الأحد , ديسمبر 22 2024
عبداللطيف مشرف

ولكم فى التاريخ عبرة أيها العرب البائس أمرهم .

بقلم : عبداللطيف مشرف

يظن البعض التاريخ ليس له صفة العلم والمنهج، وإنما هو عبارة عن قصص وحكايات تروى وليس لها من الواقع شىء، ولكن كان مصير هؤلاء الضياع والتيه بين ظنونهم، ولو أنهم علموا أن التاريخ يشبه المواد الكيميائية فى تأثيرها على الأمم والشعوب، لـ انصلح حال هؤلاء، حيث أنه من الممكن أن يصبح مادة لضياع الشعوب وجهلها كالنووى، وإما أن يصبح علاج لضعف وعى الشعوب وصلاح أمرها كالعلاج الكيماوى لأمراض خطيرة كالسرطان

فالتاريخ هو الوعى وصناعته هى بداية نهضة كبيرة لا حد لها، وغرس قيم، وإبراز قدوات صالحة، وبناء سلوك وإنتماء.

فالتاريخ كمفهوم هو عبارة عن سرد أحداث وأعمال الإنسان فى الماضى وإنجازته، وذلك من أجل تفسير الحاضر والتنبوأ بالمستقبل، ولعل أصدق قول ما قاله ابن خلدون فى مقدمته لتعريف علم التاريخ

” ظاهره لا يزيد عن أخبار الأيام والدول ، و السوابق من القرون الأُول تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال ،

وتطرف فيها الأندية إذا غصَّها الإحتفال، وتؤدي شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال.

وفى باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومباديها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير أن يعد في علومها و خليق .

يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم و سياستهم.

التاريخ هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل ، ويكتمل بقول الأمام أبو حنيفه عنه :

من قرأ التاريخ زاد عقله وزاد عمرا على عمره” .

ولكن إذا تناست الأمم تاريخها ضاعت ، ودائما يكتب التاريخ ويزوره من هو الأقوى، وهنا نستشهد في أول جملة من كتاب «مختصر دراسة التاريخ»، يقول المؤرخ جون آرنولد توينبي: «يميل المؤرخون في العادة إلى تبني آراء الجماعات التي يعيشون في محيطها ويكدحون، أكثر مما يميلون إلى تصحيح الآراء».

وهكذا فكلنا حزبى ومنحاز، وقد يكون أقلنا انحيازاً من انتبه إلى أنه منحاز بالطبع.

وهذه الحقيقة الصادمة هى من أثقل الأمور التي لا يعترف بها أحد في العادة، وربما تكون القدرة على المراجعة والنقد الذاتي من أهم مؤشرات النضج في المجتمعات، وخروج أناس ملهمين.

فمن هنا سارع الغرب فى تزوير التاريخ للمسلمين، والعمل على تعطليهم حتى لا يعوا، وبدأوا هم فى مرحلة كتابة تاريخ على أهوائهم، وبما يفيد أغراضهم الإستعماريه، لأنهم يعلمون، أن أمة إقرأ لا تقرأ وإذا قرأت لا تفهم، وإذا فهمت لا تعمل بما فهمت، هكذا قال موشيه ديان لسيدته ورئيسته العجوز جولد مائير، عندما تم ضرب مصر فى نكسة 1967م، بنفس خطة العدوان الثلاثى على مصر 1956م، “هكذا يكون حال الأمة والشعب الذى لا يعتبر من التاريخ، فيكون من نصيبه الخيبة والهزيمة وغيره العلو والنصر”

ومن هنا عمل الغرب على تزوير التاريخ، ولعل أصدق القول ما قاله أحد وزراء خارجية أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية كورديل هل ” قال ” سنعمل على تغيير تاريخ العرب ولغتهم، حتى يتغير معهم الوعى والفكر، وتضاع قوة حماستهم بتاريخهم، فمن هنا نعمل على خلق جيل يكره تاريخه، ويفتخر بلغتنا، ويصبح جيل تحت امرتنا” فصدق القول، وبرهنه عمل هذه الأجيال حاليا، وحكامه على هذه المقولة ، فالجميع خضع والجميع تناسى تاريخه.

ولنا فى تاريخنا الإسلامى عبر، وودنا أن نعيدها، ونذكر به، حتى نعيد همتنا، ونحارب الفكر بالفكر ونصحح التاريخ واللغة، حتى يخرج جيل يعتز بتاريخه لا يكرهه وبلغته لا بلغة الغرب، أنشأ النبى ﷺ دولته من قلب صحراء قاحلة لا يعرف أهلها غير التجارة ورعى الأغنام ، ومعه ثلاثون رجلا.

وبدأ بتعليمهم، وأنشأ أول مدرسة لهم وهى ” دار الأرقم ابن أبى الأرقم” فى شمال مكة، ومن ثم المدينة، ومن ثم مات، ولكنه ربى جيل قادر على أن يهدم الجبال، فنجح هذا الجيل بإنشاء دولة، تصل حدودها من الصين شرقا إلى الأطلسى غربا، فأصبح الثراء نصيبها، والعلم والمعرفة تاجها، والعدل سورها المتين، وكتبت تاريخ يدرسه الغرب قبل الشرق، وانحنى ملوكها أمام أبناء الخلافة

ولنا فى ملك الصين عبرة، عندما انحنى وطلب الصلح من فاتح السند محمد ابن القاسم صاحب العشرين عام ، ولنا فى أسامة ابن زيد صاحب السبعه عشر عاما عبرة حين حارب أقوى إمبرطورية عرفها التاريخ، ولنا فى الغاققى الشاب العشرينى الذى فتح جنوب أوروبا وفرنسا، وكان على بعد 30 كيلو من عاصمة أوروبا آنذاك “باريس” 

ولكن اجتمعت أوروبا بكنيستها وملوكها، من أجل وقف زحف هذا الفتى ونشر الدين الإسلامى، ورفض بعزة الغافقى الإنسحاب أمام هذا الجمع الغفير ، ومات على أعتاب باريس فى معركة بلاط الشهداء ” 732م” المعركة الفاصلة فى التاريخ، ولو نجح المسلمون فيها لأصبحت أوروبا مسلمة بأكملها، ولنا فى الفاتح وصلاح الدين والمنصور ابن عبدالحكم وعبدالرحمن الداخل عبره، فهم من ذلوا الغرب، وفتحوا أحصن أماكنهم، وهزموهم فى عقر دارهم

عندما تطاول على أمتهم، ففتح الفاتح القسطنطينيه وهو ابن العشرين، وصلاح الدين القدس ، وحكم الداخل وهو ابن العشرين الأندلس وجعلها قلعة العلم والحضارة، هذا هو التاريخ الإسلامى، لذلك عملوا على تشوية صورته فى كتبهم وإعلامهم، لأنهم يعرفون، أن هذه الأمة تمرض ولكنها لا تموت

كما يعرفون كيف كان شبابها قبل أكابرها ، لذلك ضيعوا التاريخ وشوهوا أحداثه حتى وصل بنا الحال! أننا لا نعرف عنه شىء كبيرنا قبل صغيرنا، ونجحوا فى استعمارنا عسكريا وفكريا.

ومن ثم نجحوا فى ضرب هذه الأمة بكبرائها بعد أن كان شبابها، سيف حد على رقابهم، ودليل ذلك الواقع الذى أعيشه الأن وكلنا العرب والمسلمين يعيشوه ، حيث أمة وصفها الفقر والجهل رغم ما تملك، وجعلوا بينها الفرقة والإنقسام، رغم أن ربها جعلها أمة واحدة، ورغم أن لديهم منهج جعلهم أعزاء بعد أن كانوا أذلاء يرعون الإبل والشياه، فامتلكوا بهذا المنهج قصور كسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم، ولكن أبدلوا ذلك بـ منهج الشيوعية والليبرالية والرأسمالية، أمة علمت الدنيا كلها العلم وجامعات الأندلس وملوك أوروبا تشهد، فصارت أمه ضحك من جهلها الأمم .

ولإسقاط التاريخ على ما يحدث الأن بين العرب، من عداء و كره وإسقاط بعضهم لبعض، ليس لرد طرف عن ظلمه وإعادته للصف ، إنما لحساب الغرب والإعتراف بالولاء لهم، ويذكرنى ذلك بدور العرب فى أحداث الحرب العالمية الأولى، عندما أعلنت الخلافة العثمانية، بإعلان الجهاد المقدس ضد الغرب، وعود الأراضى التى إحتلها الغرب من

المسلمين وفرض سيطرته عليها، فسارعت بريطانيا، لصد هذه الفكرة حيث كانت تحكم أكثر من 5 ملايين من المسلمين، فجاءت بمركز قيادة العالم الإسلامى وهى مكة وكان يحكمها الشريف حسين، فأوهمته أنها ستساعده بأن يصبح ملك العرب وليس الحجاز فقط، فبدأ هو الأخر وفرح وبدأ بمراسلات الشريف مكماهون ليعلن تأييده لهم

ومحاربة الدولة العثمانية والوقوف بجانب دول الحلفاء، وحارب معهم بأخلاص، وأعلن الثورة العربية الكبرى 1916م، ضد الدولة العثمانية، وعندما كان يحارب فى صفوفهم

كانت فرنسا وبريطانيا تقسم الدول العربية سرا على يد وزراء خارجيتهم “سايكس بيكو“، وهم فى حرب لا جمل ولا ناقة لهم فيها، فبعد انتصار الحلفاء بفضل الشريف والعرب، سقطت الخلافة العثمانية، وسقط الشريف حسين، وخانوه، بل قتلوه، واحتلوا، الأرض، فضاع العرب وضاعت الخلافة الإسلامية، بأيديهم

وقسمت الدول العربية وضاعت فلسطين وضاعوا هم قبل كل هذا، وذلك لضعف قرآتهم التاريخية

وبفضل مباركتهم ووقوفهم فى صفوف الغرب، فكأن التاريخ يعيد نفسه، بل وزاد الطين بلة

أنهم يسقطوا أنفسهم بأيديهم وبأموالهم، فهل من حاكم عربى قارىء جيد للتاريخ ويعتبر، ويجمع صفوف الأمة.

أما كان هرتزل صادق فى قوله، عندما قال ستقام إسرائيل فى فلسطين رغم أنف السلطان العثمانى والعرب، بل وسيأتى اليوم الذى تولى فيه إسرائيل سفهاء العرب الحكم حتى يستقبل جيش الدفاع الإسرائيلى بالورود، هل هو هذا الزمن الذى نعيشه؟ أما ماذا؟ .

ومن هنا يمكن القول : ولكم فى التاريخ عبرة أيها العرب البائس حالهم حتى تنصلح أموركم فخذوا هذا الكلام

ومن دروس التاريخ موعظة:

على كل العرب إذا أرادوا العزة والأمان لأنفسهم ولشعوبهم، أن ينسحبوا بسرعة من مشهد السياسة العالمى .

لأن ما يحدث أكبر من فكركم وإمكانياتكم السياسيه.

فعيشوا فى عزلتكم السياسيه واتحدوا مع بعضكم البعض لأنهم أردوا أن تنهوا على بعضكم.

وتنفذ خزائن أموالكم على صراعات بينكم لا أصل لها ولا قيمة.

وبعد أن تصبحوا ضحية جهلكم وعصبيتكم. تأتى القوى السياسية لتسيطر عليكم ويتم سايكس بيكو جديد ليس بيد إنجلترا وفرنسا وإنما بيد صناع جدد ” روسيا وأمريكا “.

وسينالوا منكم بدون أى مقاومة ولا أموال تدفع من خزائنهم هكذا الذكاء السياسى، بل بأموالكم وأيديكم

لأن الفقر سيضرب الشعوب بدل الغنى ولكم فى التاريخ عبرة فالشريف حسين والدولة العثمانية. ليسوا ببعيد.

انتهت الحرب العالمية الأولى على أكتافهم وماتوا ودمرت أراضى المسلمين بسبب تفرقهم ومحاربتهم بعضهم البعض لصالح غيرهم.

وكانت النتيجة سقوط الطرفين وتقسيم أراضى العرب على يد من حاربوا من أجلهم وضياع فلسطين

وكأن أرى التاريخ يعيد نفسه، وللأسف العرب لا يتعلمون.

شاهد أيضاً

المغرب

مهرجان الفوضى الخلاقة ؟

نجيب طـلال كــواليس الفـوضى : ما أشرنا إليه سلفا حول المهرجان الوطني للمسرح (؟)(1) اعتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.