بقلم / د.ماجد عزت إسرائيل
الرحلة هي انتقال واحد أو جماعة أو قبيلة أو أمّة من مكان إلى آخر لمقاصد مختلفة وأسباب متعددة، كجدب بلادهم وضيقها أو لاضطهاد وقع عليهم، أو على أثر حروب أتلفت أرزاقهم وأسباب معيشتهم،ومع هذه الأسباب تسمي رحلاتهم مهاجرة،وهذا شأن الأمم منذ قديم الزمان.وقد خلق الله الإنسان محباً للحركة والتنقل،وأمده بالعقل الذي يدعوه لذلك،والجسم القوى الرشيق الذي يعينه على الانتقال من موضع لآخر بحثا – في البداية- عن طعامه وشرابه، هرباً من القوى المعادية، وقد بدت له عاتية مخيفة،سواء كانت الطبيعة من برق ورعد وعواصف أو فيضانات وزلازل وبراكين أو كانت ضخمة كالديناصورات والأفيال،أو مفترسة كالأسود والنمور والذئاب. فالحركة روح الحياة وهي سمة أساسية فى التركيب الجسدى والنفسى للإنسان وقد هيأه الله لها،وجعلها إمكانية ضرورية لحياته،تتسق مع الهدف من إيجاده والغاية التى خلق لأجلها، وهي تعمير الأرض وعبادة الله تعالى. ولقد اعد الله القديس بولس الرسول للقيام بالعديد من الرحلات التبشرية لللكرازة بالمسيحة فى جمع إرجاء المسكونة،فقام بثلاث رحلات تبشرية. ولكن هنا يجب علينا أن نتحدث عن شخصية بولس الرسول قبل الحديث عن رحلاته.
والقديس بولس الرسول اسمه شاول الطرسوسي ويعنى بالعبرية “المشتهى– شوقي” أو”المطلوب فى الصلاة”،ومعروف عند اليهود في الشتات أن كل ولد يولد يعطى اسمين الأول عبراني مثل شاول،والثاني يتناسب مع لغة أهل البلاد،واسم “بولس” هو روماني”ومعناه “الصغير”،ولد بولس الرسول في طرسوس وهي عاصمة إقليم كيليكية جنوب آسيا الصغري، وهي تقع فىي السهل الشرقي من جبال كيليكية وعلي نهر سيدنوس الذي يخترقها مندفعاً لإي البحر حيث كانت ترسو سفن التجارة من كل بقاع العالم،وكانت المدينة أيام القديس بولس تحت حكم الإمبراطورية الرومانية،ولكنها فازت بالحكم الذاتي كمدينة حرة سنة 67 ق.م،ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم ربما عن وثائق كانت تحت يده إن بولس ولد سنة 2 ميلادية، وبمولده حصل على الجنسية الرومانية، وذكر بولس أنه ينتمي لسبط بنيامين، وكان من عادة اليهود أن يبدوأوا التعليم للطفل وهو فى ابن الخامسة حيث يتمرون على قراءة الأسفار،وفى سن العاشرة يبدا تعليم كتب شرح الناموس، وفى سن الثالثة عشرة من عمره يتعاطى الناموس،كانت طرسوس فى ذلك الوقت مركزًا من مراكز التهذيب العقلي. فقد كثرت فيها معاهد العلم والتربية. وكانت مركزًا للفلسفة الرواقية التي ظهر تأثيرها في كثير من تعبيرات الرسول عن المبادئ المسيحية. وسبق القول أنه لا بد أن يكون المّ في صغره بالتاريخ المقدس من الكتاب وتاريخ اليهود من التقاليد. وكسائر صبيان اليهود تعلم حرفة يلجأ إلى الاكتساب منها إذا احتاج. وكانت الحرفة التي تعلمها بولس صنع الخيام ،فلا يدّل ذلك على فقر أو ضعة. ولمّا أتم تحصيل ما يمكن تحصيله في طرسوس أرسل إلى أورشليم، عاصمة اليهودية ليتبحر في الناموس. ونعرف أنه تربى عند رجلي غمالائيل وكان هذا من أشهر معلمي الناموس ومفسّريه فأصبح بهذا وبما له من العلم والمعرفة والاستعداد أكثر تأهلًا وكفاءة للتبشير. فقد تأهّل أكثر من سائر الرسل للمداخلة والتبشير بين اليهود واليونانيين والرومانيين والبرابرة. ويظهر أن شاول ذهب إلى أورشليم في صغر سنه ،وربما كان عمره ما بين 20 أو 22 عاماً حينما شرع مخلصنا يظهر ذاته للناس. كان أوّل ذكر لبولس فى أثناء محاكمة استفانوس حيث قام يعض المسيحين “وخلعوا ثيابهم عند رجليّ شاب يقال أنه شاول، مما يدلّ على أنه صاحب نفوذ وأنه كان راضيًا بقتله أي أنه كان، على الأغلب، ضمن المذكورين الذين ساقوا التهم ضد الشهيد الأول. فيظهر هنا كشخص متعصّب، يكره الفكرة أن ذلك المصلوب هو المسيا ويعتقد أن تابعيه كانوا خطرًا دينيًا وسياسيًا. وبضمير مستريح كان يقوم بنصيب وفير في محاولة إرجاع هؤلاء أو قطع دابرهم، قام بهذا الاضطهاد بقسوة شخص يثيره ضمير مضلّل. فلم يكتفي بمهاجمة أتباع ذلك الطريق في أورشليم بل لاحقهم في خارجها. وفي كل ذلك يظن أنه يؤدي خدمة الله والناموس.
ويذكر الكتاب المقدس كيف تحول بولس من شخص يضطهد المسيحين إلى مبش للمسيح، حيث ذكر الكتاب قائلاً:” وَفِي ذَهَابِهِ حَدَثَ أَنَّهُ اقْتَرَبَ إِلَى دِمَشْقَ فَبَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلَهُ نُورٌ مِنَ السَّمَاءِ، فَسَقَطَ عَلَى الأَرْضِ وَسَمِعَ صَوْتًا قَائِلاً لَهُ: “شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ فَقَالَ: “مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟” فَقَالَ الرَّبُّ: “أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ،فَقَاَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: “يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟” فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: “قُمْ وَادْخُلِ الْمَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ..”، بعد ظهور السيدة المسيح له قام ورجع ملتهبًا بنفس الغيرة التي كان يحارب بها يسوع وإنما الأن شهد بها ليسوع، ولما حاولوا قتله هرب إلى أورشليم حيث رحب به برنابا وقدّمه للرسل، وحيث بشّر بمجاهرة جعلت اليونانيين في أورشليم يحاولون قتله فذهب إلى قيصرية ومنها إلى طرسوس مسقط رأسه، وقضي بها نحو سبع سنوات، وأنه فيها أسس الكنائس المسيحية في كيليكية.
وقام بالعديد من الرحلات من أجل التبشير بالمسيحية،وكتب القديس بوليس الرسول 14 رسالة تشمل 100 إصحاحاً،،وظل يعطى ويبشر ياسم يسوع حتي استشهد بقطع رقبته فى عام 67 م علي يد الإمبراطور الروماني نيرون (37-67م).