عاد كل شيء كما كان ..وعادت كما لو أن شيئا لم يحدث ..صمت بلون غير محدد وكأنها ترى المكان لأول مرة ..
في وحشة الفراق يبدو كل شيء باهتا و تبدو الأمور التافهة مثيرة للاهتمام ..موجات الستائر بلا حراك .. مزهرية الطاولة تحتاج لنزع الذبول عن اوراقها ..
مقابض الباب في حاجة للتلميع.. المكنسة الكهربائية المختنقة بغبار منكفئ ..
بجهد تقترب تفتش عن احتماء لها في هذا الحيز الثلجي من البيت .. بين الصور والأيقونات أعلى البيانو العتيق .. ببطء تنتقل بأصابعها تتحسس الذكريات كمن تستجلب من الأمس تفاصيل السرد المعتق بدفءالحكايا ..تفعل كيما تتجاهل شكة القرار .. وللدمعات المضيئة طعم آخر حين تتسلل حارقة الى الداخل غصة غصة.. ..طعم شائك ..يفتك الكيان فتكا واعتصار .. ترقب بالسقف ظل الشمعدان الشفاف .. فهو مجرد امتداد لتكرار الشيئ ذاته بمقياس آخر لزاوية الضوء أو لإنكسار شيء ما فينا « سأكون بخير .» هكذا تظن بينما يتسع جحيم التجلط النيّ..
بعناء تعد فنجانا من القهوة .. ثم ببطء شديد تسكبه بمغطس الأطباق وكيف فعلت وتجاسرت وتواطئت ضد روحها حين اخبرته هذا الصباح أنها وقد أتخذت مسلك الانتحار البطيء..
كيف فعلت وهي تدرك تماما أن في هذا خرابها المريع أو اتساقها ..ربما .. لا تدري .. وكيف أيضا بدوره أثناها مرارا عن عزمها بالانسحاب ولم تستجب ..
عشقته حتى الموت ..حتى القيامة فيه ..كم أرّق مضجعها الشعور بالتأنيب أو التطفل حين باحت واخبرته كم هي مولعة به وهو المفعم انشغالا أسريّا واجتماعيا وبالأسفار مليء ..
منذ مر بها كضوء شاطر لم يلتقيا بل صارا معا عشقا روحيا مروعا رغم امتداد المسافة
لا تصدقوها إن قالت «سأتعافى »أو حتى إن فلحت ومحت كل التواريخ ..
لا تصدقوا العاشقات المعاندات حين يخترن صليبهن نازفات بالإيثار لأجل عشاقهن الرائعين ..
لا تصدقوهن حين يمرحن بالقهقهات المدممة كمتجاوزات المحنة وهن لم يعبرن ملوحة روحهن لحظة واحدة ولا غمضة عين ..
هكذا النبيلات يحسن النزف من أجل عشاقهن الممتازين ..
أغلقت الهاتف..تطلق من رئتيها حريقا مكويا ..تذوب في ظلمة تشبه النحيب ..وبالإحتضار تتجمد ..!