نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالا لمراسلها في القاهرة ديكلان وولش، عن المحامي المتخصص في رفع القضايا سمير صبري، الذي رفع قضايا ضد ممثلين وراقصات وحتى الأراجوزات، مشيرا إلى أنه رفع أكثر من 2700 قضية للتأثير في السياسة وفرض ما تراه أخلاقياته.
ويقول الكاتب: “في زاوية من المتاهة المضطربة ووسط الملفات ذات الزوايا المطوية وفناجين القهوة التي لم يشرب إلا نصفها، وقف سمير صبري أمام شاشة حاسوب، بوجه عابس وهو يشاهد دمية بلسان لا يتورع عن الكلام غير المؤدب”.
ويشير وولش في مقاله، إلى أن أبلة فاهيتا المعروفة بسخريتها اللاذعة كانت تسخر من الحب المفروض على المصريين في مجتمع مزدحم، حيث قالت “مثل وجهي مؤخرة في سروال”، وتجعدت شفاه صبري، وعلق قائلا: “يقولون عن هذا نكت.. هو لا أخلاقي والكثير من المصريين يكرهونه”، وأصدر أمرا وفي صباح اليوم التالي قام مكتبه بإصدار شكوى جنائية للمدعي العام يتهم فيها الدمية بنشر الفسق، ولو تمت إدانتها فإنها ستواجه حكما بالسجن خمسة أعوام.
وتلفت الصحيفة إلى أن صبري، البالغ من العمر 67 عاما، يعد من أشهر المدعين في بلد يسمح لمواطنيه بالتقدم بدعاوى ضد بعضهم بسبب اتهامات غامضة بالتصرفات اللاخلاقية، أو “إهانة” الوطن، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي يعود فيه الأمر في النهاية للنائب العام، ويقرر ما إذا كانت سيواصل هذه القضايا أم لا، فإن معظمها تستبعد باعتبارها تافهة، وفي حال نجاحها فإنها تقوم بتكميم حرية الرأي، وتعرقل الفنون، وحتى إنها أثرت في السياسة الوطنية.
ويقول وولش إن “صبري يعد يقظا بشكل مستمر، ويلوح بالقانون مثل الهراوة لفرض علامته من الوطنية المصرية الشائكة والمصابة بالرهاب أحيانا، ويزعم صبري أنه تقدم بأكثر من 2700 قضية لحماية المصلحة العامة، وذلك خلال الـ40 عاما الماضية، وفي بعض الأحيان كان يتقدم بعدد منها في يوم واحد، وقد استهدف الممثلين والدعاة والسياسيين، وحتى الراقصات، وقد يؤدي دورا في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
ويفيد الكاتب بأن “صبري كان يفشل في معظم الحالات، وهذه هي المرة الثالثة التي يتقدم فيها ضد الدمية أبلة فاهيتا، التي قدمت دعوى قضائية ضدها بسبب (سكتش) قام على رواية (خمسون ظلا من الرمادي)، وقد رفض القاضي الدعوى”.
ويبين وولش أنه “عندما ينجح صبري فإن النتائج تكون ذات آثار بعيدة، فالشيخ ميزو، الذي كان يظهر في التلفزيون وأُثار غضب صبري، حكم عليه في شباط/ فبراير بالسجن مدة خمسة أعوام، وسجن الروائي أحمد ناجي لمدة تسعة أشهر عام 2016، في دعوى دعمها صبري، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر ساعد صبري في منع المغنية المعروفة شيرين من الغناء، عندما مزحت حول طبيعة مياه النيل في أثناء حفلة موسيقية كانت تحييها في الإمارات العربية المتحدة، حيث توعد صبري قائلا: (الفن المصري في وضع سيئ اليوم.. يعتمدون على العري والشتيمة والمخدرات والبلطجة، ويصورون نساءنا كعاهرات، ويجب أن نوقف هذا كله)”.
وينوه الكاتب إلى أنه في المجال السياسي، فإن “مصير أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية، وهو المحامي اليساري خالد علي، معلق بالخيط الذي غزله صبري، حيث يعد علي من أهم المتحدين للرئيس عبد الفتاح السيسي، إلا أن فرصه تضاءلت بسبب التهمة التي وجهت له؛ لأنه أشار بإصبعه أمام المحكمة العليا التي رفضت قرار الحكومة نقل ملكية جزيرتين للسعودية بإشارة نابية، ولو رفض استئناف علي المقرر في 7 آذار/ مارس فسيتم استبعاده مباشرة من الانتخابات”.
ويفيد وولش بأن النقاد يرون أن حماة القانون، مثل صبري، لا يقومون بخنق حرية التعبير، التي لم يبق منها إلا القليل، فقط، لكنهم يقومون بقتل أهم شيء يفتخر المصريون به، وهو قدرتهم على السخرية من أنفسهم.
وتنقل الصحيفة عن الخبيرة القانونية حفصة حلاوة، قولها: “نحن من أكثر الشعوب العربية مرحا، وممن لا نأخذ أي شيء بجدية.. والآن حتى هذا يختفي”، لافتة إلى أن صبري يشعر بالفخر كونه فارضا للأخلاق، قائلا: “الناس يخافون مني”.
ويذكر الكاتب أن صبري يعمل من مكتب في القاهرة القديمة، تنتشر فيه التماثيل الصغيرة من الأباطرة الرومان إلى أبراهام لينكولن والبابا و3400 من السيارات الصغيرة التي يهوى جمعها، والتي وضعت بشكل مرتب على طاولة الاجتماعات.
ويقول وولش: “لأنه نصب نفسه حاميا للأخلاق ولمصر، فإنه يعمل حتى ساعة متأخرة، يتنقل بين القنوات التلفازية التي يتابعها من الشاشة الكبيرة أو من خلال الإنترنت أو (آي باد)، باحثا عن أي شخص أضر بمصر أو السيسي، وفي حال أراد البحث فإنه يبحث في أرشيفه، الذي يتوزع على 8 غرف تمتلئ بالصحف والمجلات التي تعود إلى سنوات السبعينيات من القرن الماضي، وهذا الأرشيف يقدم أدلة إضافية ضد أهدافه، ويقول معلقا: (لو أردت سأجد ما قالوه سابقا لفضح تقلباتهم)”.
ويبين الكاتب أن عمله المكثف لا يترك مجالا لزوجته، إلا أن صبري يعترف بأنه لم يكن أبدا رومانسيا، قائلا: “هذا الحب كله وتشابك الأيادي، كفى.. وهي تعلم أن هذا هو اهتمامي، وعلى أي حال أشتري لها هدايا، خواتم ماس وعقود و(بي أم دبليو) وهذه تجعل الزواج سعيدا”.
ويؤكد وولش أن “حماس صبري للسيسي لا يعرف الحدود، وولد كلاهما قرب الجمالية بين الأزقة المتعرجة في القاهرة القديمة، حيث كان والد السيسي يعمل تاجرا، ويقول صبري إنه عندما وصل السيسي إلى السلطة قدم له نصيحة على شراب في ناد في هليوبوليس، وأجرى معه مقابلة صحافية، وكان عنوان المقالة (الجنرال السيسي: بين الرمز والأسطورة)، وقد وضعها في إطار في ممر مكتبه”.
ويشير الكاتب إلى أن صبري قام بتقديم مئات الدعاوى ضد معارضي السيسي، خاصة الإخوان المسلمين، وحاول دون جدوى تجريد 113 مصريا من جنسيتهم، منهم محمد البرادعي، ووائل غنيم، الذي كان من ناشطي احتجاجات الربيع العربي، ويعلق غنيم، الذي يعمل الآن زميلا في مركز “أش” للحكم الديمقراطي والإبداع في جامعة هارفارد، قائلا: “كل نظام لديه أقزامه.. وهذه هي طريقته ليكون مهما”.
ويذكر وولش أن صبري منع الراقصة سما المصري من الترشح لانتخابات البرلمان عام 2015، بناء على مهنتها، التي قال إنها “ليست مناسبة”، وحاول وقف عمل صحيفة “الغارديان” البريطانية، التي وصفها بنشر الأخبار الزائفة.
ويقول الكاتب إن “صبري يتهم بعدم قول الحقيقة، ففي مقابلة صحافية زعم أنه تخرج من جامعة بوسطن بدرجة دكتوراه في القانون التجاري عام 2000، إلا أن المسؤولين في الجامعة، الذين اتصلت بهم صحيفة (نيويورك تايمز)، قالوا إنهم لا يعرفون صبري، وجامعتهم لا تمنح دكتوراه في القانون التجاري، وعندما ضغطت الصحيفة على صبري أشار إلى جامعة كونستنتينين، وهي مؤسسة تعليمية لديها عنوان في لينكولن برودس أيلاند، التي تطلق على نفسها بحسب موقعها (مؤسسة شرفية)”.
ويلفت وولش إلى أن صبري يعمل في مجال يزاحمه الكثيرون فيه، ففي تشرين الثاني/ نوفمبر تقدم محام آخر بدعوى ضد فيلم “شيخ جاكسون”، الذي رشح لجائزة الأوسكار، الذي يحكي قصة شيخ يرقص مثل مايكل جاكسون، وتم توجيه تهمة للممثل الرئيسي بتهمة ازدراء الدين، وفي الشهر ذاته استطاع محام سجن ممثلة غير مشهورة لعامين؛ وذلك بسبب فيديو مثلت فيه مشاهد ذات إيحاءات جنسية، فيما تقدم محام من الاسكندرية اسمه طارق محمود في هذا الأسبوع بدعوى ضد “نيويورك تايمز”، واتهمها بتهديد الأمن القومي، وذلك بعد نشرها تسجيلات لضابط أمن حاول التأثير على الرأي العام، من خلال إقناع مذيعين وممثلين بدعم قرار الرئيس دونالد ترامب بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأمر النائب العام يوم الخميس بفتح تحقيق جنائي بالتقرير.
ويبين الكاتب أن صبري يقلل من أهمية منافسيه المحامين الذين يتقدمون بدعاوى قضائية، فيما يتساءل بعضهم عن مصادر تمويله، حيث تساءل المحامي أحمد مهران، المحامي الذي أثار عملية الملاحقة والقمع للمثليين عندما تقدم بشكوى ضد أشخاص رفعوا علم قوس قزح -شعار المثليين- في حفلة، قائلا: “من أين يحصل على المال؟ هل يحصل عليه من المخابرات؟”.
وينوه وولش إلى أن المحامي نبيه الوحش هاجم صبري، واتهمه بأنه يتقدم بالقضايا ليشتهر، ونفى صبري هذه الاتهامات، مؤكدا أنه يمول القضايا دون دعم من الحكومة، حيث يزعم صبري أن ثلثي قضاياه نجحت.
ويعلق الكاتب قائلا: “هو تقدير مبالغ فيه، لكن حتى عندما تفشل قضاياه فإنها تترك أثرا كبيرا على حرية التعبير، كما يقول خالد داود الذي استهدفه صبري، ومع أنه نجا دون أي ضرر، إلا أن القضية (مثل السيف المسلط على رأسي)”.
ويختم وولش مقاله قائلا إن “قضايا مثل هذه تجد دعما من حكومة السيسي، حيث يناقش البرلمان خطوات لتسهيل سحب الجنسية، التي شبهها نواب سابقون بقوانين تشبه عهد النازية، إلا أن صبري يراها خطوة إيجابية وأخبارا جيدة (لأنها تجعلنا مشغولين)”.