيح ويتشاءم صبحي من ذلك ويقول له في ضيق :

– يا ساترعليك .. فال الله ولا فالك

من داخل باب العمارة يقف قُرص في سخرية وهو يبتسم :

– إيه يا صبحي مالك ؟ دي تحية المساء .. ما تخفش أنت تبع فريق العفش لا يموت ولا يتضيع

عيسى يلتفت إلى قُرص في ضيق وينتهره ليصعد معه بسرعة :

– ياللا رمة .. بلاش يا عطلة

صبحي ينظر إليهم في سخرية :

– هه .. عطلة !!! الله يوقف حالك أنت وهو يا بعيد

– بتقول حاجة يا بواب الغبرة

– لا .. كنت بكح – طيب عقبال ما اشيلك وأريحك بأيدي دول

– أن شاء الله ما تقعد .. ولا تشيل يا شيخ

عيسى وقُرص يدخلون المصعد, ويصعد بهم في طريقهم إلى الشقة وصبحي يشيح بيده ووجهه عنهم, وهو يقول في ضيق :

– أعوذ بالله

عيسى يدخل إلى شقته الفخمة التي يقضى بها اسعد أوقاته بعيدا عن التُرب وفيها يخطط لعمله, ولأنه لا يجيد القراءة فهو يستعين بصبيه قُرص الذي يقرأ له الجرائد في طبعتها الأولى, والتي ينشر بها أخبار المتوفين من الطبقة الراقية ليتدخل بطريقة ما وسط أسرة المتوفى أو المتوفية ويقوم بعمله وبطريقته الخاصة, قُرص يدخل بسرعة إلى المطبخ مما يجعل عيسى ينظر إليه في ضيق واستنكار :

– أنت رايح فين ياض ؟

– هكون رايح فين يعنى !!! المطبخ .. جعان يا معلم واقع من الجوع

– يا أبن المفجوعة .. مش تستنى لما نشوف شغلنا

– هو الشغل هيطير يا معلم .. ثم عشان نفسي ما تتسدش من أخبار الميتين

– نفسك تتسد .. دا أنت ممكن تاكلنى وأنا صاحي أو ميت حتى

– أجيبلك حاجة معايا

– لأ .. خلص

عيسى يجلس على الأنتريه ويشغل شاشة lcd كبيرة الحجم والريسيفر, ويقلب في القنوات حتى يشاهد قناة تعرض رقصات خليجية, قُرص يخرج من المطبخ وهو يحمل طبق بيده به نصف فرخة, وهو يأكلها بنهم ويجلس أمام عيسى ليقرأ له الجرائد :

– يا سلام على الظفر وحلاوته يا ولاد

– طيب خلص يا جثة عشان تقرالى الجرانين قُرص يضع الطبق أمامه ثم يتناول أحد الجرائد ليقرأ ويستفز عيسى :

– تحب تسمع لك شوية سياسة .. ولا أقولك أخبار الفن

– سياسة إيه وفن إيه ؟؟؟ يا أبن الرقاصة !!!

– ليه بس كدا يا معلم الغلط دا .. أمي مالها ؟ دي حتى معددة محترمة

– عددت عليك من بدري يا شيخ قُرص يبدأ في قراءة الوفيات لعيسى بحثا عن زبون سُقع :

– وفاة المعلم حودة السباك

– سباك إيه ونجار إيه يا أبن الهبلة .. أنت مالك الليلة سايق الهبل على الشيطنة

– وأنا أعمل لك إيه يا معلم !!! ما فيش حد من الطبقة الراقية

– طيب خلاص يا ابن الفقرية يرن جرس الشقة ويقوم قُرص ليفتح الباب, وهو يمسك بالفرخة بيده ويأكل منها :

– أهلا بنورا والنور كله نورا تضحك بطريقة بنات الليل وتسخر منه :

– أنت لسه برضوا بتاكل فراخ بيضة .. هتضيعك

– أكل فراخ .. أحسن من الفرخة تاكلنى وترميني عضم نورا في سخرية وتلميح بنات الليل :

– يا جبان .. قول انك مش قدهم

– أنا سايبهالك وماشى – الفرخة ؟

– لأ طبعاً .. دى مش ممكن اسيبها أبدا .. هكملها في العربية أو مع صبحي تحت..أنا هسيبلكم الشقة..الشيشة جاهزة ومتعمرة صح .. والولعة على النار يا معلم .. سلام

– خليك بعيد من صبحي عشان خلاص مش طايقك نورا تنظر إلي عيسى في استنكار :

– ولا فيه حد طايقه غيرك نورا تضحك بطريقتها المميزة والمثيرة, ثم يخرج قُرص ويغلق الباب خلفه وتذهب نورا تذهب ناحية عيسى وتبدأ تقبله بدلال وتقول :

– وحشتك – طبعا .. مووووووت

– ما بلاش السيرة دي بقى .. دا أنا كنت هموت الليلة

– تموتى ليه ؟ بعد الشر.. أن شاء الله سنية مراتى

– الزباين السكرانة يا سيدي وعمايلهم .. ما تتجوزنى بقى وتلمني من المرمطة دي

– أتجوزك !!! – إيه مش قد المقام ؟؟؟

– لا مش قصدي .. هيحصل – أمتى ؟

– قريب .. قريب .. ياللا بقى .. أنا عاوز أنسى نفسي الليلة

– حالاً يا حبيبي

رواية ” الباشا حانوتى ” : للكاتب والسيناريست جرجس ثروت

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.