د.ماجد عزت إسرائيل
التاريخ الكنسي القبطي يسجل لنا العديد من العلمانين- يُعرف العلماني في المفهوم الكنسي بأنه المشتغل بمهنة (حرفة) أو العامل في الدنيا أي بعمل دنيوي (بين الناس)، ومن هذه الأعمال على سبيل المثال: الطبيب، والمهندس، والمدرس، والمحاسب، والمحامي، ومعلم الألحان والتاجر، والصانع، أو الأرخن أو العين (صاحب الأملاك) الذي يعرف في وقتـنا الحاضر بـ “رجل الأعمال”ــ الذين تركوا علامة مضيئة في تاريخ كنيستنا القبـطية في العـصر الحديث
نـذكر على سبيل المثال وليس الحصر: “راغب مفتاح” الذي ضحى بكل ما يملك من أجل جمع الإلحان القبطية، والدكتور”عزيز سوريال عطية”(1898-1988م) الذي أصدر الموسوعة القبطية وأسـس كرسي للـــدراسات القبطية بإحـدى الجامعات الأمريكية، والدكتور”مراد كامل” الذي أفنى عمره في الدراسات اللغوية المتعددة، المعلم ميخائيل البتانوني مرتل ومعلم الألحان الكاتدرائية المرقسية،والمعلم توفيق من دير المحرق(أسيوط)،والمعلم صادق عطالله من أشهر الملمين الذين سلموا الخورس فيما بعد للمعلم إبراهيم عياد
كما اشتهر من بين المعلمين المعلم ميخائيل فتحي بدير سدمنت الجبل،ومن يطالع تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يجد أن هنـاك العديد ممن ساهموا في بناءها والحفاظ على أصالتها التي ميزتها بين الكنائس العالمية.
والمعلم ميخائيل فتحي وهو أحد العلامات المضيئة في تاريخ الكنيسة المصرية
ميلاد المعلم ميخائيل فتحى
وُلد ميخائيل فتحي غبريال فى 15 سبتمبر1957م بقرية سدمنت الجبل التابعة لمركز أهناسيا المدنية محافظة بنى سويف، من والدين تقـيين، في أسرة بسيطة مثل غالبية الأسر المصرية في ذلك الوقت، فكان والده فتحي غبريال،يعمل معلم بدير مارجرجس وقرابنى، وظل يعمـل بذات الدير حتى نياحته،أما والدته فتولت قيادة الأسرة وتربيته في خوف الله.
تعليمه
على أية حال، تلقى المعلم ” ميخائيل فتحي ” تعليمه الأولى بمدرسة سدمنت الجبل، وفى سن الخامسة عشر من عمره إلتحق بمعهد الالحان أو إذا جاز لنا التعبير بالدياكونيه، بدير السيده العذراء بقرية ببياض(شرق النيل) بمحافظة بنى سويف
وعقب تخرجه بدأ خدمته في دير مارجرجس،بسدمنت الجبل.ببني سويف .
وقد أدي المعلم ميخائيل فتحي الواجب الوطنى” الخدمة العسكرية”، وشارك فى حرب 6 أكتوبر 1973م ،كجنود مجند مدافعاً عن تراب مصرنا الحبيبية.
وبعد أن أدي الخدمة العسكرية أى بعد حرب 6 أكتوبر 1973م عاد المعلم “ميخائيل فتحي” إلى خدمته بدير مارجرجس بقرية سدمنت الجبل، وبين عشية وضحاها استطاع تكوين خورس من شباب القرى والمدن المجاورة للدير، فكان يقوم بتعلم الشمامسة مردات القداس عربى وقبطي بالأضافة إلى تعليم الألحان الكنسية الطقسية التى تذكر فى المناسبات الدينية المسيحية فى طقس قداس عيد الميلاد
وطقس قداس عيد الغطاس، وطقس قداس عيد القيامة، وطقس صلوات الجمعة العظيمة، وتميز المعلم ميخائيل بقوة صوته الجميل، كما كان أيضًا يقود الخورس فى الترانيم القبطية التى تذكر فى أيام المناسبات مثل رأس السنة القبطية،وصوم الرسل، وصوم السيدة العذراء،مدائح القديسين والقديسات.
وفى خلال فترة التسعينات من القرن المنصرم، استطاع المعلم ميخائيل فتحي تعليم العديد من الشباب فى القري المجاورة وبعد افتتاح العديد من الكنائس بهذه القري ونذكر على سبيل المثال كنيسة مدينة أهناسيا ومنشأة البدينى كان يقوم بتعليم أبنائها الألحان القبطية والترانيم الروحية
وعرف عنه تسليم الطقوس الكنسية والألحان القبطية الصحيحة لتلاميذه.
وقد كانت خدمة المعلم ميخائيل فتحي في حبرية المتتيح الأنبا أثناسيوس الثانى(1923- 2000م) مطران بني سويف والبهنسا،وبعد نياحته خدم مع الأنبا غبريال أسقف بني سويف الحالي وخدم المعلم ميخائيل مع بعض الآباء نذكر منهم الأنبا غريغوريوس (1919-2001م) أسقف البحث العلمى والدراسات اللاهوتية وأستاذ العلوم اللاهوتية والفلسفة بالكلية الإكليريكية ، الأنبا متاؤس رئيس دير السريان العامر ببرية شيهيت، والأنبا موسي أسقف الشباب. وخدم مع العديد من آباء كهنة دير سدمنت الجبل منهم القمص غبريال، والقمص ويصا، والقمص بطرس جيد، والقمص ميخائيل، بالإضافة إلى العديد من الآباء الزائرين لدير مارجرجس.
وللأمانة العلمية أن المعلم ميخائيل فتحي معلم الألحان القبطية بدير سدمنت الجبل خدم الكنيسه خدمه بلا فتور ولا تواني، لأن الخدمة كانت بالنسبة له ليست مجرد وظيفه (معلم ألحان) وأنما الخدمة كانت بالنسبة له حب وتضحيه للبيعة المقدسة التى تعلمها من والده المعلم فتحي، كان يصلي الألحان وليس مؤدياً لها،كان ذو روحانية عالية فى صلاة القداس.
كما كان يهتم بكنيسة الدير من حيث الترتيب والنظام والنظافه ووقوف الخورس فى الخدمة.
ولا ننكر أن المعلم ميخائيل فتحي ترك لنا تلاميذ مشهود لهم من الجميع فى تعلم وتسلم الألحان والطقوس الصحية نذكر منهم على سبيل المثل ابنه المعلم صموئيل ميخائيل معلم ومرتل دير مارجرجس بسدمنت الجبل، وصاحب الصوت العذب المعلم ساتر ميخائيل.
زواجه
ومن الناحية الاجتماعية فأن المعلم ميخائيل فتحي تزوج بعد أدى الخدمة العسكرية وأنجبت له زوجته خمسة أولاد هم ملاك،ساتر،مكاريوس،.صموئيل،ماريان. وظل يجاهد فى تسيلم وتعليم الألحان القبطية لشعب كنيسته بدير سدمنت والقري المجاورة حتى تنيح فى 24 أغسطس 2017م.فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى(2014- وحتى يومنا هذا) عن عمر يناهز الـ 60 عامًا، عاشها فى جهـاد روحي وعطاء مستمر، ولــذا أصبح علامة مضيئة لكنيستنا القبطية.
القيمة التاريخية لدير سدمنت الجبل
وهنا يجب علينا عزيزي القارئ أن نوضح لمحة سريعة عن القيمة التاريخة لدير سدمنت الجبل الذى خدمة به المتنيح المعلم ميخائيل فتحي فيقع هذا الدير بقرية سدمنت الجبل بمحافظة بنى سويف،وهى المنطقة التى كانت تعتبر امتدادًا طبيعياً لمنطقة وادى النطرون الممتدة غربا على جانب برية شيهيت بين مديرية البحيرة والفيوم
ومنطقة سدمنت الجبل كانت تزخر بأعداد كبيرة من الأديرة والقلالى،وقد بلغت نحو خمسين ديرًا،ولكن أحداث الزمان والغزوات المتلاحقة أبادت الكثير منها،ولم يبق الآن من الأعداد الكثيرة سوى خمسة وهما:
دير مارجرجس الرومانى بسدمنت،ودير الملاك ميخائيل ويبعد عن دير سدمنت بحوالى 2كم، ودير الملاك غبريال الشهير بأبوخشبة ويبعد عن الدير بحوالى25 كم، ودير الأنبا أبرام الشهير بدير العزب بالفيوم، ويبعد عن دير مارجرجس بحوالى 20كم،ودير السيدة العذراء الشهير بدير الحمام ويبعد عن دير سدمنت بحوالى 15كم .
ويعتبر دير مارجرجس بسدمنت الجبل من أقدم أديرة هذه المنطقة،حيث يرجع إنشائه على أرجح قول إلى القرن السادس الميلادى ،وهو يقع على الشاطىء الغربى لبحر يوسف(البحر اليوسفى) ويبعد عن مركز أهناسيا بحوالى7 كم ويبعد عن محافظة بنى سويف بحوالى 23كم، وعن محافظة القاهرة بحوالى 40 كم،وعن الفيوم بنحو 30 كم ،وهو يخضع حاليًا لإيبارشية بن سويف
وكان دير سدمنت الجبل يدخل ضمن أديرة أقليم مديرية الفيوم ،ولكن بموجب التقسيم الإدارى لإيبارشيات مصر انفصل عن إيبارشية الفيوم وأصبح ضمن إيبارشية بنى سويف منذ عام 1881م
معنى كلمة سدمنت
وأطلق على الدير عدة مسميات كان منها دير سدمنت الجبل ،وكلمة سدمنت قديمة مكونة من صا وامنت ومعناها ناحية الغرب ،كما عرف باسم مارجرجس نسبة الى القديس العظيم مارجرجس الرومانى ،وهو الاسم الذى مايزال يطلق حتى يومنا هذا.
تاريخ الرهبنة داخل الدير
ويعود تاريخ الرهبنة بدير سدمنت الجبل إلى القرن السادس الميلادى،وقد كان ديراً عامراً بالرهبان الذين وصل عددهم إلى حوالى1300 راهب،مشهود لهم بالنسك والتقوى والعلم والفضيلة.
ومن أشهرهم القديس بطرس السدمنتي. ومن الجدير بالذكر أن الحملة الفرنسية(1798-1801م) مرت على هذا الدير فى أثناء توجه لجنوب مصر.