أنا رجل عمري 64 عاما، أرمل وعندي ابنان يعملان في الخليج. ورثت عن المرحوم أبي مصنعا للمنتجات الجلدية كنت أديره ولما تقدمت في السن بحثت عن مدير للمصنع ورشح لي أولاد الحلال رجلا متدينا يدعى الحاج حسين فوقعت معه عقدا لمدة أربعة أعوام مقابل ثلث الارباح. بعد أسابيع من ادارته للمصنع فوجئت به يطرد العمال واحدا بعد الآخر ويعين مكانهم أقاربه. عاتبته فقال لي:
ــ عمالك يدخنون ويشربون البيرة والعياذ بالله.
حاولت أن أقنعه بأن تلك أمور شخصية لاعلاقة لها بالعمل لكنه قال:
ــ أنا لا أعمل إلا مع المتقين.
سكت على مضض وقررت أن أفسخ العقد في أقرب فرصة لكني ذهبت إلى المصنع ذات صباح فوجدته قد غير مفاتيح الأبواب. خبطت على الباب فظهر الحاج حسين وحوله أقاربه. قلت له:
ــ طبقا للعقد ليس من حقك أن تمنعني من دخول مصنعي.
قال لي:
ــ العقد الذي بيننا يستند إلى قانون وضعي وأنا لا أعترف إلا بالشريعة الإسلامية. لقد من الله علينا بهذا المصنع ولن نتركه أبدا.
صحت:
ــ أنت نصاب. لن أسمح لك بالاستيلاء على مصنعي.
وجه لي أحد أقاربه لكمة قوية ألقت بي على الأرض وضحكوا جميعا ساخرين.
ذهبت إلى مديرية الأمن وقابلت ضابطا اسمه العقيد شامل.. استرحت إليه من أول لحظة.. حكيت له ما حدث وأطلعته على العقد فطمئني واستدعى قوة من الجنود هجموا على الحاج حسين وأنصاره وقبضوا عليهم وسط فرحة الجيران المتعاطفين معي.
في اليوم التالي أعدت العمال المطرودين إلى المصنع وجاء العقيد شامل ليطمئن علينا. شكرناه بحرارة فقال:
ــ لا شكر على واجب.. على فكرة الخطر لازال قائما. أتباع الحاج حسين قد يهجمون عليكم في أي وقت.
عندئذ صاح بعض العمال:
ــ نرجو من سيادتك أن تتولى إدارة المصنع.
تمنع العقيد شامل قليلا ثم وافق.. لم أعترض لكني بصراحة استغربت.. كيف سيكون مدير المصنع وهو لا يعرف أى شيء عن صناعة الجلود.
في اليوم التالي جاء وجلس إلى مكتب المدير وأعطاني عقد تعيينه لأوقعه ولما بدأت أقرأه غضب وقال:
ــ ألا تثق في بعد كل مافعلته من أجلك..؟
وقعت على العقد وفي الأسبوع الأول قام العقيد شامل بتعيين عشرة ضباط كمساعدين له في المصنع بمرتبات كبيرة جدا. هؤلاء الضباط لا يفهمون إطلاقا في صناعة الجلود ومع ذلك يصدرون التعليمات كل يوم للعمال وقد اعترض عامل مرة ولم ينفذ أمر الضابط فاستدعي العقيد شامل الشرطة التي قبضت على العامل.. عذبوه ببشاعة ولفقوا له قضية وظل ملقى في السجن بضعة أشهر ثم أطلقوا سراحه ورفض العقيد شامل عودته للعمل.
بعد هذه الحادثة أذعن العمال تماما لكل ما يقوله الضباط.
مؤخرا عرفت أن العقيد شامل تعاقد على شراء ماكينات جديدة باهظة الثمن.. ذهبت إليه وهنئته وقلت:
ــ كنت أتمنى أن تخبرني قبل التعاقد.. هذه الماكينات الجديدة رائعة لكننا لا نحتاجها الآن في المصنع.
قال:
ــ هذه شائعات يروجها بعض العمال من عملاء الحاج حسين.
قلت له:
ــ هذا رأيي ولست عميلا لأحد
تطلع إلى العقيد شامل باستخفاف وقال:
ــ أنا أفهم في صناعة الجلود أفضل منك.
استفزني كلامه فقلت:
ــ سيادتك متخصص في الأمن بينما صناعة الجلود شغلتى ورثتها أبا عن جد
ابتسم وقال بثقة:
ــ ربنا سبحانه وتعالى وهبني مقدرة خاصة تجعلنى دائما أفهم في كل مجال أفضل من أى شخص.
أدركت أنه لافائدة من النقاش معه.. قررت أن أهادنه وأتجنب استفزازه بعد ما رأيت شراسته في الغضب.
رحت أفكر كيف أنهى التعاقد معه بطريقة ودية لا تسبب مشاكل.. الأسبوع الماضي ذهبت لزيارة المصنع فقال لي العقيد شامل انه يحتاج إلى توقيعي لأنه اتفق على قرض كبير من البنك بضمان المصنع والأرض.. لم أتمالك نفسي فقلت بصوت عال:
ــ يا سيادة العقيد حرام عليك. المصنع خسران لأن كل ما نكسبه ندفعه أقساطا لماكينات لم نكن نحتاج إليها أساسا.. لا يمكن أن نضيف لأعبائنا قرضا جديدا.
غضب العقيد وقال:
ــ هل هذا جزائي لأني انقذتك من الحاج حسين وعصابته؟
قلت محاولا تهدئته:
ــ يا سيدي أشكرك.. جميلك على رأسي لكن هذا القرض سيؤدي إلى إفلاسنا رسميا..
سألني:
ــ ناوي توقع على طلب القرض ولا لأ؟
قلت:
ــ لن أوقع.
قال:
ــ براحتك.
انصرفت وما أن فتحت سيارتي حتى هجم علي من الخلف ثلاثة رجال لا أعرفهم . ضربوني بعصي حديدية ولم يتركوني إلا وأنا ممدد كالجثة ودمي يسيل بغزارة .. أكتب إليك من المستشفى بعد ما أجريت جراحة في وجهي وأخرى في ساقي.. أشعر بالخوف والغضب والعجز والمهانة..؟! ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
………………………
عزيزي القارئ
وصلتني هذه الرسالة وحجبت اسم صاحبها بناء على طلبه..
ماذا يجب على هذا الرجل أن يفعل:
1ــ أن يترك مصنعه للعقيد ويهاجر ليعيش مع ولديه في الخليج
2 ـــ أن يطيع العقيد ليتقي شره حتى لو ضاع المصنع
3 ـــ أن يدافع عن المصنع للنهاية مهما يكن الثمن
الديمقراطية هي الحل
———————————–
علاء الأسوانى
الوسومعلاء الأسوانى
شاهد أيضاً
من يعيد وضع عتبات أبواب بيوتنا ؟!
كمال زاخر الثلاثاء ١٩ نوفمبر ٢٠٢٤ حرص ابى القادم من عمق الصعيد على ان يضع …