قامت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مؤخراً بوضع ” قانون الأسرة للمسيحيين في مصر”
ولأن الكنيسة تعلم علم اليقين أن قانونها لا يمت من قريب أو من بعيد لصياغة القوانين فقد قررت الدفع بمشروع القانون كبالون اختبار للرأي العام وانتظار ردود الأفعال والمطالع لهذا القانون المزعوم
يكتشف منذ الوهلة الأولى أنه تمت صياغتة بالمخالفة للقانون والدستور وقوانين الطفل والمرأة وكل المواثيق والأعراف الدولية بل أن القانون المزعوم قد توغل على كل السلطات في الدولة من سلطة قضائية، وتشريعية وتنفيذية بل العجب العجاب أن القانون قد خلق لنا سلطة رابعة عرفها باسم ” الرئاسة الدينية ”
والقانون يزيد المشاكل المتعلقة بالأحوال الشخصية بل لعله قد أوصد أبوابا خلفية كانت منفذا لإيجاد حلول لبعض المشاكل مثل تغيير الملة الذى لم يعد مصوغاً بعد للطلاق ولكن الشيء المؤكد هنا أن القانون قد تمت صياغته لا لحل مشكلات الأقباط المختلفة ولكن لتكريس سلطة الكنيسة ليس على أقباطها فقط ولكنها جعلت من نفسها سلطة أعلى من كل سلطات الدولة
يجب الرجوع اليها في كل ما يخص الاقباط ونحن هنا ندق ناقوس الخطر فنحن لا نعرف تحديدا من وراء تلك الصياغة المدمرة لهذا القانون ، ولكن من صاغ هذا القانون لا يريد لهذا البلد خيراً فالقانون حق يراد به باطل فهو يريد تأكيد السلطة الدينية في مصر متخذاً من الحريات الدينية غطاء لتمرير تلك السلطة
هناك فرق بين ان يكون للمسيحيين في مصر حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر وبين العمل على خندقة الاقباط داخل محمية دينية تحتكرها الكنيسة ولا تمتد لها سلطة الدولة
تكريس السلطة الكنسية
يحفل القانون المزعوم في الكثير من مواده بمصطلح جديد خرجت به الكنيسة علينا وهو ” الرئاسة الدينية ” وعجيب الأمر أن تلك الرئاسة ليست جهة بعينها ولكنها ثلاث رئاسات دينية أرثوذكسية ، وانجيلية ، وكاثوليكية
والمصطلح في حد ذاته مخالفة دستورية فإن كان المقصود بتلك الرئاسة منظومة الكهنوت من قساوسة وأساقفة ومطارنة وعلى رأسهم البطريرك فقد وصفهم الدستور في المادة الثالثة بـ ” القيادات الروحية ”
ولم يشير الى أي دور رئاسي لهم من قريب أو من بعيد كما أن المسيحية لا تعرف مفهوم الرئاسة داخل الكنيسة فلقد عرف القديس بولس الرسول طائفة الكهنوت ” كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ ” فلا نعرف من أين أتت الكنيسة بمفهوم الرئاسة الدينية
والذى يقسم خضوع الأقباط ولائياً بين رئاستين أحدهما دينية والأخرى مدنية
والسؤال هنا أن كانت الكنيسة ” رئاسة ” فلماذا تقدم قوانينها إلى السلطة المدنية إأقرارها واعتمادها
وهنا يبدو واضحا وجليا أن الغرض من القانون خلق رئاسة وسلطة دينية تحتكر شئون الأقباط في مصر دون غيرها من دول العالم وهو ما سوف يتضح من مناقشة بنود القانون
اقرار الزواج المدنى
القانون المزعوم يوصف نفسة في أكثر من مقام على أنه قانون ( للزواج الدينى المسيحى) حيث يؤكد أن ( يكون الزواج الدينى المسيحى وفق الكتاب المقدس ) ( مادة 14 )
وفى موضع أخر ( لا يجوز للمسيحى أن يتزوج دينياً … ) ( مادة 22 )
وكذلك ( يكون الزواج الدينى المسيحى … ) (مادة 20 )
تلك النصوص وغيرها تؤكد ضمنا أن هناك ( زواج مدنى للمسيحى ) وإلا ما كان القانون سمى بقانون ( الزواج المسيحى ) دون إضفاء الصفة الدينية عليه
فعلى الرغم من أن الكنيسة تضيق الخناق على تابعيها وتحكم السيطرة عليهم إلا أنها تركت لهم بابا ينفذون منه إذا ما أرادوا وتكون الكنيسة بذلك قد تراجعت عن التصدي للزواج المدنى
بأن غضت البصر عنه فلا تكون بعد هناك حجة لمن يدعون تعسف الكنيسة فالكنيسة تدفع بقانون “ دينى ” من أراد أن يوفق أوضاعه طبقا له فليفعل ومن رفض فالكنيسة لم تغلق باب الزواج المدنى
نكاح الصغيرات
يبدو أن حمى الاستمتاع الجنسي بالفتيات الصغيرات قد انتقلت إلى الكنيسة فالقانون المزعوم يبيح زواج القصر بشرط موافقة ولى النفس فلقد أباح القانون زواج القصر وغير البالغين في الكثير من مواده فعند إجراء الخطوبة يتم
( أثبات حضور الولى اذا ما كان احد الخطيبين قاصرا ً) ( مادة 5 بند3)
أما عند الزواج ( اذا كان طالبا الزواج لم يبلغا ـ أطفال ـ أو أحدهما سن الرشد فأنه يشترط لصحة عقدالزواج موافقة الولي ) ( مادة 16)
هنا يقع القانون في مخالفة اتفاقية حقوق الطفل الصادرة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1990 والتي وقعت عليها مصر والتي تحظر الاستغلال الجنسي للطفل بأي شكل من الاشكال تحت أي مسمى
العوار الدستورى والقانونى
حاول القانون استرضاء الطوائف الثلاثة ( الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية) فوقع في تناقض وعوار كبير في أكثر من موضع فيخطئ من يظن أن الطوائف الثلاث هي تجليات لدين واحد ففي الحقيقة أن كل طائفة هي دين مستقل بذاته وقد رصدنا هنا بعض غرائب وطرائف القانون ومنها
تهميش سر المعمودية
جاء بالمادة (13) أنه ( على جميع الطوائف المسيحية أن تعترف بزواج الطوائف المسيحية الأخرى ) وتلك المادة من المضحكات المبكيات فمن المعروف أن الطائفتين الأرثوذكسية والكاثوليكية لا تتممان طقس الزواج
الا لمن تمت معموديته والمعمودية هي الطقس الكنسى الذى بمقتضاه يصبح الطفل مسيحياً أما عند الكنيسة الانجيلية فلا تتم المعمودية الا في سن الـ 30 وعلى الرغم من ذلك تقوم الكنيسة الانجيلية بأجراء مراسيم الزواج
لمن هم دون الـ 30 فكيف تقبل الكنيستين الارثوذكسية والكاثوليكية زواج من لم تتم معموديتهم من الإنجيلين
كما ان الكنائس الثلاث لم تعترف كل منهم بمعمودية الكنائس الأخرى فالثلاث كنائس كل منها تعتبر
ان من تمت معموديتهم في الكنائس الأخرى غير مؤمنين فكيف تعترف بزواج هؤلاء الغير مؤمنين؟
الكنيسة تحرض على الزنا
من المفارقات العجيبة في القانون ان المادة 114 من القانون تنص على انه يعتبر في حكم الزنا المصوغ للطلاق
( التحريض على الفجور ويعتبر في حكم ذلك هجر أحد الطرفين منزل الزوجية لمدة تتجاوز ثلاث سنوات )
وعلى الرغم من انه لا توجد اى مرجعية إنجيلية يمكن الاستناد لها لتفسير هذه المادة الا أنه يمكن اعتبارها من قبيل التخفيف من التعنت في الطلاق ولكن القانون يصدمنا في المادة 121 بشأن التفريق بين الزوجين في الطائفة الكاثوليكية
بما نصة ( اذا استحكم الخلاف بين الزوجين وأصبحت معيشتهما المشتركة مستحيلة أو متعثرة ولم تفلح المصالحة الكنسية فيجوز الحكم بالتفريق بينهما ويصدر الحكم بناء على طلب الزوجين أو أحدهما ويجوز أن يكون التفريق مؤبدا ً)
ان التفريق بين الزوجين ينطوي على هجر كل منهم للأخر هذا الهجر الذى تعتبره المادة 114 من نفس القانون زنا حكمي والحكم بالتفريق بين الزوجين بمقتضى هذا القانون وطبقا لمواده يعتبر حكم مؤبد بالزنا مدى الحياة
فهل تحرض الكنيسة الكاثوليكية رعاياها على الزنا ؟ وهو أمر ليس بمستغرب على الكنيسة الكاثوليكية التي ترى ان الزنا الفعلي لا يبيح الطلاق
( (مادة 113