الأربعاء , نوفمبر 13 2024

ماجدة سيدهم تكتب : بذار خمر

كان ب بيتنا الصغير حديقة واسعة ..يطل على ارتفاع سورها بياض الياسمين و برتقاليات شجرات لارنج ..والساقط عن عطر زهراتها نغمره كل عصراوية في براد الشاي ونسقيه بالتفتح كي يبلل دورق الماء بالانتشاء .. .. ..

حديقتنا مشدود من جذورها تكعيبة عنب.. تحمل أجود أنواع الكروم على السواء ..هو بيتنا الذي كان يرتاح متكئا على كتف إخضرار الجبل بينما يمد ساقيه مولعا بموجات بحر شاسع الزرقة .. كان الموسم طيبا حين يستسلل الضوء دافئا ..يداعب وجوهنا فيمنح ملامحنا شغف الحكايا و وذكريات ماكرة نتناولها فيما بيننا عن حصاد لعام مضى ..هكذا كنا نجتمع والأصدقاء تحت تكعيبة العنب ..التكعيبات هي امتياز كل البيوت جميعها حيث تميل خروشات الأوراق على ظل عناقيد يتدلى نبيذها إلى كؤوس السهرات المفرحة ..

في موسم الكروم كنا نجتمع لنملأ القنينات الكثيرة من نبيذ العناقيد الممتلئة بالبركة والمسرة .. كنا نجمعه كومات أرجوانية طاعنة في لجة التأهب للفرح ..ننتقي الحبات وتعلو الضحكات والرقصات والأغنيات .«.ليلة عيد .»..نتقاذفه فيما بيننا لحتى نصير وهجا قانيا ..ننفذ تعليمات الكبار المنعمين بمهارة صناعة النبيذ ويمتد الوقت ..ونسهر كثيرا .. نعصره ..نحطه في براميله الشبقة للاحتضان المعتق بالبهجة والإكتمال ..ننتظر الأيام نتابعه..نصفيه ..نقطره ..نبضة نبضة ..ومضة ومضة .تنزلق قطرات النضج رقراقة ..مولعة بالعذوبة ..ضاجة بالعنفوان الحي حيث الأبد المضيئ .. فمن يستقي الخمر عشقا لايذوق الموت ولا يعتريه الفناء أبدا..

هكذا تمتلئ الزجاجات العطشى للطهر والاستقامة وسائر المفاجات المقدسة.. ويالها من متعة الاقتراب في الشتاءات الباردة هذا نبيذ جيد صنع أيدينا..نهديه للأقرباء للكاهن ..للأصدقاء ..والعابرين على تلال الصقيع على السواء .. هكذا كل الأعوام ..حتى حل بنا موسم ربيع على غير المألوف .. فأطاح بالبيت ..نهب الحديقة.. أحرق الكرمة ومثّل بالياسمين ..حطم الزجاجات فانسكب النبيذ كله على الشواطء والأرصفه مذبوحا .. ..

هكذا خربت الصراعات أجمل مافي حدائقنا و كرومنا من خمر وقمح وزيت وقناديل ..

لكن الناهبين مصاب جميعهم بالعمى.. لايدركون حكمة صانع النبيذ.. فهو حائك ضوء حاذق .. تعلم كيف يقتني جل ثروته في بذار .. لذا يمتلك كل بذار الخمر في خزائن الروح ..حيث لايقترب اللصوص أو مفتعلو الأكاذيب ..

صانع النبيذ لا يموت لذا يعيد نثر بذاره أينما حل..

ينقب فوق الخرب عن الأرض الصالحة ..يمد خيوط الموسيقا اتلاما وخطوطا شريفة ويزرع كروما جديدة ..

هكذا بذار الخمر لاتعود فارغة ..لذا انتظروا مواسم النصوع القادم ..افتحوا سلالكم و ترقبوا عناقيد الفرح الآتي في بيتنا الجديد ..ثقوا في صنيع أياديكم ..فلن يتأخر موسم النبيذ عن موعده …

شاهد أيضاً

المصريون يعتقدون بأن “الأكل مع الميت” فى المنام يعني قرب الموت .. وعالم يؤكد بأنه خير

يستيقظ جزء كبير من المصريين باحثين عن تفسير ما كانوا يحلمون به بالليل بل ويقضون …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.