الجمعة , ديسمبر 20 2024

القدس مدينة الحرب والسلام

المقال الذى لم ينشر بجريده الأهـــــــرام المصرية
القدس مدينة الحرب والسلام
القدس مدينة تسكن كل القلوب، اسمها يشيع في النفس معنى روحاني وبهجة خفية فهي مرتبطة بمشاعر مقدسة عند كل البشر اليهودي والمسيحي والمسلم.
ولكن وياللعجب فتلك المدينة أيضاً تاريخها كله صراع وحروب. فهي مدينة تتصارع عليها الهويات والقوى الاستعمارية دائماً. وقد صرح نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل تعقيباً على قرار أمريكا بالاعتراف بها عاصمة لإسرائيل: “الهوية التاريخية الوطنية في إسرائيل تحظى باعتراف هام اليوم”. هذا مخالف للحقيقة، لذلك دعني عزيزي القارئ أقدم لك تاريخ أورشليم القدس.
وأول من سكنها هم اليبوسيين المتفرعين من الكنعانيين. وكان ملكها “ملكي صادق” هو الذي أعطاها اسم مدينة السلام أي أورشليم. ثم سيطر عليها داود النبي عام 970ق.م وحدد فيها مكاناً لبناء الهيكل إلا أن ابنه سليمان هو الذي بناه. وصارت كل أورشليم بمبانيها وطرقها وجبالها مقدسة وتخدم العبادة اليهودية ومن هنا سميت المدينة المقدسة أو القدس. وبعد وفاته انقسمت مملكة اليهود وصار القسم الجنوبي مملكة يهوذا وفيه القدس، والقسم الشمالي مملكة السامرة. ثم جاء نبوخذنصر عام 587ق.م وأحتل أورشليم وهدم الهيكل وصارت المدينة دماراً وخراباً. وقد أخذ الشعب إلى بابل مسبياً وعبيداً وبعد خمسون عاماً سمح كورش الفارسي برجوع اليهود إلى المدينة وبناء هيكلاً جديداً.
ثم انتصر الإسكندر الأكبر على الفرس وأحتل أورشليم عام 333ق.م وبعد وفاته صارت تحت حكم السلوقيين. وحاول اليونانيين أن يغيروا طابع المدينة ويصبغوها بحضاراتهم وأوقفوا العبادة بالهيكل وحرموا اليهود من الإجهار بها فقامت ثورة تسمى المكابيين ونجحوا في تحرير الهيكل من يد الإغريق.
ثم جاء الرومان واستولوا عليها عام 63ق.م ولكن أعطوا ولاياتها إلى هيرودس الذي في عصره ولد السيد المسيح. وقد عاصرت المدينة والمدن الأخرى أحداث حياة السيد المسيح. وبعد صعوده إلى السماء بدأت من أورشليم الكرازة بالمسيح التي فيها كانت أول كنيسة وهي بيت مارمرقس الذي بشر مصر.
وقد تنبأ السيد المسيح بخراب أورشليم وهدم الهيكل وقال: “هوذا بيتكم يترك لكم خراباً”، وقال أيضاً: “سيهدمونك وبنيك فيك”. وهذا ما حدث ففي عام 70م ثار اليهود ضد الرومان وأخذوا يقتلونهم في الشوارع فتحرك تيطس القائد الروماني على رأس جيش كبير لاستعادة المدينة وحاصرها. ثم اقتحمها وحرق الهيكل ودمرت المدينة. وفي عام 132م حاول اليهود استعادة المدينة أيام حكم هادريان، فدخل المدينة ودمر كل ما فيها وأصدر مرسوماً بطرد اليهود وغير اسمها من أورشليم إلى “مستعمرة إيليا”.
وفي أيام قسطنطين جاءت أمه الملكة هيلانة وبنيت كنائس في كل مكان عاش فيه السيد المسيح، وبنيت كنيسة القيامة وتغيرت هوية أورشليم من اليهودية إلى المسيحية وصارت كل الشعوب المسيحية تذهب إلى القدس لأخذ البركة من الأماكن المقدسة وهو ما يسمى بالحج المسيحي.
وكان محظور على اليهود الدخول إليها حتى القرن السابع الميلادي حين اجتاح الفرس المدينة واحتلوها ودخل اليهود مع الفرس عام 614م وذبحوا آلاف المسيحيون فيها. ثم بعد خمسة عشر عاماً استرجعها هرقل، وبعد سبعة أعوام فتحها العرب في عهد عمر بن الخطاب الذي دخلها وحدد مكان المسجد الأقصى، ولكنه كان بناء بدائياً من الخشب. وفي أيام الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بنى مسجد قبة الصخرة عام 691م، ثم بنى الخليفة الوليد بن عبد الملك المسجد الأقصى عام 709م بصورته الحالية. وصارت المدينة تحمل روحاً جديدة للعبادة فيها اليهودية والمسيحية والإسلامية.
ولكن في القرن الحادي عشر بدأت الحروب الصليبية والصراع على القدس بين الغرب والعرب واستطاع صلاح الدين الأيوبي استرداد القدس من الصليبيين عام 1187م بعد معركة حطين. وبعد وفاته عاد الصليبيون واستردوها مرة أخرى، ثم استردها نجم الدين أيوب 1244م. ثم أخذها التتار وطردوا اليهود منها، ثم استردها بيبرس في معركة عين جالوت عام 1259م وصارت فلسطين والقدس كلها تابعة لحكم مصر والشام إلى أن دخلها الأتراك العثمانيين عام 1517م وأصبحت تابعة لهم أربعمائة عام.
وفي عام 1831م أيام حكم محمد علي كانت فلسطين تحت حكم مصر ولكن استردها الأتراك مرة أخرى عام 1840م. وفي هذه الأيام بدأ وفود من اليهود والمسلمون المغاربة الاستقرار في القدس وفي إحصائية أمريكية عام 1867م تقول إن سكان القدس كانوا 15.000 نسمة، 6.000 مسلم، 5.000 مسيحي، 4.000 يهودي.
وبعد الحرب العالمية الأولى وفي عام 1922م منحت عصبة الأمم بريطانيا حق الانتداب على فلسطين وبدأت مرحلة تهويد القدس وخاصة بعد وعد بلفورد بعد الاتفاقية بين إنجلترا وثيؤدور هرتزل مؤسس الصهيونية العالمية. وبدأ الصراع بين اليهود والعرب فأصدرت الهيئة الدولية قرارها بتدويل القدس تحت رعايتها عام 1947م. ولكن عام 1948 أعلنت بريطانيا إنهاء الانتداب وسحب وقواتها لتعلن إسرائيل قيام دولتهم، وحدثت حرب 1948 التي قدم فيها المصريون شهداء وبطولات. وانتهت الحرب بتقسيم القدس بين إسرائيل وفلسطين الشرقية عربية والغربية يهودية.
ثم حدثت حرب 1967م التي انتزعت فيها إسرائيل القدس الشرقية وهدموا حارة المغاربة المواجه لحائط البراق الذي يتعبد عنده اليهود وجعلوها ساحة صلاة وبدأوا في بناء المستوطنات لتغيير هوية المدينة تحت سمع وبصر كل الهيئات الدولية. وصدر قرار من الأمم المتحدة رقم 478 بأن إسرائيل خرقت القانون الدولي وطالب الدول الأعضاء بسحب ما تبقى من سفاراتها من القدس.
وفي عام 1981م اعترفت الأمم المتحدة بإسرائيل وعاصمتها تل أبيب، وفي عام 2001م حاول اليهود وضع حجر الأساس للهيكل الثالث وحدثت الانتفاضة فتوقف المشروع.
واليوم نضيف تاريخاً جديداً للصراع برعاية أمريكية وهو نقل السفارة إلى القدس وهذا يعني الاعتراف بدولة إسرائيل وعاصمتها القدس لتدخل المنطقة في حالة من الغليان مرة أخرى. ولم يدرك هؤلاء أنهم جعلوا مدينة السلام ساحة للحرب وأن أغصان الزيتون ذبلت، وطيور السلام هاجرت من عشوشها، وجدران القدس تبكي على حال أورشليم مدينة السلام.
القمص أنجيلوس جرجس
كاهن كنيسة المغارة -الشهيرة بأبي سرجة الأثرية

القمص/ أنجيلوس جرجيس يعتزر عن الأستــــــمرار فى الكتـــــــــــابه بجريـــــــده الأهــــــــــرام

 https://www.facebook.com/angelosgerges/photos/a.452807878186935.1073741827.452202674914122/1126140277520355/?type=3&theater

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

المحاكمات (التأديبات) الكنسية … منظور ارثوذكسى

كمال زاخرالخميس 19 ديسمبر 2024 البيان الذى القاه ابينا الأسقف الأنبا ميخائيل اسقف حلوان بشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.