كشف الدكتور زياد بهاء الدين – نائب رئيس الوزراء الأسبق – عن اتجاه حكومي جديد تنتهجه الدولة ضد المعارضة السياسية .
وقال “بهاء الدين” في مقال نُشرت له تحت عنوان “سياسة النفس الطويل” : “المغزى الأهم لتلك الإجراءات أنها تضع قواعد وحدودا جديدة للعمل السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات، أي خلال فترة الرئاسة الثانية، وبالتالي فهي بمثابة إعلان عن برنامج انتخابي سياسي للمرحلة المقبلة، ملخص هذا البرنامج أنه لا تزال هناك مقايضة ضرورية بين الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي من جهة وبين الديمقراطية والحريات من جهة ثانية، وأن على الشعب أن يختار بين الاستقرار أو الفوضى، وأن يتحمل عواقب اختياره، فإذا اختار الاستقرار والنمو فإن هذا يعنى موافقته الصريحة على الاستمرار فى تقييد حرية العمل الحزبي والنشاط الأهلي والإعلام المستقل لأن هذه ضريبة الحفاظ على أمن البلد واستقراره، ومن هنا فإن التصويت المتوقع لصالح السيد رئيس الجمهورية بعد أسابيع قليلة يصبح فى الواقع تصويتا على هذا البرنامج السياسي شديد الوضوح الذى عبرت عنه الدولة فعلا وليس قولا فى الأسابيع الأخيرة”.
وأضاف: “نحن إذن أمام تغير مهم وممتد الأثر لأنه يتجاوز الأحداث الجارية والانتخابات القادمة، وهو أيضا يمثل تحديا كبيرا أمام من لا تزال عندهم الرغبة والقدرة على مواصلة الجهد دفاعا عن الديمقراطية والدستور من داخل حدود الوطن وفى إطار القيود والمخاطر التى يتعرضون لها كل يوم”.
وإلى نص المقال:
أختلف مع ما كتبه العديد من المعلقين فى مصر والخارج ممن اعتبروا تحرك الدولة فى الأسابيع القليلة الماضية ضد عدد من الوجوه السياسية والحزبية، وآخرهم الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، مرتبطا فى الأساس بالانتخابات الرئاسية المقبلة أو بإسكات الأصوات الداعية لمقاطعتها، بل أظن أننا أمام اتجاه ذى آثار طويلة وممتدة كما أنها تعبر عن كيفية إدارة البلد خلال السنوات الأربع القادمة.
من جهة الانتخابات الرئاسية فإن نتيجتها محسومة ولا أظن أن أحدا يتوقع فيها مفاجآت، صحيح أن الدولة حريصة على ألا تأتى نسبة المشاركة فيها أقل من عام 2014 كي لا يقال إنها تعبر عن تراجع شعبية السيد رئيس الجمهورية، إلا أننى أعتقد أن الغالبية الساحقة من الناس قد حسمت مبكرا موقفها من المشاركة أو المقاطعة وبالتالي لن تتأثر كثيرا بالإجراءات الأخيرة.
المغزى الأهم لتلك الإجراءات أنها تضع قواعد وحدودا جديدة للعمل السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات، أي خلال فترة الرئاسة الثانية، وبالتالي فهي بمثابة إعلان عن برنامج انتخابي سياسي للمرحلة المقبلة، ملخص هذا البرنامج أنه لا تزال هناك مقايضة ضرورية بين الأمن والاستقرار والنمو الاقتصادي من جهة وبين الديمقراطية والحريات من جهة ثانية، وأن على الشعب أن يختار بين الاستقرار أو الفوضى، وأن يتحمل عواقب اختياره، فإذا اختار الاستقرار والنمو فإن هذا يعنى موافقته الصريحة على الاستمرار فى تقييد حرية العمل الحزبي والنشاط الأهلي والإعلام المستقل لأن هذه ضريبة الحفاظ على أمن البلد واستقراره، ومن هنا فإن التصويت المتوقع لصالح السيد رئيس الجمهورية بعد أسابيع قليلة يصبح فى الواقع تصويتا على هذا البرنامج السياسي شديد الوضوح الذى عبرت عنه الدولة فعلا وليس قولا فى الأسابيع الأخيرة.
نحن إذن أمام تغير مهم وممتد الأثر لأنه يتجاوز الأحداث الجارية والانتخابات القادمة، وهو أيضا يمثل تحديا كبيرا أمام من لا تزال عندهم الرغبة والقدرة على مواصلة الجهد دفاعا عن الديمقراطية والدستور من داخل حدود الوطن وفى إطار القيود والمخاطر التى يتعرضون لها كل يوم.
وفى تقديري أن ما يحتاجه التيار المدني الديمقراطي ــ أو ما تبقى منه ــ للتعامل مع هذا التحدي هو تجنب ردود الفعل المعتادة والمتعجلة التي لا تخلو من مثالية يبدو أحيانا أنها تسعى لتسجيل المواقف أو ترضية الضمائر بدلا من التفاعل مع الناس واستعادة ثقتها، المطلوب هو سياسة النفس الطويل التى تبدأ من تقدير واحترام مشاعر الجماهير ومخاوفها، والعمل على التفاعل مع المشكلات والقضايا التى تشغلها، والخروج من العزلة التى فرضها هذا التيار على نفسه قبل أن تفرضها عليه السلطة.
الدولة أفصحت مرة واثنتان وعشرات المرات عن نواياها وبرنامجها السياسى الذى لا لبس فيه، ولم يعد من المجدى استهلاك الوقت والجهد فى محاولة تفسير ما هو واضح، ومن يريد إعادة الاعتبار للديمقراطية لدى الرأى العام عليه الإنصات للناس والتفاعل معهم وإقناعهم بأن البلد لن يتقدم دون حياة حزبية وسياسية سليمة، وأن الأمن والاستقرار لن يتحققا فى غياب العدل واحترام الدستور، أما إذا استمرت الدعوة للديمقراطية والحرية مطلبا احتجاجيا، ساحته صفحات التواصل الاجتماعى، وأدواته البيانات والتوقيعات، فإن نتيجته سوف تكون المزيد من العزلة والمزيد من التشتت والتفرق.
شخصيا فقد قررت أن أبدا بنفسى وأمْنَح القراء الأعزاء راحة من هذا الحديث السياسى المتكرر وأصطحب من يحب منهم فى الأسابيع القادمة فى جولة حول أحوالنا الاقتصادية وحول الصعيد ومشاكله لعلها تساهم فى فتح حوار حول المستقبل.