كيان غامض يأوى الى مكامن النفس حبيس،، يظهر فى عدة صور للتنفيس،، قد يسرى فى الاوصال و يجعل القلب مبتئس تعيس،، او يفترس العقل بكل المقاييس،، و احيانا يدفع لايذاء النفس و خرق النواميس،، ظواهر معتادة قبل ان يوضع للطب النفسى حجر التأسيس، او قبل ان تتناولها الدراسات كمواد للتدريس،،اضطرابات قدمها بقدم الانسان امرها خفى و دسيس،، حضارات صبغت عليها هالة من التقديس،، و اخرى رأتها انها مس من الجان و مدعابات من ابليس،، و بين هذا و ذاك تنوعت سبل العلاج و التخليص،، و تفردت الحضارة الفرعونية فى فهم هذة الظواهر حتى الكواليس،، فلجأوا الى العلاج بالنوم والاسترخاء و الاعشاب التى هى كنز الطبيعة النفيس،، و حضارات عالجت المرض النفسى بالعنف و الجلد و اقامة المتاريس،، و البعض رشح عزل المريض و ابقائه حبيس ،، و هكذا تأرجحت العلاجات النفسية فى سحيق العصور قبل ان تدق النواقيس،، التى لبزوخ فجر الطب النفسى الذى جذب العقول حوله كمغناطيس، واليوم نجوب بأطلالة سريعة حول العلاجات النفسية فى الحضارات القديمة
عرفت الامراض النفسية منذ القديم فى مختلف الحضارات,, و كانت لكل حضارة سماتها المميزة فى التعامل مع المرض و طرق علاجه .. فكل حضارة وضعت اضافتها المميزة لفهم المرض النفسى بشكل اعمق و هكذا شيئا فشيئا تطورالطب نفسى الى ان اصبح فى صورته المتقدمة التى به عليها الان
فمن اول الحضارات التى صوبت الانظار نحو المرض النفسى هى الحضارة الفرعونية
و من اهم الاساليب العلاجية التى اتبعوها معبد النوم او الكمون للعلاج بالنوم و الذى شيد على شرفة جزيرة فيلة لضمان تهدئة الاعصاب الاسترخاء المطلوبان لعلاج المرض النفسى ,, و استخدموا ايضا العلاج بالاعشاب و نبات الافيون ,, و بالعمليات الايحائية التى يقوم بها المعالجون المقدسون و رجال الكهنوت,,
و اهتمت ايضا الحضارات الاشورية و البابلية و الصينية و الهندية القديمة بالعلاجات النفسية و لكن بدرجة اقل من الحضارة الفرعونية
ثم اخد الاغريق عن القدماء المصريين اتجاه اهتمامهم بالمرضى العقليين و النفسيين و اول اشاره الى ذلك كانت كتاب الجمهورية لافلاطون … حيث نصح عدم تجوال المريض العقلى بمفرده فى طرقات المدينة بل يقوم برعايه احد اقاربه قدر الامكان و يدفعون غرامه اذا قصروا فى هذا
و فى عهد ابوقراط تم تخصيص معبد معين للمرضى العقليين حيث تقام الابتهالات و تقدم القرابين… تم علاجهم بناتات معروفه بمفعولها الاسهالى الشديد باعتقادهم بأن ذلك يخرج المرض النفسى من دواخلهم و فى بعض الحالات يوصف لهم التعازيم و الطقوس التطهيرية
و اتبعت الحضارة الاغريقية اتجاهيين متابينين فى العلاج فمن ناحية كانوا يستخدمون التجويع و التقييد بالاغلال و الجلد بزعم انك ذلك يرجع المريض لصوابه
و من جانب اخر استخدموا الموسيقى و الرياضة و القراءة بصوت عالى,, سماع هدير الماء ,, الاستحمام و التعذية و الوسائل الترفيه و التعرض للضوء
و فى العصور الوسطى سادت الخرافات فلجئوا الى السحر و التعامل السيئ مع المرضى كالتقييد لعشرات السنوات و التعذيب فى الغلايات ,, و الدوران السريع و تعتبر الحقبة المظلمة فى تاريخ العلاج النفسى
و فى العصر الاسلامى كان لابو بكر الرازى …و كتابيه “المنصورى” و “الحاوى” دور كبير فى العلاج النفسى و كذلك ابن سينا و كتابه القانون و تم تشييد اول مستشفى عقلى فى بغداد 705م وبعدها مستشفى قلاوون و التى تعد نموذجا مثيرا فى الرعاية اللائقة بالمرضى النفسيين و استخدموا فى العلاج …قراءة القرآن و الحجاب و الورقة و الحرز و الحافظ,, البخور و التطهر….الخ
من ظلمات المأحج الى اشراقات الوديان هكذا كان المسار الذى اتخذه العلاج النفسى الى ان اصبح فى حلته البهية التى يبدو عليها اليوم و ان كان ينقصها بعض الحلى التى تبرز بهاؤها و التى هى الوعى العام بطبيعة المرض و العلاج النفسى و تقبل ذلك دون النظر اليه بأنه امر حرج او شائن
اخصائية نفسية
أ. ماريا ميشيل