بقلم الكاتبة الصحفية : إيرينى سعيد
نحتفل هذه الأيام بالذكرى الأربعين لشهدائنا , شهداء دير الأنبا صموئيل المعترف , و اللذين طالتهم أيادى الإرهاب الآثمة , و هم فى طريقهم للتبرك من الدير_ و الكائن بصحراء المنيا جنوب غرب القاهرة_, ليقدموا شهادة حية معترفين باسم إلههم , منفذين الوصية , تاركين أروع الرسائل , غير مكترثين بإرهابى ضعيف خائر احتمى بسلاحه , و الذى عجز أمام صمود العزل و ثباتهم .
صعدت أرواح شهدائنا بعد أن عانوا نوعاً مختلفاً من الآلم النفسى و المعنوى , فاق كثيراً الآلم الجسدى المعتاد , ليتركوا ذويهم و اللذين شاركوهم رحلة الآلم على قيد الحياة يتجرعون الغصص تارة جراء الآلم و تارة أخرى جراء الفراق .
جماعة من الملثمين تستوقف أتوبيساً يستقله أقباط متجهين إلى دير الأنبا صموئيل , يصوبون أسلحتهم تجاه شهدائنا و معترفينا _ و المعترف هو من شهد للإله دون أن يُسفك دمه _ إما ترك دينهم و ذكر الشهادتين أو الموت , فى شهادة حقيقية و خلال اعتراف تام يثبت الأقباط على إيمانهم , رافضين ترك دينهم , ليُستشهد الشاب على صدر أمه , أما أعين شقيقته الطفلة , و الأب أمام زوجته و أبناءه , و الأسرة بكاملها أمام الجدة , وسط كم من الصرخات و التضرعات مع العبارات الحزينة وليدة اللحظة لفظها شهدائنا قبيل انتقالهم , و لعل أشهرها ” كفاية أنا ” و التى قالها الشهيد ” بيشوى ” عقب وابل الرصاص و الذى اخترق جسده , فى إشارة منه للإرهابين لترك أمه و أخته الطفلة , فى مشاهد حملت من التعذيب النفسى و المعنوى , ما فاق طاقات البشر, ناهيك عن ساعات قضوها متروكين فى الصحراء القاحلة, لم يملكوا خلالها سوى وداع الأحباب و تقبيل الأجساد الثمينة و هى تنزف على الرمال و التى تباركت بدمائهم الطاهرة دون مغيث أو حتى مجيب , وهم لم يكن معهم سوى بركات هذه الأجساد الطاهرة و صلواتها .
و ربما أراد الإرهابيون هذه المرة إحداث الطفرة فيما يخص تعاملاتهم مع الأقباط , فمع المذبحة الدموية , أرادوها مذبحة نفسية و معنوية .
عانيت كثيراً من تكرار هذه المشاهد فى مخيلتى , و إطلاق العنان لنفسى فى حالة من مبادلة الأدوار , لو كنت فى أماكنهم و أماكن ذويهم !!, و ما زاد من آلامى هو مهاتفتى لأحد الأساتذة المتخصصين فى الطب النفسى , و الذى أكد على صعوبة هذا النوع من الآلآم النفسية و المعنوية , حتى أن الخروج من دائرتها يستلزم علاج معين و كورسات متوفرة فقط فى الدول المتقدمة _ بديهى_ لم تصل بلادنا !! .
فيما أخطأ شهدائنا ؟! , و ما الذى اقترفوه , هل أخطأوا لأنهم رغبوا فى التوجه للدير للصلاة من أجل البلاد , الرؤساء , الزروع , العشب , و مياه النيل _ هذه جزء من صلوات الأقباط _ ؟!
نعم!! ضمن أهم الطقوس الروحية و التى رتبتها الكنيسة , الصلوات من أجل البلاد و الرؤساء قبيل الأنفس والاحتياجات .
الأقباط أنفسهم فيما أخطأوا ؟! , هل يستحقون كل هذه الآلآم ؟! هل يدفعون أثمان وطنيتهم و انتمائهم ؟!
التاريخ يشهد على ما قدموه , يشهد على صمودهم و تضحياتهم, يشهد عقب كل حادثة كيف يكتوون صامتين !! رافعين مصر و استقرارها على آلامهم و جراحهم , مفضلين الوطن و عماده على النفس و البيت .
حتى متى يظل أمن الأقباط عرضى للانتهاك ؟!, حتى متى تظل قضاياهم عالقة دون أحكام باتة أو رادعة ؟!, و الأهم حتى متى تظل هذه الطائفية و المتجذرة دون علاج أو مكافحة ؟! , و جميعها استفسارات لم يطرحها الأقباط , بقدر ما طرحها الواقع و الأحداث .
الوسومايرينى سعيد
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …