هكذا قال السيد المسيح لتلاميذه عندما بدأت تحين ساعة الصلب والقيامه ليتركهم وسط شرور العالم مُتلقين التجارب و الاوجاع والضيقات التي كان يعلمها مسبقا وبالرغم من علمه بما سيتعرضون له من ضيق واضطهاد ورجم وقطع رؤوس لكنه في نهايه الحديث طمئنهم بقوله (ولكن ثقوا انا قد غلبت العالم) فكل من يؤمن بالمسيح فاديا يعلم ان وراء كل ألم يد الله تعمل
وبعد كل تجربه هناك خير وبعد كل صليب هناك قيامه وصعود وانتصار. فلم يكن الاضطهاد جديدا علي المسيحيين في العموم فقد كان السيد المسيح اول المضطهدين وكان هو اول ذبيحه للفداء وكان اسطفانوس اول الشهداء مما شهدوا للمسيح
ولم يكن ما يتعرض له الاقباط في مصر من اضطهاد ومنع وهدم وحرق واغلاق للكنائس وليد اليوم فقد كان الاضطهاد من وقت الامبراطوريه الرومانيه والتي اضطهدت الأقباط من نهايه القرن الاول حتي بدايه القرن الرابع إلي ان اعتنق الامبراطور قسطنطين المسيحيه واصدر مرسوما بأن الديانه المسيحيه هي الديانه الرسميه والمعروف تاريخيا باسم (مرسوم ميلانو عام 313)
وعاش الأقباط بضع سنوات قليله في حاله من الهدوء التام وحريه العقيده والعباده وسرعان ما تبددت الاحوال وتغيرت ورجع الاضطهاد يلوح في الافق من جديد بشكل اقوي واعنف بعد حاله من الاستقرار التي كانت وقت حكم قسطنطين فقد واجه الأقباط موجات من الاستشهاد بسبب اختلاف الملل
إلي ان دخل العرب مصر وقد قاموا بحرق كنيسه مارمرقس بالاسكندريه بعد نهب كل ما فيها وسرقه جسد القديس مارمرقس ظنا منهم ان بداخل الامبوبه كنزا من الذهب والفضه فلم يجدوا غير جثمان القديس ورأسه المنفصله عن جسده فقاموا بإلقاء جثمان القديس ورأسه بوسط الطريق و نشير هنا الي العرب كعرق , وإبان دخول الحمله الفرنسيه إلي مصر عام 1798 فقد تجمع بعض الغوغاء والتجمهر داخل الأزهر وقد قرروا ذبح اعداد كبيره من الاقباط خوفا من انضمامهم وتحالفهم مع جيش الحمله كونهم صليبيين ولكن تدخل بعض العقلاء ورفض هذه المذبحه التي ستحول شوارع المحروسه الي بحور من الدم .
ففي كل عصر نجد مجموعه من الوشاه والغوغاء المقربين للسلطه والذين يدبرون المكائد وينصبون الفخاخ للاقباط , ولم تكن هذه المكائد والادعاءات جديده علي الاقباط فقد كان هناك العديد من الوشايات والادعاءات الكاذبه والباطله ضد الاقباط
واثناء حكم صلاح الدين الايوبي زعم احد المدعين أن الاقباط سينضمون الي الجيوش الصليبه للاستيلاء علي القدس وبعدها قام الصليبيون باشعال النيران في منازل ومحلات الاقباط بالفسطاط لمده 40 يوم الي أن التهمت النيران الاخضر واليابس مما يملكه الاقباط, وبعد وقوفهم الي جانبه وانتصاره في الحرب
تأكد من ولاء الاقباط ووطنيتهم فأهداهم دير السلطان بالقدس, فضلا عن وشايه يعقوب بن كلس الذي وسوس للخليفه المعز لدين الله الفاطمي قبيل معجزه نقل الجبل المقطم أو المقطع عام 975 م, وفي عام 1919 واثناء قيام ثوره الشعب بمسيحييه ومسلميه ضد الانجليز وعندما خرج القمص سرجيوس سرجيوس مؤسس ورئيس تحرير مجله المنارة المصرية والملقب بخطيب الثورة او خطيب المنبرين أو عبدالله النديم ثائرا صارخا ضد الاستعمار الانجليزي صائحا بعبارته الشهيره (يحيا الهلال مع الصليب)
وهذه العبارة وان دلت تدل علي انه كانت هناك فتن طائفيه ولم تكن الامور علي ما يرام بالنسبه للاقباط في مصر فكانت هناك بعض المناوشات التي لم ترتق الي حد الاضطهاد الممنهج والحاصل حاليا وبهذه الجمله كان يُذكر المصريين ان مصر محتله ولابد من التلاحم والتكاتف ضد الاستعمار
فكان بين الحين والآخر تخرج بعض الاكاذيب بأن الاقباط داعمين للانجليز!! فبرغم كل هذه الادعاءات لم يبال القبطي الثائر بما يشاع عنهم وخرج القمص سرجيوس علي الانجليز ليضرب لهم اروع الامثله في الوطنيه ثائرا لم يعبأ بمنصب ولم يخف من الملك ولا من سلطه المحتل وعاش حاملا رأسه علي كفيه ووقف ضد الاحتلال في مصر والسودان وخطب علي منبر الازهر وفي مسجد ابن طولون وذهب الي السودان وأسس مجلته المناره المصريه بالخرطوم عام 1912 والتي اثارت غضب الانجليز لأنها كانت تهدف لاستثاره الشعب وتوحيد المسلمين
والمسيحيين في مصر والسودان ضد الاستعمار ولكن غضب عليه الانجليز وامروا بعودته الي مصر خلال 24 ساعه وقال جملته الشهيره للمندوب السامي
( إنني سواء كنت في السودان او في مصر لن اكف عن النضال وإثاره الشعب ضدكم الي ان تتحرر بلادي من وجودكم ) وبعد كل هذا لم يشفع له نضاله ووطنيته والتي لم ينكرهما عليه غير حاقد ناكر للجميل فقد كان هو الوقود والمحرك والداعم لثوره 1919 وكما هي طبيعه الحال للأقباط تأتي الرياح ب
ما لا تشتهي السفن وبعد مرور خمس سنوات من كفاح القمص سرجيوس ووقوفه ضد الانجليز في مصر والسودان فقد سولت له نفسه وتصور أن تاريخه النضالي سوف يحسب له وقرر ان يبني كنيسه عام 1924 في وطنه الذي دافع عنها داخليا وخارجيا ولم يجبن يوما لم يتوقف عن التنديد ضد الاحتلال وبعد ان انتهت الثورة وجد نفسه محاصر امنيا تلاحقه الدعاوي القضائيه تتهمه بإقامه الصلوات والاجتماعات في مكان غير مخصص للعباده!
ما اشبه اليوم بالبارحه وكأن الزمان هو والعقول والافكار مازالت لم تتغيير فيها غير الاسماء! ولم تتغير عقليه وخطط وادعاءات وزعم الاجهزه الامنيه ولم تجدد ولا الاسباب التي تمنع الصلاه وتغلق الكنائس!
واصدرت محكمه النقض حكمها في نهايه نفس العام علي انه (من حق المواطنين عقد اجتماعات في اي مكان شائوا لإلقاء الوعظات الدينيه واقامه الصلوات دون الحصول علي إذن من اي جهه رسميه, ودون الحاجه الي إخطار)
وفي عام 1950 استصدرت وزاره الداخليه امرا إداريا بإيقاف الشعائر الدينيه بكنيسه القصاصين بالاسماعيليه ومنع العظات الاسبوعيه تمهيدا لاستصدار مرسوم ملكي بايقاف ممارسه الشعائر الدينيه بها !
ففي القضيه رقم 538 لسنه 5 قضائيه والمقامه من الاستاذ/ حنا سليمان جرجس , اصدر مجلس الدوله برئاسه الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا (ابو القوانين) حكما تاريخيا في ديسمبر 1952 بإلغاء الامرالاداري الصادر من وزاره الداخليه عام 1950 بإيقاف الشعائر الدينيه بكنيسه القصاصين بالاسماعيليه حكمت بجواز إقامه الشعائر الدينيه في اي مكان يخصص لذلك الغرض ولا يحق لوزاره الداخليه منع الصلاة
ولا يدخل في اختصاصها اصدار قرارات بتعطيل او منع الشعائر لمنافاه ذلك للحريه الفرديه ولحريه العقيده وحرية العبادة وهذه الامور كلها كفلها الدستور وليس في القوانين واللوائح ما يمنع حريه الاجتماعات لممارسه الطقوس الدينيه وشئون العباده في مكان مملوك للاقباط تحت اي مسمي وان الدستور يحمي الحريات ما دامت لا تخل بالنظام العام ولا تنافي الاداب .
وفي عام 1954 قامت وزاره الداخليه بإغلاق كنيسة زعمت انها سكن للكاهن ولا يجوز ممارسه الشعائر الدينيه بالمنازل فضلا عن ارتفاع اصوات المجتمعين تقلق راحه جيرانهم!
وفي نفس العام حكمت محكمه سمالوط الوطنيه بجواز اقامه الشعائر الدينيه من صلاه ووعظ وتعليم وارشاد وتلاوه الترانيم بمحل سكن القس (أي منزله) حتي لو ارتفعت اصوات المجتمعين به واضافت الي حكمها ان الكثيرين اعتادوا تلاوه القرآن الكريم بصوت مسموع وإلقاء الشعائر الدينيه بين جماعه من الناس دون اعتراض من احد .
وفي عام 1958 تم الاعتداء علي احد منازل الأقباط بزعم تحويله إلي كنيسة (كما يحدث الآن) وبعد عده ايام قررت النيابه العامه بأنه لا مانع من عقد الاجتماعات الدينيه وممارسه الشعائر الدينيه بمنزل دون الحاجه الي ترخيص مادامت في حدود القانون ولا تخالف الآداب العامه .
وفي اوائل عام 1964 قامت وزاره الداخليه بمنع بناء كنيسة في الارض المخصصه لها بمدينه بورسعيدرغم توافر كل الاشتراطات , وفي 30 مايو من نفس العام اصدرت المحكمه الاداريه العليا حكمها بإلغاء قرار وزاره الداخليه الصادر بمنع بناء الكنيسه بمدينه بورسعيد
وقالت ان ما ساقته وزاره الداخليه من خشيه الفتنه واحتمال حدوث احتكاكات بين المسلمين والاقباط قول غير سديد وذلك لأنه ليس هناك احياء خاصه بالاقباط وأخري للمسلمين بل أنهم يعيشون جنبا إلي جنب وتوجد كنائس في احياء غالبية سكانها من المسلمين
كما ان هناك بعض الكنائس مقامه بجوار المساجد ولم تقع اي فتنه ولم يحدث اي احتكاك ولا اي اخلال بالنظام أو الامن .وبعد ما تم سرده عاليه يتضح جليا ان هناك من يسعي جاهدا لخلق جو متشاحن للسيطره علي الاقباط واوضاعهم في مصر بحيث تكون هناك حاله دائمه من عدم الاستقرار
إلي جانب انشغال الاقباط فيما يمارس عليهم من اعتداءات واضطهادات ممنهجه وعدم تفرغهم للمطالبه بحقوقهم المسلوبه بالهائهم في تكفيرهم وقتلهم وتفجيرهم وتهجيرهم واقتحام بيوتهم بيد بعض الموالين وتحت رعايه الأجهزة المختلفة .
السؤال للحكومه الحاليه في كتاب القراءة :
ما هي أسباب قيام ثوره 25 يناير ؟ هل قامت الحكومه بالعمل علي اصلاح احد الاسباب التي قامت عليها الثورة ؟