سلّط موقع الإذاعة الألمانية «دوتيشه فيله» الضوء على التطورات الأخيرة داخل القصر الملكي في السعودية، التي ظهرت للعلن على غير المعتاد، باعتقال 11 أميراً سعودياً، بزعم أنهم تجمهروا للمطالبة بإلغاء قرار ينهي دفع الحكومة لهم فواتير المياه والكهرباء، الأمر الذي نفاه الأمير السعودي عبدالله بن سعود بن محمد، مؤكداً أن الأمراء المحتجزين قادرون مالياً، ومن بينهم نجلا مالك شركة «المراعي» السعودية.
لم تذكر وسائل الإعلام السعودية أية تفاصيل عن هوية الأمراء الذين قاموا بالتجمهر، لكنها قالت إن الأمير سلمان بن عبدالعزيز بن محمد بن فيصل بن تركي كان يتزعم التجمهر.
وأشار تقرير الإذاعة الألمانية إلى انتشار حديث في الآونة الأخيرة في العاصمة السعودية عن أن ولي العهد محمد بن سلمان، يعمل على مشروع لحصر السلطة في «دائرة ضيقة جداً» من العائلة الحاكمة.
وحول الأقاويل بأن ولي العهد يمتلك مشروعاً لحصر الحكم والسلطة بيد جزء من أحفاد مؤسس الدولة السعودية الثالثة، نقلت «دوتيشه فيله» عن الكاتب الصحافي السعودي المقيم في واشنطن جمال خاشقجي قوله، إن تلك الأقاويل «تتردد في الرياض، وإن حادثة التجمهر الأخيرة في قصر الحكم، وانتقال الأمراء بعدها لقصر العوجة عزز تلك الأقاويل».
وقال خاشقجي، إنه حسب معلومات فإنه لا يوجد منحى سياسي للاحتجاجات المذكورة، بل هي احتجاج على «إصلاحات» ولي العهد، وعلى «إلزام» الأمراء بما يُلزم به المواطن السعودي من حيث المعاملة وفق القانون.
واختلفت وسائل إعلام ألمانية في تقدير عدد الأمراء السعوديين، غير أنها اتفقت أنه يتراوح بين 5000 و7000 أمير، بيد أنه وبحسب تقرير لصحيفة النهار اللبنانية، نُشر في 24 يناير 2015، يبلغ عدد أفراد العائلة الحاكمة حوالي 25 ألفاً، ويقتصر عدد المؤثرين في السياسة على 200 شخص، وجاء في تقرير لصحيفة «إندبندنت» البريطانية في يناير 2012، نقلاً عن الأميرة بسمة بنت سعود بن عبدالعزيز، أن عدد أفراد الأسرة الحاكمة هو 15 ألفاً، وأن 2000 منهم هم المسيطرون على السلطة والثروة.
أوضح خاشقجي أن «الأمراء المحتجين هم من الفرع الذي يُطلق عليهم العرافة، وهو جناح خرج من الحكم منذ زمن الدولة السعودية الثانية».
ويؤكد الدكتور والمؤرخ وعضو مجلس الشورى لثلاث دورات محمد آل زلفة، أن الأمراء المذكورين هم من «فرع العرافة»، ويجزم بأنه «لا أمل لهم في الملك»، مبرراً قوله إن «المنافسة محصورة بين أحفاد عبدالعزيز دون غيرهم».
وحسب معلومات خاشقجي، فقد جرت عملية «غربلة» على الصعيدين السياسي والمالي للأمراء منذ عامين: «اليوم تشهد السعودية مرحلة تشكل للسلطة في اتجاه التحول من الأفقية إلى العمودية: حصر السلطة بيد الملك وولي عهده، وعلى النموذجين الأردني والمغربي، وباقي الأمراء سيكونون أشبه بالموظفين في الدولة، وليسوا شركاء في الحكم».
ومن جانبه، يرى الدكتور والمؤرخ محمد آل زلفة، أنه من الضروري وضع الأمور بيد «قلة» من الأمراء، للمحافظة على الوحدة الوطنية والحكم وسلامته ومنع المنافسة والتناحر: «كمؤرخ لتطور الحكم في السعودية، أعتقد أن الأمر ليس بجديد على المملكة، إذ إن مؤسس الدولة السعودية الثالثة هو من كان بيده وحده كل السلطة، وفرض ابنه ولياً للعهد دون أن يعترض أحد من إخوته».
على مدى العقود القليلة الماضية، كان إلى جوار كل ملك سعودي واحد أو اثنان من إخوته أو أبنائه أو أبناء إخوته، يقدمون المشورة ويشاركون في الحكم، غير أنه ومنذ اعتلاء الملك سلمان العرش، تركزت كثير من السلطات في يد ابنه محمد، الذي يشغل إلى جانب ولاية العهد مناصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس «مجلس الشؤون السياسية والأمنية» ورئيس «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية»، كما يشغل شقيقه خالد -29 عاماً- منصب سفير المملكة في واشنطن.
ولا يعتمد ولي العهد كثيراً على أبناء عمومته، بل على فريق من المستشارين، وهم بالأساس سعوديون، برغم أن بعضهم تدربوا في الولايات المتحدة أو بريطانيا.