الإثنين , ديسمبر 23 2024

عادل جرجس يكتب: جنون الاستشهاد عند الأقباط

تلقى الاحداث الإرهابية الأخيرة التي ألمت ببعض الكنائس وراح ضحيتها العديد من الأقباط بظلالها الوخيمة على المجتمع القبطى فبلا شك من قضوا نحبهم في تلك الأحداث هم شهداء تحتسبهم الكنيسة من زمرة قدسييها وهو ما تؤكده قرارات المجمع المقدس للكنيسة القبطية الذى انعقد منذ أيام حيث قرر المجمع ضمن ما قرر من قرارات استحداث عيد للشهداء المعاصرين يوم 15 فبراير من كل عام وهو ما يؤكد على قداسة مكانة هؤلاء الشهداء ولكن الأمر الخطير هنا هو ان شريحة كبيرة من الأقباط أصبحت تنتظر دورها ضمن موكب هؤلاء الشهداء بل الأمر الذى يجب علينا التوق امامه أن هؤلاء أصبحوا يسعون لنيل أكليل الشهادة ومع أنتشار الكثر من النبوات بين الاقباط التي تؤكد قرب نهاية العالم والمجيء الثانى للمسيح (أخر علامات الساعة لدى المسيحيين) وما يصاحب ذلك ما يعرف مسيحياً بـ (الضيقة العظمى) حيث ينتشر اضطهاد المسيحيين في العالم فانعزلت تلك الشريحة وتقوقعت داخل شرانقها الايمانية في انتظار لحظة الاستشهاد والامر هنا جد خطير فنحن لا ننكر ان الأقباط يعانون من الإرهاب معاناه إضافية عن تلك التي تقع على عموم المصريين ولكن انتشار انتظار الاستشهاد يبدد كل جهود الدولة في محاولة دمج الأقباط في الحياة السياسية ويعصف بكل جهود التمييز الإيجابي لهم طبقاً لنظرية الطرف الأضعف سياسيا والمفاجأة هنا إن سعى المسيحى نحو الشهادة لا يضع على راسه الاكاليل الايمانية والتي تؤهله لاستحقاق الملكوت وهو ما أكده بعض اباء الكنيسة فالاستشهاد موقف يفرض على المسيحى ولا يسعى اليه بل ان الأصل في المسيحية هو محبة المسيحى للحياة و استمتاعه بها لا السعي الى الموت فهل يقدم الاقباط أنفسهم محرقات على مذابح الإرهاب دون ثواب إيماني؟
التخندق الإيمانى
حالة من الانزواء وأقصاء النفس أصبحت تسيطر على كثيرين من الاقباط بعد الأحداث التي وقع على اثرها شهداء تلك الحالة التي أدت الى انتشار دعوات العزوف عن مباهج الحياة و التخندق داخل ما تصور البعض انه معتقد إيماني فجميعهم اصبحوا ينتظرون الموت فى سبيل الايمان وشهادة للمسيح وانتشرت داخل المجتمع القبطى بعض المقولات التي تحفز على هذا التخندق مثل ( يا بختهم دول محظوظين ياريتنى كنت معاهم دول راحوا السما على طول) و ( مين فينا يطول يبقى شهيد وقديس مع المسيح في السما دى حاجه جميله خالص ونشكر ربنا انه رجع لينا عصر الاستشهاد تانى وفتح لينا باب الملكوت) أما أكثر المقولات والتي انتشرت لتشكل قناعة جديدة لدى الأقباط هي ( ياريت نعرف ها يفجروا فين المره الجاية علشان نروح نستناهم) تلك المقولات وغيرها تستغل الحدث رغم قساوته لتلعب في تركيبة الشخصية القبطية وتجعلها تنأى بنفسها عن مجتمع تجد نهايتها فيه ولا تجد الأمن الا داخل الكنيسة وخيالات ايمانية جديدة لا أساس لها في عقيدة الكنيسة
الاستشهاد في المسيحية
الشهادة في المسيحية تعنى من سُئل للشهادة، أو طُلب للشهادة، والشهادة هنا الشهادة للإيمان الذي يدين به الإنسان المسيحى ويزود عنه بقوه من روح الله وهو ما أكده الإنجيل (سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ، وَتَكُونُونَ لِي شُهُودًا) ” أعمال الرسل 1: 8″ والاستشهاد كما يرى أباء الكنيسة الأوائل ليس لحظة يمر بها المسيحى ولكنها عشرة مع الله فيقول القديس أكليمنضُس السكندري (الاستشهاد أمر أساسي في حياة كل مُؤمِن، لأنَّ الاستشهاد ليس مجرد سفك دم، ولا مجرد اعتراف شفوي بالمسيح لكنه مُمارسة كمال العِشق الإلهي) كما رفض القديس التقدُّم للشهادة باندفاع وتهور، مُعتبِرًا أنَّ من يقوم بإثارِة المُضطهدين يُحسب مُجرِمًا لأنه يُثير وحوش كاسِرة، وقد تكون الشهادة غير نافعة لصاحبها في كثي من الأحيان أذا ما كان يعيش حياة تخلو من محبة الآخر وان شهادته جاءت في موقف انفعالي فيقول القديس يوحنا ذهبى الفم (أنَّ الذي لا يُحِب أخاه، حتى ولو نال الاستشهاد فما ينتفِع كثيرًا) والاستشهاد في المسيحية هبه من الله لا يجوز للإنسان أن يسعى اليها فيقول القديس كبريانوس (الاستشهاد ليس من سلطانك، بل هو عطية من الله، فليس لك أن تعترِض إن فقدت ما لستَ مُستحِقًا له… فالله الدَّيان يُتوِج خُدَّامه الذين تهيَّأت أفكارهم للاستشهاد وكثيرين لم يستشهِدوا لأنه لا يطلُب دمنا بل إيماننا) ويؤكد القديس أمبروسيوس الميلاني على المعنى الواسِع للاستشهاد فيقول (هناك حروب أخرى أيضًا من الحروب التي على المسيحي أن يخوضها كل يوم، ونعني بها القِتال ضد الشهوات والصِراع ضد الرغبات، فأحيانًا الشهوة تُثير الأوجاع والخوف يُرعِب والغضب يُهيِّج والطموح يتحرك والشر يزيد، هذه القِتالات تُؤذي وتهِز كالزلزال النِفوس غير الثابِتة)
الإنكار والابدية
و انكار الاستشهاد وإخفاء الإيمان لا يفقد الشخص حياته الأبدية بل احياناً يكون هذا تدبيرا الهياً في حياة الانسان ونوع من الحكمة وأشهر الأمثلة الت تؤكد ذلك في الإنجيل هو أنكار بطرس الرسول أعظم تلاميذ المسيح لسيده و معلمه عندما قبض عليه فلم ينكر بطرس الرسول المسيح مرة واحدة بل انكره ثلاث مرات من خلال استجوابه اثناء محاكمات المسيح وادعاء جاريه عليه بأنه من تلاميذ المسيح فادعى انه لا يعرف المسيح هذا الانكار الذى نبأ به المسيح بطرس قبل ان يحدث ومع علم المسيح بذلك الا انه لم يرفض بطرس او أخرجه من زمرة تلاميذه ولم يكن انكار بطرس يعنى هلاكه إيمانيا فبعد ان قام المسيح من الموت تقابل مع بطرس الذى كان خجلاً من المسيح وعلى الرغم من ذلك فالمسيح أوصاه بنشر المسيحية في العالم وأوصاه برعاية كل المؤمنين قائلاً (أرعى غنمي) و يعلق على ذلك القديس اوغسطينوس بالقول (محبة الله التي تنسكِب في قلوبكم سوف تمنحكم الجراءة الكافية تلك المحبة التي كانت تعوِز بطرُس عندما ارتعب أمام سؤال جارية، فقبل آلام الرب كُشِف عن خوف العبودية الذي كان عند بطرُس بواسطة عبدة جارية، وبعد قيامة الرب استُعلِنت محبته الحرة بواسطة رب الحرية نفسه)
الشهادة ليست بالدم
الشهادة بالدم والموت هي أضيق أنواع الشهادة لأنها ليست مُقدَّمًة للجميع لذلك يقول أنبا باخوميوس أب الشَرِكَة ( أنه ليس فقط تقطيع الأعضاء والحرق وحدهُما هما استشهاد بل تعب النُسك واحتمال الآلام والأمراض بشُكر هو الشهادة ”من أجلك نُمات كل النهار “وللشهادة مجالات كثيرة، فالقداسة يمكن أن تُحسب مُساوية للاستشهاد وللقديس يوحنا فم الذهب مفهومًا عام ومُتسِع عن الاستشهاد(وقد يقول قائِل أنه ليس وقت الاستشهاد فماذا أفعل؟ هل تظُن أنَّ الاستشهاد على خشبة فقط هو الذي يصنع الشهيد، لو كان لحُرِم أيوب من إكليله وهو يُماثِل ألف شهيد) و هناك حروب أخرى على المسيحي أن يخوضها كل يوم، نعني بها القِتال ضد الشهوات والصِراع ضد الرغبات، لذلك يسرِد لنا المُؤرِخ الكنسي يوسابيوس القيصري عن الكهنة والشمامِسة والخُدَّام الذين ماتوا بسبب كثرِة زياراتِهِم للمرضى وخدمتهُم بحُب مسيحي فانتقلت إليهم العدوى ومات البعض منهم فهؤلاء يمكن أن يكون قد نَقَصهُم شيء من الاستشهاد
الكنيسة تستنكر
الكنيسة بدورها لاحظت حالة التخندق والانعزال التي تتسرب الى وجدان أبنائها فكان لابد من موقف واضح للكنيسة من تلك الدعوات التي تدعو للهرولة نحو القتل بدم بارد على ايدى ارهابين وجاء موقف الكنيسة على لسان الأنبا رفائيل سكرتير عام المجمع المقدس حيث قال معلقا على الحادث الإرهابي الذى استهدف أقباطًا كانوا فى اتجاههم لزيارة دير القديس الأنبا صموئيل المعترف بالمنيا “صحيح بنحب الاستشهاد لكننا نحب الحياه أيضا، فنحن لا نكره الحياة على الأرض لأن ربنا أوجدنا عليها لكي نعيش فيها وليس لكي نموت، وكون أننا نستقبل الموت بفلسفة روحانية مش معناها إن دمنا رخيص، ومش معناها إننا مش فارقة معانا فنحن لا ننتحر بل نشهد للمسيح سواء بحياتنا أو بانتقالنا للسماء، كما قال الكتاب: فإن عشنا فللرب نعيش وإن متنا فللرب نموت

شاهد أيضاً

“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “

بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.