الجمعة , نوفمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
مجده نجيب فهمى

الرد على جميع الطوائف بل استثناء احد جميعكم لم تعرفوا السيد ولم تتعلموا منه ولم تتبعوه كما قال …المسيح خارج الطوائف وخارج أسواركم.

السؤال: هل يعلمنا إنجيل يوحنا 3: 5 أن معمودية الماء ضرورية للخلاص؟
الجواب: كما في حالة أية آية أو مقطع كتابي فإننا نميز ما يعلمنا إياه أولاً بأن نفحصه في ضوء ما نعرفه من باقي الكتاب المقدس حول ذات الموضوع. في حالة المعمودية والخلاص، فإن الكتاب المقدس واضح بأن الخلاص هو بالنعمة من خلال الإيمان بالرب يسوع المسيح، وليس بأعمال من أي نوع بما في ذلك المعمودية (أفسس 2: 8-9).

لذلك فإن أي تفسير يقول بأن المعمودية أو أي فعل آخر ضروري للخلاص هو تفسير مغلوط.
يوحنا 3: 3-7 ” فَقَالَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللَّهِ. قَالَ لَهُ نِيقُودِيمُوسُ: كَيْفَ يُمْكِنُ الإِنْسَانَ أَنْ يُولَدَ وَهُوَ شَيْخٌ؟ أَلَعَلَّهُ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ بَطْنَ أُمِّهِ ثَانِيَةً وَيُولَدَ؟ أَجَابَ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ. اَلْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ جَسَدٌ هُوَ وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ. لاَ تَتَعَجَّبْ أَنِّي قُلْتُ لَكَ: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ”.

عندما ندرس هذا المقطع الكتابي، من المهم أن نلاحظ أولاً أنه لا يذكر كلمة معمودية على الإطلاق. في حين أنه يتحدث عن المعمودية في نفس الإصحاح بعد ذلك (يوحنا 3: 22-30)، وذلك في موقف مختلف تماماً (اليهودية بدلاً من أورشليم) وفي وقت يختلف عن وقت حديثه مع نيقوديموس.

وهذا لا يعني أن نيقوديموس لم يكن يعرف أي شيء عن المعمودية، لا من حيث كون اليهود يعمدون المتحولين إلى اليهودية من الأمم، أو من خلال خدمة يوحنا المعمدان.

ولكن، إن قراءة هذا النص ببساطة في الإطار الصحيح يجعلنا نعرف أن يسوع كان يتكلم عن المعمودية، وذلك ما لم نقوم بقراءته باحثين عن أفكار أو عقيدة معينة. فإن فهم علاقة هذا النص بالمعمودية لمجرد أنه يذكر كلمة “ماء” هو أمر لا سند له.
إن من يؤمنون بأن المعمودية ضرورية للخلاص يشيرون إلى عبارة “يولد من الماء” كدليل يستندون إليه.

وكما يقول أحدهم: “إن يسوع يصف الأمر ويقول له بوضوح كيف – بأن يولد من الماء والروح.

وهذا وصف ممتاز للمعمودية! لم يكن يسوع ليقدم شرحاً أكثر وضوحاً ودقة للمعمودية عن هذا”.

ولكن لو أن الرب يسوع أراد أن يقول بضرورة المعمودية لنوال الخلاص لكان قد قال ببساطة ووضوح “الحق الحق أقول لكم، ما لم يتعمد الشخص ويولد من الروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله”.

وأكثر من هذا، لو أن يسوع كان قد قال عبارة مثل هذه لكان الأمر مناقضاً للعديد من النصوص الكتابية الأخرى التي توضح أن الخلاص هو بالإيمان (يوحنا 3: 16؛ 3: 36؛ أفسس 2: 8-9؛ تيطس 3: 5).
يجب ايضاً الا يغيب عن ناظرينا حقيقة أنه عندما كان يسوع يتكلم مع نيقوديموس، لم يكن قد تم وضع فريضة المعمودية المسيحية بعد. نرى هذا التناقض في تفسير النص الكتابي عندما نسأل من يؤمنون أن المعمودية من شروط الخلاص لماذا لم يلزم أن يتعمد اللص على الصليب لكي ينال الخلاص.

من الإجابات المعتادة لهذا السؤال: “إن اللص على الصليب كان لا يزال تحت العهد القديم ولذلك لم تطبق عليه هذه المعمودية.

لقد نال الخلاص مثل كل الذين كانوا تحت العهد القديم”. لهذا، فإن نفس الناس الذين يقولون بأن اللص لم يحتاج المعمودية لكونه “تحت العهد القديم” يستخدمون النص الوارد في يوحنا 3: 5 كـ “دليل” على ضرورة المعمودية للخلاص. إنهم يصرون على أن يسوع كان يقصد بقوله لنيقوديموس أنه من الضروري أن يتعمد لينال الخلاص، رغم أنه هو أيضاً كان لا يزال تحت العهد القديم.

إذا كان اللص على الصليب قد نال الخلاص دون أن يتعمد (لأنه كان تحت العهد القديم) فلماذا يقول يسوع لنيقوديموس (الذي كان تحت العهد القديم) أنه يجب أن يتعمد لينال الخلاص؟
إذا كان “الولادة من الماء والروح” لا يشير إلى المعمودية، فما المقصود بها؟ يوجد تفسيرين شائعين لهذه العبارة. الأول هو أن يسوع استخدم “الولادة من الماء” للإشارة إلى الولادة الجسدية (والماء يشير إلى السائل الأمينوسي الذي يحيط بالجنين في الرحم) وأن الولادة من الروح تشير إلى الميلاد الروحي.

وفي حين أن هذا تفسير معقول لعبارة “مولود من الماء” ويبدو متماشياً مع سؤال نيقوديموس عن كيف يولد الإنسان “وهو كبير في السن” إلا أنه ليس أفضل تفسير في إطار بيئة النص.

فلم يكن يسوع يتحدث عن الفرق بين الولادة الجسدية والولادة الروحية. بل كان يشرح لنيقوديموس أنه بحاجة أن “يولد من فوق” أو “يولد ثانية”.

إن التفسير الشائع لهذا النص والذي يتوافق بصورة عامة، ليس فقط مع بيئته بل مع الكتاب المقدس بصفة عامة هو الذي يقول بأن عبارة “مولود من الماء والروح” تصف جوانب مختلفة لنفس الولادة الروحية أي “الولادة الثانية” أو “الولادة من فوق”. فعندما قال يسوع لنيقوديموس أنه يجب أن يولد من “الماء والروح” لم يكن يقصد الماء بالمعنى الحرفي (أي المعمودية أو حتى السائل الأمينوسي في الرحم)، ولكنه كان يشير إلى الحاجة إلى التطهير أو التجديد الروحي.

عبر العهد القديم (مثل مزمور 51: 2، 7؛ حزقيال 36: 25) والعهد الجديد (يوحنا 13: 10؛ 15: 3؛ كورنثوس الثانية 6: 11؛ عبرانيين 10: 22) يستخدم الماء مجازياً للدلالة على التطهير الروحي أو التجديد الذي يعمله الروح القدس من خلال كلمة الله في لحظة الخلاص (أفسس 5: 26؛ تيطس 3: 5).
تصف دراسة باركلي للكتاب المقدس هذا المبدأ كالتالي: “توجد فكرتان هنا.

الماء هو رمز التطهير. عندما يمتلك الرب يسوع حياتنا، وعندما نحبه بكل قلوبنا، فإن خطايا الماضي تغفر وتنسى. الروح هو رمز القوة.

وعندما يمتلك المسيح حياتنا فهو لا يغفر وينسى الماضي فقط، فلو كان هذا هو كل الموضوع، فإننا بالتأكيد سوف نخرب حياتنا مرة أخرى؛ ولكن تدخل الحياة قوة جديدة تمكننا من أن نكون ما لا نستطيعه بأنفسنا وأن نفعل ما لا نستطيع فعله بقوتنا.

الماء والروح يرمزان إلى التطهير وإلى قوة المسيح التي تمحو الماضي وتعطي النصرة في المستقبل”.
لهذا فإن “الماء” المذكور في هذا المقطع ليس الماء بالمعنى الحرفي الملموس، بل هو “الماء الحي” الذي وعد به المسيح المرأة عند البئر في يوحنا 4: 10 وأيضاَ الجمهور في أورشليم في يوحنا 7: 37-39). إنه التطهير الداخلي والتجديد الذي ينتجه الروح القدس الذي يعطي حياة روحية للإنسان الميت بالخطايا (حزقيال 36: 25-27؛ تيطس 3: 5).

يؤكد يسوع على هذه الحقيقة في يوحنا 3: 7 عندما يقول أن الإنسان يجب أن يولد ثانية وأن جدة الحياة هذه يعطيها الروح القدس وحده (يوحنا 3: 8).
توجد عدة أسباب تساند صحة هذا التفسير لعبارة “يولد من الماء والروح”. أولاً، يجب أن نلاحظ أن الكلمة اليونانية التي تترجم “ثانية” تحتمل معنيين. أولها هو “مرة أخرى” والثاني “من فوق”. من الواضح أن نيقوديموس قد رجح المعنى الأول “مرة أخرى” ولهذا وجدها فكرة غير مفهومة.

ولهذا لم يفهم كيف يمكن لرجل بالغ أن يدخل رحم أمه مرة أخرى ويولد ثانية بالجسد. لهذا يعيد يسوع ما قاله لنيقوديموس بطريقة مختلفة حتى يوضح له أنه يقصد أن “يولد من فوق”.

بكلمات أخرى، فإن كل من “يولد من فوق” و “يولد من الماء والروح” يعبران عن نفس الشيء.
ثانياً، من المهم أن نلاحظ أن التركيب اللغوي اليوناني لهذه العبارة يشير إلى أن “يولد من الماء” ويولد من الروح” هما شيء واحد وليسا شيئين منفصلين.

لهذا فإنه لا يتكلم عن ولادتين مختلفتين كما فهم نيقوديموس خطأ، بل هي ولادة واحدة وهي “الولادة من فوق” أو الولادة الروحية اللازمة لأي شخص لكي “يرى ملكوت الله”.

هذه الحاجة إلى “الولادة الثانية” أو الولادة الروحية مهمة جداً حتى أن يسوع يخبر نيقوديموس عن أهميتها ثلاث مرات في هذا المقطع الكتابي (يوحنا 3: 3، 5، 7).
ثالثاً، يستخدم الماء مجازياً أحياناً في الكتاب المقدس للإشارة إلى عمل الروح القدس في تقديس المؤمن، حيث يطهر الله وينقي قلب المؤمن ونفسه.

وفي مواضع كثيرة في العهد القديم والعهد الجديد يشبه عمل الروح القدس بالماء (إشعياء 44: 3؛ يوحنا 7: 38-39).
ينتهر يسوع نيقوديموس في يوحنا 3: 10 قائلاً: ” أَنْتَ مُعَلِّمُ إِسْرَائِيلَ وَلَسْتَ تَعْلَمُ هَذَا!” هذا يشير إلى أن ما قاله له يسوع للتو كان أمراً يفترض أن نيقوديموس يعرفه ويفهمه من العهد القديم.

فما الذي كان يجب أن يعرفه نيقوديموس كمعلم من معلمي العهد القديم؟ كان يجب أن يعرف أن الله قد وعد في العهد القديم بوقت آت يقول الله أنه فيه: “أَرُشُّ عَلَيْكُمْ مَاءً طَاهِراً فَتُطَهَّرُونَ. مِنْ كُلِّ نَجَاسَتِكُمْ وَمِنْ كُلِّ أَصْنَامِكُمْ أُطَهِّرُكُمْ. وَأُعْطِيكُمْ قَلْباً جَدِيداً, وَأَجْعَلُ رُوحاً جَدِيدَةً فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِكُمْ وَأُعْطِيكُمْ قَلْبَ لَحْمٍ. وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا” (حزقيال 36: 25-27). لقد إنتهر يسوع نيقوديموس لأنه فشل في أن يتذكر ويفهم إحدى مقاطع العهد القديم المهمة التي تتكلم عن العهد الجديد (إرميا 31: 33).

فكان يجب أن يتوقع نيقوديموس هذا. فلماذا إذاً ينتهر يسوع نيقوديموس لعدم فهمه المعمودية، مع الأخذ في الإعتبار أن المعمودية غير مذكورة في العهد القديم على الإطلاق؟
في حين لا يعلمنا هذا المقطع أن المعمودية ضرورية للخلاص، إلا لأننا يجب أن ننتبه ألا نغفل أهمية المعمودية. المعمودية هي علامة أو رمز لما يحدث عندما يولد الإنسان ثانية.

ولا يجب التقليل من أهمية المعمودية ، ولكن المعمودية في حد ذاتها لا تخلصنا.

ما يخلصنا هو عمل الروح القدس المطهر عندما نولد ثانية ونتجدد بواسطته (تيطس 3: 5).”لأنك إن إعترفت بفمك بالرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت” (رومية 10:9)”لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد” (أفسس 8:2-9).
مجده نجيب فهمى

شاهد أيضاً

العلاقة بين العلم والدين فرنسيس كولينز يقبل المسيح كمخلص

نسيم مجلى  هذا عالم فيزياء يترأس مشروع الجينوم البشرى، ويبدو أن إعلانه الإيمان بالمسيح قد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.