الأحد , ديسمبر 22 2024
الكنيسة القبطية
مجده نجيب فهمى

المسيح “كلمة الحياة “

رسالة إلى جميع الأمم والكل وأولهم من يدعون أنهم رجال الله؟؟

“الجميع زاغوا وفاسدو والكل أعوزهم مجدلله”..!

نتكلَّم عن موضوع هام جداً، ويُعتَبَر من أخطر المواضيع التي تُقابِل الإنسان الروحي في جهاده الروحي، وهو

موضوع: ”العين البسيطة“.

هذا الموضوع هو معيارٌ مسيحيٌّ من الدرجة الأولى، وهو يُعتَبَر امتيازاً عالياً للإنسان الروحي ولذلك فهو يهمُّنا للغاية.

في إنجيل القديس متى يُزيد الموضوع توضيحاً، إذ يقول قبل آية العين البسيطة:

«لأنه حيث يكون كن‍زُك هناك يكون قلبُكَ أيضاً» (مت 6: 21)، ثم يُكمِل ويقول: «سراجُ الجسد هو العين، فإنْ كانت عينُك بسيطة فجسدُك كلُّه يكون نَيِّراً.

وإن كانت عينُك شريرة فجسدك كلُّه يكون مُظْلِماً» (مت 6: 23،22).

وفي الحقيقة، إذا أخذنا هذا التشبيه الذي ذَكَرَه الرب يسوع عن العين، كما أَخَذَه كثيرٌ جداً من الشُّرَّاح

على أنه يعني ”العين الجسدية“، يكون الموضوع خارج السياق الذي قصده الرب يسوع.

ولكن سوف نرى في شرحنا ما الذي يقصده الرب من كلمة: ”عينك“.

فإذا انحصرنا في نطاق الجسد، فما هو القصد من العين الجسدية البسيطة؟

وما هو معنى العين الجسدية الشريرة؟ فإنَّ الشر، ليس هو من الخارج، وإنما يصدر من الداخل!

ومن هذا المنطلق يتضح أنَّ المسيح كان يقصد ”العين الروحية“.

ومن هنا نبتدئ نفهم بداية شرح الآية.

فالعين البسيطة، هي العين الروحية التي انفتحت على المسيح وعلى الحياة الأبدية.

أما العين الشريرة، فهي عين روحية أيضاً، ولكنها انفتحت على الشرِّ.

لأن العين الروحية عموماً هي من مُسلَّمات وهبات الله، وبها تُدرِك الطبيعةُ البشرية الحقَّ؛ وهي إما تنفتح على المسيح

أو تنفتح على الخطيـة، وعلى ضوء ذلك تـأتي مُحاسبة الرب للإنسان. فـإذا انفتحت العين الروحيـة

على الخطيـة والشر، أَظْلَمَتْ؛ وإذا انفتحت على المسيح، استنارتْ. وهذا الكلام واضحٌ جداً.

أولاً فإنَّ نـور المسيح يُنير الفكر والضمير والعواطف والمشاعر والقلب، ثم بعد ذلك بالضرورة يُنير الجسد كله

لـذلك إذا دخـل النور الإلهي إلى داخـل الإنسان، فإنـه ليس فقط يُنير أعماق الإنسان، بـل وتَستنير بـه أعضاء الجسد أيضاً.

فهذا النور الروحي، نور المسيح الفائق الفعالية، إذا دخل الإنسان، عـن صحةٍ؛ يستقرُّ في الجسد أيضاً، ويُنيره،

ويُميت الخطية الكائنـة في الأعضاء. وكـذلك يُطهِّر الفكر والقلب والضمير مـن الأعمال الميتـة. هـذا هو مفهوم العين الروحية البسيطة.

التأمُّل في الله:

إذا كانت العين الروحية سليمة ليس بها أي مرض، فسيتطلَّع الإنسان إلى ما هو فوق. فطالما

كانت العين الروحية صحيحة ومستقيمة وليس فيها تعتيم، فإن النور الإلهي يدخلها وينفذ فيها ويُنيرها، فيكون نظرها دائماً إلى ما هو فوق: «بنورك، يا رب، نُعاين النور» (مز 36: 9).

فالنور الإلهي إذا دخل إلى أعماق الإنسان، سينعكس على كل ما هو ظاهر أو خارج، فيحدث ما يُسمِّيه المتصوِّفون:

”التحديق“، وما يُطلِق عليه الروحيون: ”التأمُّل“، أو ما يُطلَق عليه ”التحديق في النور الإلهي“.

أي التحديق في ”الحق“، أي في ”طبيعة المسيح“. فالإنسان الذي دخله شعاع النور، من خلال العين الروحية، يستطيع أن ينفُذ هو أيضاً – من خلال العين الروحية السليمة – لينظر ويتأمَّل في الله.

وكلما تأمَّلنا في الله، كلما انسكب فينا النور بصورةٍ أقوى. فهنا التحديق في نور الله، في الحق الإلهي، في شخص يسوع المسيح؛ يُزيد العين جلاءً، ويُزيد أعماق الإنسان استنارةً.

الذين يتأمَّلون في الروحانيات، إذا كنتم قد جرَّبتم هذا، فإنه يحدث لهم في بداية الطريق صُراخ، لماذا ؟

لأن بمجرَّد أن يتأمَّل الإنسان في الحقِّ أو في النور أو في المسيح؛ ترتد العين الروحية. فالتحديق أو التأمُّل

في النور الإلهي، يستغرق ثوانٍ، ثم ترتد العين عن التحديق أو التأمُّل.

ولماذا يرتدُّ الإنسان، أو العين الروحية، عن الرؤيا أو التحديق؟ لأن العين ليست مستقيمة كما ينبغي، ولذلك فهي تحتاج إلى تطهير وتنقية.

ولذلك مداومة الإنسان على النُّسك والعبادة وقراءة االانجيل والاطِّلاع على الكتب الروحية ؛ يجعل العين الروحية صافية نقية.

وعندما يزداد تحديق العين الروحية في الحق الإلهي، وتزداد فترات التأمُّل في آية من الآيات، أو في صفة

من صفات الله؛ عندئذ يتركَّز الذهن مع القلب مع المشاعر مع الفكر، في الحق الإلهي، فيما هو فوق.

ويستمر هذا التحديق أو التأمُّل لفترةٍ من الفترات، يعود بعدها الإنسان بغنيمةٍ روحية، ولا يعود فارغاً أبداً.

فكلَّما تأمَّلنا أكثر، ودام تأمُّلنا في الحق الإلهي أكثر؛ كلما أَخَذَت العين الروحية قـوةً للتحديق في النور الإلهي، واقتنت صفاتٍ روحية جديدة.

وهل تتذكروا معى أقوال البابا شنودة …فى عظة الاربعاء ..
فى ذات مرة واحد بعت ليه سؤال ؟؟؟
قا له هذا الخادم….
أنا خادم الفلانى فى الكنيسة الفلانية والبنات ياسيدنا بتلبس لبس مش محتشم ولبس بيعثرنى.؟

رد البابا وقاله : وأنت رايح الخدمة تخدمهم ولا تبص على لبس البنات اية الى خلى فكرك وعينك تتبصص

على لبس البنات ….بناتنا محتشمات العيب فى عينك وقال له هذه الاية أن “سِراجُ الجسد هو العين.

فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كلُّهُ يكون نيّراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كلهُ يكون مظلماً.

فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون”

العين البسيطة تقود الجسد كله للسلوك في النور في المسيح يسوع كما شهد المسيح أيضاً عن نفسه “قائلاً أنا هو نور العالم. مَنْ يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون لهُ نور الحياة.”

جُلّ الأمر هو أن العين لا ترى شيئاً بدون النور.. فإذا وُجدت العين في ظلامٍ دامس لا ترى شيئاً حتى يضئ

لها نور فتتمكن من الرؤية. فإن كانت العين ترى بنور المسيح “المُشرَقُ من العَلاَءِ.” فهي عين بسيطة تقود الإنسان للسلوك في النور الحقيقي، نور المسيح.

أما إذا كانت ترى بنور آخر إنساني أو ذاتي أو شيطاني لأن الشيطان يحاول تقليد النور “ولا عجب.

لأن الشيطان نفسه يُغيّر شكلهُ إلى شبه ملاك نورٍ.”

فهذه هي عين شريرة تقود الإنسان للسلوك في الظلام “والذي يسير في الظلام لا يعلم إلى أين يذهب.”

إلى أن يجد الإنسان نفسه مطروحاً “إلى الظلمة الخارجيَّة. هناك يكون البُكاءُ وصرير الأسنان.”

لذلك يقول الكتاب عن الهالكين “الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئَلاَّ تضئَ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله.”

وهكذا يتضح لنا أن الطريق الوحيد للتمتع بالعين البسيطة هو أن تضئ لنا إنارة إنجيل مجد المسيح فيولد الإنسان من فوق ويستمتع ببساطة العين ونقاء القلب فيتم فيه المكتوب “طوبى للأَنقِياءِ القلب.

لأنهم يعاينون الله.” “لأن الله الذي قال أن يشرق نورٌ من ظلمةٍ هو الذي أشرق في قلوبنا لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح”

فسراج الجسد هو العين وبحسب المكتوب في سفر المزامير “سراجٌ لرجلي كلامك ونورٌُ لسبيلي.”

تكون العين البسيطة هي التي تنظر إلى الأمور بنور كلمة الله، فتراها كما يراها الله وتقيّمها كما يقيّمها الله.

فهذه هي “البساطة التي في المسيح.”

لذلك يقول الرسول بولس أيضاً للكورنثيين “لأن فخرنا هو هذا شهادة ضميرنا أننا في بساطةٍ وإِخلاص الله لا في حكمةٍٍ جسديَّة بل في نعمة الله تصرَّفنا في العالم ولا سيما من نحوكم.

” وبالعكس فالعين الشريرة هي التي تتصرف في العالم “بحكمة الناس” وليس في نعمة الله فهذه العين الشريرة

تمجد الإنسان ورغباته وشهواته، وتمجد “كلام الحكمة الإنسانية المقنع” وترى الأمور وتقيّمها إنسانياً أو مادياً في انفصال عن الله وحينئذٍ تقود العين الشريرة الجسد كله للسلوك في الظلام والابتعاد عن نور المسيح

ويصف الكتاب السالكين هذا السلوك بقوله “الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيَّات.”

كذلك حينما ظهر المسيح بعد القيامة للتلاميذ “وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود جاءَ يسوع ووقف في الوسط وقال لهم سلامٌ لكم.

ولمَّا قال هذا أَراهم يديهِ وجنبهُ.

ففرح التلاميذ إذ رأوا الربَّ.”

وهكذا فالعين البسيطة ترى المسيح فيفرح القلب ويبتهج.

فالنظرة البسيطة هنا هي النظرة الإيمانية التي ترى من لا يُرى الذي هو شخص المسيح، فيحيا الإنسان البار بالإيمان في هدوء وطمأنينة في كل ظروف الحياة.

وهكذا فالعين الشريرة لا تجلب إلا الخطية والعصيان والتمرد والظلام والهلاك للجسد كله…

العين البسيطة تقود الجسد كله للسلوك في النور في المسيح يسوع كما شهد المسيح أيضاً عن نفسه

“قائلاً أنا هو نور العالم. مَنْ يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون لهُ نور الحياة.”

من هنا يمكن القول إن العين البسيطة هي العين غير الشريرة، أو العين التي تخلو من الشر والنجاسة والخطية

فكلمة “شر” تحوي كل معاني السلبية، الذي مصدره خطية الإنسان، من حسد وغيرة وشهوة وما إلى ذلك، لذلك يوصينا الرب أن تكون عيوننا غير شريرة كي يكون جسدنا كله مستنيرا، وعندما يكون الجسد مستنيرا

سوف نرى الطريق الصحيحة التي نسلك فيها، التي ستؤدي بنا إلى الحياة الأبدية

هذه هي العين الشريرة، تلك التي لا تكتفي بما لها، بل تلتفت وتراقب الآخر “وتحرّق عليه أسنانها” كما يقول

صاحب المزمور: “الشرير يتفكّر ضد الصديق ويحرّق عليه أسنانه” (مزمور 37: 12)، تلك العين التي لا تفتأ

تراقب الناس وتقارن نفسها بهم، فإن رأت تلك العين أنها أفضل من المراقَب شمخت وافتخرت عليه، وإن رأت أنها

في حالة أسوأ ممن حولها تذمرت وحسدت وتحرّقت، ففي كلتا الحالتين لن تكون هذه العين قريرة، لأنها عين شريرة بغض النظر عن حالة صاحبها أو الآخرين.

فيالتعاسة صاحب العين الشريرة، الذي يقضي حياته في النظر إلى الآخرين، غير مكتفٍ أو راضٍ بما عنده أو بما هو

عليه ومقارنا نفسه بالآخر، فيقضي حياته “بالتذمر على رب البيت” بينما الحسد ينخر في عظامه شيئا فشيئا

والأسوأ من كل ذلك أنه لن يكون من “المُنتًخبين” بالرغم من دعوته بل وعمله في الحقل، وهكذا ختم الرب هذا المثل.

ليتنا نكون من أصحاب العين البسيطة أو الصالحة التي تحطّ أنظارها على رب البيت وعلى المخدومة في حقله، تلك

العين التي تحب الآخر بل وتقدّمه على نفسها، فسيؤول ذلك إلى استنارة الطريق أمام هؤلاء للتركيز في حقل السيد كي يأتي الكل لمجد رب البيت وامتداد ملكوته في كل الأرض.

أن نقول مع المرنم (( واحدة سألت من الرب وإياه ألتمس. أن أسكن في بيت الرب كل أيام حياتي لكي أنظر إلى جمال الرب))

سيطرة الشيطان الشريرة على عين النفس لأنها تحجب أمجاد الرب يسوع عنها.

وقد أوضح ذلك الرسول بولس في (2كورنثوس 4:4) بقوله (( إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله)).

حقاً إن هذا العدو يعمل بلا انقطاع في كثيرين من الناس لكن في الختام نتأمل في قول المسيح لتوما

“لأنك رأَيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا” وهنا نرى أن

المسيح يطوّب الإنسان الذي يعيش بالإيمان كأنه يرى من لا يُرى ويسلك مطمئنا مهما كانت الظروف ضيقة

ومعقدة لكنه واثق في صدق وأمانة الله متيقنٌ أن المسيح الذي قال “وها أنا معكم كل الأيَّام إلى انقضاءِ الدهر.

” إنما هو “الآمين الشاهد الأمين الصادق” وهو معنا كل حين وهكذا نختبر ما اختبره داود حينما قال “جعلتُ الربَّ أمامي في كل حين. لأنهُ عن يميني فلا أتزعزع.”

شاهد أيضاً

المغرب

مهرجان الفوضى الخلاقة ؟

نجيب طـلال كــواليس الفـوضى : ما أشرنا إليه سلفا حول المهرجان الوطني للمسرح (؟)(1) اعتقد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.