الجمعة , نوفمبر 22 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

سباق الحياة

مدحت موريس

لعله الأغرب فى تاريخ مسابقات العدو…كما ان اسمه اغرب..سباق الحياة!!……هكذا قال “جمال” المصور الصحفى الشاب الذى عُين حديثاً فى الجريدة، ثم أضاف فى محاولة مكشوفة لاثارة غريزتى الصحفية – لقد بحثت وقرأت الكثير من الكتب والمجلات المتخصصة فى هذا المجال ولم أجد ما يشبه مثل هذه المسابقة. نظرت نحوه بعين متكاسلة ثم سألته وأنا أتثاءب – وهل طالعت أيضاً تاريخ مسابقات الألعاب الأولمبية القديمة؟

تردد قليلاً ثم أجاب بكلمات متلعثمة – القديمة!؟….لا…أعنى لم أجد فرصة…ولكن….وفجأة توقف ونظر لى معاتباً – أنت لم تسأل حتى عن نوعية السباق. فى برود متعمد قلت له ” أحقاً لم أسأل؟ حسناً…إعتبرنى سألت وأعطنى الاجابة باختصار”-

لم يستطع اخفاء غضبه مع الحُمرة التى كست وجهه فقال فى حدة ” حسناً ان كان الأمر لا يهمك أو أن الموضوع أقل من مكانتك الصحفية فمن الأفضل لى أن أبحث من محرر ناشىء ليغطى الخبر.” ابتسمت وأنا أنهض ثم قطبت جبينى فى اصطناع للغضب وأنا أقول ” بلاش دوشة….اجر واحضر كاميراتك وأدواتك….سآتى معك.” …

اختفى المجنون المتحمس من أمامى لعدة دقائق ثم عاد مُسلحاً بأدواته ومعداته صائحاً ” أنا جاهز….هيا بنا”. لم أكن فى مثل حماسه – لسوء حظه – والحقيقة أننى رافقته لسببين أولهما أننى لم يكن لدى ما أفعله فى هذا اليوم، أما السبب الآخر فهو من قبيل رفع معنويات هذا المجنون المتحمس كما يحلو لى أن ألقبه وأناديه.

قاد السيارة متجهاً نحو ميدان السباق، وبدأ يروى لى ما لا أعرفه عن هذا السباق الذى يقام لأول مرة ثم أخرج من مكان ما بالسيارة – الممتلئة عن آخرها بأشياء كثيرة لا توجد أى صلة بينها – بكتيب مصور يتحدث عن السباق فطلبت منه التفرغ لقيادة السيارة بينما أنا أقلب صفحات الكتيب. كان الكتيب يشرح طريق السباق الذى ينقسم لعدة مراحل، وتضمن أسماء وصور المشاركين فيه وقد استرعى اهتمامى تنوع واختلاف المتسابقين – لا سيما – فى العمر ،

سألت جمال الذى أخبرنى بأن هذه هى المرحلة الرابعة والأخيرة من السباق أى أن هذه الصور التى أمامى للفائزين فى المراحل الثلاث السابقة!!! أبديت دهشتى وأنا أنظر ثانياً لأسماء وصور المشاركين وبينهم طفل فى التاسعة وعجوز تجاوز السبعين قلت له فى شك وأنا أشير لصور المتسابقين

” تريد أن تقنعنى أن هذين فازا فى المراحل السابقة !!! قال جمال فى حماس كبير ” بل هما من يراهن عليهما الجميع ” هززت رأسى متعجباً وأنا أتذكر قولاً قديماً لأحد أساتذتى العظام بأنه فى عالم الصحافة لا يوجد خبر تافه، ولا يوجد حدث بسيط بل قد يكون خلف الحدث البسيط أحداثاً تاريخية أو حكمة تغير المفاهيم. قال جمال وهو يشير بيده ” هذا هو مضمار السباق” نظرت لما أشار اليه فوجدته طريقاً عادياً يمتد لعدة كيلومترات وبالطبع لم يصل بصرى الى نهايته سألت –

وقد بدأ الاهتمام بالسباق يتملكنى – الى أين أنت ذاهب ؟

أجابنى سنصل الى نقطة النهاية وننتطر هناك. نظرت خلفى فوجدت المتسابقين عند نقطة البداية رجال وسيدات من مختلف الأعمار يستعدون لبداية السباق. كنا قد تجاوزناهم لأمتار وتساءلت بينى وبين نفسى كيف لهذا العجوز أو هذا الطفل أن ينافسا شباباً أو رجالاً أشداء!!!!.

كنت أشاهد جانبى الطريق أو ما حول مضمار السباق كما قال جمال….أسواق تجارية….نوادى ترفيهية…..صالات رقص….بنوك ثم محال تجارية لكل شىء وأى شىء وجميعها متألقة وتغرى بالدخول بل والبقاء فيها لساعات، سألت جمال مندهشاً عما أراه على جانبى الطريق، أجابنى مبتسماً لا أحد يأتى الى هذا المكان ويقاوم التجول فيه. قال ذلك وهو يركن السيارة فسألته “هل وصلنا لنقطة النهاية؟” قال وقد اتسعت ابتسامته “لا…لكن ما المانع من قضاء وقتاً لطيفاً هنا فمازال الوقت أمامنا”. نزلت معه….

سرنا ولا أنكر أننا قضينا وقتاً ممتعاً بل أننى لم أتمتع لعمرى مثلما تمتعت فى هذا اليوم دخلنا – ما استطعنا – من محال، شربنا وأكلنا ولعبنا وفعلنا ما لم نفعل من قبل ثم خرجنا بعدما سرقنا الوقت وانتهى السباق دون أن نشهد نهايته. ركبنا السيارة وواصلت بنا المسير حتى نقطة نهاية السباق

وبالطبع لم يكن هناك أحد فقد انصرف الجميع وانفض الحدث ولم نعرف من فاز ومن خسر. فى الصباح التالى جلست أتذكر اليوم السابق وأنا أتذكر ذلك المكان الجميل …مكان من الصعب وصفه ومن المستحيل نسيانه لكنه يترك فى النفس مذاقين متناقضين هما المتعة والمرار.فجأة وجدت جمال وقد وضع أمامى احدى الصحف وهو يقول ” الم أقل لك؟…..

لقد فاز كلاهما الشيخ العجوز والفتى الصغير….رغم الاختلاف الكبير بينهما.” نظرت اليه قائلاً ” لقد خسر الآخرون لهذا فاز الاثنان، نظر نحوى فى غيظ قائلاً بالطبع خسر الآخرون ما الغريب فى ذلك؟ اجبته لا غرابة فى خسارتهم فالفائزان يتمتعان بصفة لا تتوافر فى كل المتسابقين الذين انشغلوا وانبهروا مثلنا – انا وانت – بكل المباهج التى احاطت بمضمار السباق…سألنى ولماذا لم ينبهر كلا من العجوز والفتى الصغير بما انبهرنا به نحن وكل المشاركون فى السباق؟

قلت له ضاحكاً هذا هو الامر الذى جمع بينهما وهو عدم الانبهار بما رأيناه نحن…هل تعرف لماذا؟ سألته واستطردت دون ان انتظر اجابته فما يجمع بين العجوز والفتى الصغير هو أن أحدهما قد زهد كل متاع الحياة والآخر لم يذق طعمها بعد….

لهذا فازا فى سباق الحياة.

شاهد أيضاً

جورج البهجوري بنكهة وطن !!

بقلم عبدالواحد محمد روائي عربي فنان تشكيلي كبير عاصر كل نجوم الثقافة العربية محيطا وخليجا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.