حلت الذكرى الرابعة لثورة 30 يونيو حين خرج المصريون عن بكرة أبيهم.. ملايين من الحشود من كل التيارات السياسية، والطبقات الاجتماعية، كل مكونات الشعب المصري الدينية وفي القلب منها الأقباط، ثارت على “اختطاف الدولة المصرية” من قبل عصابة مارقة وهي جماعة الإخوان المسلمون التي تمثل مثال صارخ على الفاشية المتمسحة بالدين.
30 يونيو.. ثورة شعب حماها الجيش
خرجت الجماهير بوعيٍ جديدٍ شكّله حكم تلك العصابة المجرمة لمدة عام سعت فيه تلك الجماعية الفاشية، لتمكين قادتها وأفرادها من مفاصل الدولة واقصاء كل القوى الوطنية الأخرى المختلفة عنها سياسيا وأيديولوجيا، كل القوى التي تؤمن المساوة والعدل والحرية والكرامة لكل مواطن، وعيبهم الوحيد أنهم ليسَوْا إخوانًا!
“تجربة حكم” كان لابد منها لكي يتيقن المصريون كل اليقين فاشية الجماعة الإرهابية وأوهامها في ما يسمى بدولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية بديلاً عن القوانين الوضعية، وهنا استعمل المصريون وعيهم الحضاري في لحظة تاريخية فارقة وصححوا المسار.
ولإعطاء كل ذي حقٍ حقَّهُ، لا يمكن لأي منصفٍ أنْ يتجاهلَ دور الجيش المصري في حماية إرادة المصريين، الذي لولا انحيازه لمطالب الشعب لما تم استئصال جماعة الإخوان من الحكم.
هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه
تلك العبارة الآسرة التي سلبت قلوب المصريين وقتها، قالها وزير الدفاع المصري آنذاك الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي أصدر بيانًا شديد اللهجة بعد خروج جموع المصريين واحتلالها كل الميادين في كل المحافظات.
أمهل وزير الدفاع كل القوى السياسية، وفي القلب منها الإخوان بالطبع ثمانٍ وأربعين ساعةً ل”التوافق الوطني” وإلا سيضع الجيش “خارطة طريق للمستقبل”، وبالطبع نرجسية الإخوان وغرورهم منعهم من أن يرَوْا الحقيقة، مما حدا بوزير الدفاع في 3 يوليو 2013 بعزل الرئيس محمد مرسي وتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور بإدارة شؤون البلاد في مرحلة انتقالية انتهت بانتخاب رئيس جديد للجمهورية واستكمال بناء مؤوسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان.
الأقباط بين المشاركة الوطنية وتبخر الأحلام
ملايين من الأقباط خرجوا وفي أذهانهم حقبة جديدة شعارها المصالحة، تعلو فيها قيم المواطنة والتسامح وسيادة القانون، خرجوا كمصريين أُصَلاء ليس في أجنداتهم أي مصالح خاصة وإنما “آمال كبرى” بوطن يتسع للجميع ليس فيه تمييز ولا عنف ديني ولا إهدرا لقيم الحرية والعدل والمساواة.
حتى أنَّ بابا الأقباط قال عبارته الخالدة المعجونة بالوطنية الخالصة، قال: “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن” تعليقاً على حرق عشرات الكنائس على مستوى الجمهورية انتقاما من الإخوان بعد فض اعتصامي أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية والنهضة المسلح بالقوة.
حتى أن أحد الأساقفة لم يتورع من أن يصف زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لكاتدرائية الأقباط للتهنئة بالعيد معلقا أنه قد زارنا المسيح! وهي عبارة وإن خان التعبير فيها نيافة الأسقف، إلا أنها تعبر عن مخاوف وهواجس الأقباط تجاه الحكم الديني الفاشي، فكأنهم كانوا ينتظرون مخلصا. فهل كان السيسي مخلصا فعلاً؟
تضحيات الأقباط مازالت مستمرة
لكن التضحيات لم تتوقف عند حرق عشرات الكنائس إبان فترة اعتصام “الإخوان” التي استمرت من 30 يونيو حتى 14 أغسطس حين قامت الدولة بفض الاعتصام بالقوة، أقول، لم تتوقف تلك التضحيات فقد كان الأقباط على مدار تاريخه، ولا يزالون هم الحلقة الأضعف في الصراع الراديكالي بين الدولة وجماعات الإسلام السياسي المتطرفة.
بل أن وتيرة الاعتداءات ضد الأقباط زادت جدا في الأربع سنوات السابقة، فقد تم تهجير مئات الأقباط من العريش ومازال استهداف الأقباط حتي داخل كنائسهم وبيوتهم وممتلكاتهم، والتضييق عليهم في بناء دور عباداتهم، أو حتى الصلاة في مبنى خدمات بادعاءات تحويله لكنيسة، وهذا ما حدث في قرية “كوم اللوفي” بمحافظة المنيا، وليس آخرها الاعتداء على كنيسة في مدينة الواسطى بمحافظة بني سويف وإلقاء أدوات العبادة في الشارع!
بل وحتى على الطرقات وفي تغير نوعي لاستهداف الأقباط على الهوية، تم قتل 31 قبطيا منذ أقل من شهرين على الطريق العام وفي وضح النهار وقت الظهيرة، وهم في طريقهم إلى دير الأنبا صموئيل المعترف بصعيد مصر. وحادث طريق دير الأنبا صموئيل ليس آخر حالات القتل. وفي كرم اللوفي ما زال الأقباط من دون كنيسة، وعلى الرغم من إقرار مجلس النواب المصري قانون بناء وترميم الكنائس، في 30 آب/أغسطس 2016 ومازالت جرائم خطف القبطيات.
ورغم كل هذا القتل والتخريب وتمسك الأقباط بوطنهم وعدم تدويل قضيتهم العادلة، لا تتعجب أن نائبة مسلمة في البرلمان المصري، لم تجد غضاضةً في اتهام نائبة زميلة قبطية بالخيانة وأن ولاءها لأمريكا!! فقط لأنها اعترضت على ما يحدث لأقباط مصر.
نخلُص إلى أنه -ومع تفهمنا لنضال الأقباط لنيل حقوقهم العادلة- يجب ألا يغفلوا في سبيل تحقيق ذلك، أن التخلص من فكرة الرهان على شخص بعينه هو الرهان الأهم والأجدى.