يعرف علماء علم النفس القلق بأنه: الحالة النفسية التي تصيب الإنسان، نتيجة لتجمع مجموعة من العناصر، وتؤدي إلى شعور هذا الإنسان بحالة من عدم الراحة النفسية وسيطرة الخوف والتوتر والتردد عليه. ومن أسبابه تعرض الإنسان للعديد من الضغوطات، كضغوطات العمل ومسؤوليات الحياة والتفكير في المستقبل، ومتطلّبات الحياة الحديثة التي أصبحت متزايدة وتشكل عبئاً على صاحبها.
وفي الآونة الأخيرة شاعت أنواع من القلق مواكبة لما نمر به من مطبات فبجوار قلق الاختبار وقلق مجالسة الغرباء أصبحنا نشاهد قلق الكمبيوتر وقلق التكنولوجيا…
إلا أن الإعلام وما رسبه في وجدان البعض أصبح لازما علي علماء النفس أن يبحثوا عما يسمي (قلق الوطنية) وهو نوع من القلق يسعي صاحبه إلي الهروب من كل ما يؤشر إلى أنه غير وطني، ويفعل أشياء قد تبدو بسيطة، ولكنها ترضي الرابضين على سياج الوطنية .
فإذا هزمت مرشحة مصر في سباق قيادة منظمة دولية، ولم تساير الإعلام لتحتفل معهم بالأداء المشرف، والهزيمة المقدسة، وتركب معهم موجة (كيد النساء) أصبحت غير وطني، ويساورك القلق فورا أن رداء الوطنية سوف ينزع عنك، وتلقي فورا علي مذبح اليونسكو .
وإذا انتصرت مصر علي غانا وذهبنا لكأس العالم ، واحتفلت مع المحتفلين، وقدت بحماس أوركسترا العازفين بالفتح المبين ودخول أبواب روسيا مظفرين، فإن لم تفعل ذلك جهارا ولم تسبح لمدة أسبوع بحمد الفائزين، وإن لم تؤخر كل المشكلات لشهور حرصا علي الفرحة المفقودة فأنت معرض لتمزيق (تيشرت) الوطنية عنك.
وعلي هذا المنوال حدث ولا رادع، وكأن صكوك الوطنية، وأختام محبة مصر أصبحت في أيدي الكثير ممن يسيئون إلي الوطن ليل نهار بأعمالهم الخارجة عن أعراف مجتمعنا المحافظ، أو أولئك الذين يتقاضون الملايين ويمكثون بالساعات على الهواء يدسون الأكاذيب ويضرون الوطن أكثر مما ينفعون، أما أولئك الصغار الذين نهبوا بعض المكاسب بداعي الوطنية فلا ينسون نصيبهم من صكوك الاعتماد يوزعونها كثيفة علي يقدم لهم سحت الحياة، ويتبارون لنزعها من الصادقين خشبة المزاحمة في متاع الدنيا الفاني.
الوطنية ليست بالكلمات، ولا بالشعارات، ولا بالبوستات، ولا باللكيات، ولا بالشير والتاج، وهي ربما كذلك، ولكن الوطنية وحب الوطن هواء نتنفسه حتي وإن علاه بعض الدخان فنجبر أجهزتنا الداخلية علي تنقيته. الوطنية وحب الوطن يا سادة دم نقي يجري في شرايين الحياة.
الوطنية وحب الوطن أمل في مستقبل نسعي ونعمل ونجتهد ونخصم من أرصدتنا من أجل أن يكون بين يدي أبنائنا زاهرا.
حب الوطن فطرة لا يصل إليها إلا من خصلت سريرته وسلمت نيته، ولم يتلوث بمغريات زائلة سرعان ما تنقلب جمرا في حلق المدعين.
الوطنية وحب الوطن أكبر وأعمق وأبقي من أن يوزع أو يقاس، ولا يعرفه إلا من بذل العرق مخلصا وصادقا ومتطوعا في سبيل نهضته، ولا يعرف ذلك حق المعرفة إلا من غادر وطنه وأشتاق إليه كاشتياقه للحياة ذاتها.
وأخيرا نسال الله الكريم أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط