استيقظت صباح اليوم، محافظة الإسكندرية على فاجعة وهى ميل عقار كامل على آخر فى مشهد قد لا تراه إلا فى مشاهد السينما، وهى مخالفة جديدة فى ملف العقارات المخالفة الذى تغرق فيها محافظة الإسكندرية فى السنوات الأخيرة، ولعله جرس إنذار للمسئولين لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذه الكارثة التى تزهق أرواح المواطنين بدون ذنب، وأسفرت الواقعة عن تشريد 19 أسرة.
تعتبر منطقة الأزاريطة التابعة لنطاق حى وسط بمحافظة الإسكندرية، منطقة من أرقى المناطق بالإسكندرية والتى يعرف عنها أنها مكان لسكن الصفوة، حيث يوجد فى نطاقها كلية طب أسنان وعلى بعد مسافة قريبة من مسجد القائد إبراهيم ومكتبة الإسكندرية، والمفارقة أنها على بعد 120 متر فقط من مقر حى وسط الاسكندرية.
ويعتبر حى الأزاريطة من أرقى وأعرق مناطق الإسكندرية لأسباب عدة أهمها موقعة الجغرافى المتميز والذى يقع فى منتصف محافظة الإسكندرية وهو من أقدم أحياء الإسكندرية، حيث يظهر الفن الرومانى بالبناء الرومانى واليونانى القديم والذى ينتشر فى جميع انحاء الإسكندرية وبالأخص فى وسط الإسكندرية والتى تمثلها.
ويرجع تاريخ إنشاء منطقة الأزاريطة إلى فترة حكم ” محمد على باشا ” حاكم مصر الذى أراد النهوض بمدينة الإسكندرية فأنشأ بها مجلس صحى، إلا أنه وبعد انتشار مرض الكوليرا فكر فى إدخال نظام الحجر الصحى المعمول به فى أوروبا فجمع قناصل الدول وشكل منهم لجنة وأصدر بعدها قرار إنشاء أول محجر صحى يقع بجانب الميناء الشرقى الذى يرسو به سفن الجاليات الأوروبية والأجنبية .
وقد أطلق عليه اسم “لازاريتية” ذات أصل لاتينى نسبة إلى أول محجر صحى تم بناؤه فى فرنسا فى جزيرة “سانت مارى دو نازاريه”، حيث كان يفد إليها القادمون من الشرق فأقاموا هذه المحجر كنوع من الرعاية الصحية . ويشغل مكان المحجر الصحى حالياً مستشفى الجامعة الرئيسى “المستشفى الأميرى “.
وكانت الأزاريطة الحى الملكى “البركيون” أثناء عصر البطالمة الذى ضم المكتبة القديمة والمجمع العلمى “الموسيون” اللذين استمرا يبثان العلم لجميع أنحاء العالم حتى عام 272م، إلى أن أحرق الإمبراطور أوريليان الحى بأكمله بما فيه من معابد ومقابر ملكية.
الجاليات الأجنبية تسكن بالأزاريطة
وكان حى الأزاريطة حى كوزموبوليتانى، حيث عرفت الأزاريطة بسكانها من الجاليات المختلفة، وبالأخص اليونانيين الذين كانوا يمثلون غالبية السكان، واشتغلوا بالتجارة والبقالة، حيث يوجد المربع اليونانى بالحي، وهو يضم المدرسة اليونانية “سالفاجو”، والملجأ اليونانى “مانا”.
وكانت الجالية تجتمع بمقر النادى اليونانى الذى يقف على ناصية شارع «سوتر»، فكانت موسيقى الحفلات الصاخبة تدوى فى أرجاء هذا الحي. وعندما هجروا الإسكندرية عقب ثورة يوليو (تموز) عام 1952، تحولت محالهم إلى ورشات للحرفيين، وورشات قطع غيار السيارات وخاصة فى الجزء الجنوبى منها اما الجزء الشمالى منها فهو الجزء الراقى المطل على شاطىء بحر السلسلة المميز، وسكن بيوتهم المصريون.
إجراءات مشددة لحماية المواطنين
من جانبه، قال الدكتور محمد سلطان، محافظ الإسكندرية، أن المحافظة اتخذت الإجراءات العاجلة لمواجهة واقعة ميل عقار “الأزاريطة” التابع لحى وسط الإسكندرية، حيث تم إخلاء العقار والعقارات المجاورة دون وفيات.
وأشار إلى أنه تقرر إيقاف حركة ترام الرمل فى المنطقة المحيطة بالعقار لمنع حدوث أى اهتزازات من شأنها أن تؤثر على العقار وانهياره، لحين إزالته.
وأكد محافظ الإسكندرية أنه تم تشكيل لجنة هندسية مكونة من لجنة المركز الهندسى بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وشركة المقاولون العرب، لبحث إمكانية إزالة العقار المائل بدون خسائر على العقارات الأخرى المجاورة، حيث سيتم وضع “سنادات” له أولا لإزالته بأمان دون التأثير على العقارات المجاورة.
من جهة أخرى، أكد محافظ الإسكندرية أنه جار توفير أماكن إيواء للأسر التى تم إخلاؤها من العقار والعقارات المجاورة، وتوفير وحدات سكنية بديلة بشكل مؤقت فى المساكن التابعة للمحافظة.
وأكد المحافظ على رفع درجة الاستعداد القصوى بجميع أجهزة المحافظة والمرافق والمستشفيات والدفاع المدنى، وتكثيف تواجد جميع الأجهزة الأمنية من الشرطة والجيش والحماية المدنية والإسعاف بالمنطقة المحيطة بالعقار، مشيرا إلى أنه تم استدعاء كافة أجهزة المرافق (الغاز _المياه_الكهرباء) وذلك لفصل المرافق واتخاذ إجراءات التأمين اللازمة.
على الصعيد نفسه، أكد المحافظ أنه تم اتخاذ جميع الإجراءات لتجهيز أماكن عاجلة لتسكين الأسر بعد إخلائهم من منازلهم والتنسيق مع التضامن الاجتماعى لتدبير كافة احتياجاتهم.
وأوضح المحافظ أنه تم فتح باب التحقيقات حول واقعة العقار المائل، لمعرفة أسباب حدوثها، مؤكدا أنه سيتم تحويل جميع المقصرين والمتسببين فى ذلك للمساءلة القانونية والمحاكمة الفورية، ومؤكدا أن الحفاظ على أرواح المواطنين أولى مسئوليتنا.
صدور قرار إزالة للعقار ولم ينفذ
من جانبه، أكد المهندس على مرسى، رئيس حى وسط الإسكندرية، أن سكان العقار حصلوا على رخصة لإنشاء طابق أرضى، ودورين علويين، إلا أنهم ارتفعوا بها حتى 13 طابقا، دون أن يتم معرفة المالك الحقيقى للعقار
وأضاف رئيس الحى أن قرار الأزاريطة المائل، قد صدر له قرار إزالة وإخلاء من السكان منذ عام 2004، ولم يتم تنفيذه لرفض السكان الإخلاء.
وأشار إلى أن عدد الأسر التى تضررت من العقار نحو 19 أسرة بالعقار المائل والعقار المقابل له وتم الإخلاء دون إصابات أو وفيات، وجار توفير مسكن بديل لهم فى مساكن طوسون، وفقا لتوجيهات الدكتور محمد سلطان محافظ الإسكندرية.
لجنة هندسية برئاسة عميد كلية الهندسة
وفى نفس السياق، قال الدكتور عبدالعزيز قنصوة، عميد كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، إنه فور ميل عقار الأزاريطة تم تشكيل لجنة من هندسة الإنشاءات بالكلية وعدد من المتخصصين من أعضاء هيئة التدريس، لمعرفة أسباب انهيار العقار ولتقديم الدعم الكامل بالتعاون مع المحافظة فى إطار دور الكلية للمجتمع.
وأضاف أن اللجنة تبحث حالياً طريقة لهدم العقار المائل بطريقة آمنة وسيتم البدء فيها، نافيا استخدام المواد المتفجرة فى هدم العقار كما أشيع على مواقع التواصل الاجتماعى.
وأكد أن اللجنة مكونة من عدد من خبراء الهندسة الإنشائية منهم الدكتور ناصر درويش، والدكتورة عبدالعزيز محمود، والدكتور سعيد علام، والدكتور خالد جعفر، أساتذة متخصصين فى الهندسة الإنشائية، موضحاً أنه تم إخلاء جميع العقارات المجاورة للعقار حرصاً على سلامتهم لحين اتخاذ قرار الهدم.
نقابة المهندسين تقرر سحب رخصة مزاولة المهنة من المتسبب
أكد المهندس عمرو بندق، وكيل نقابة المهندسين بالإسكندرية ورئيس لجنة حماية المهندسة، أن النقابة تتخذ إجراءات مشددة تجاه مهندسى الأحياء بعد ثبوت تورطهم مع المقاولين وقد تصل إلى سحب ترخيص مزاولة المهنة نهائياً.
وأضاف أن عقار الأزاريطة الذى مال فجر اليوم، هو حالياً قيد الدراسة فى الإدارة الهندسة لنقابة المهندسين لبحث أسباب ميله مع كل الجهات وسيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة فيه فور صدور قرار من اللجنة.
وأشار إلى أن لجنة حماية المهنة حالياً فى اجتماع مغلق مع مهندسى حى الجمرك لبحث مشاكل مهندسين الأحياء، مؤكداً أن النقابة تقف بجوار المهندسين ولكن فى الأخطاء تقف ضده وذلك فى إطار دور حماية المهنة.
طلب إحاطة عاجل لمجلس النواب
وفى السياق ذاته، قال النائب حسن خيرالله، عن دائرة العجمى والدخيلة بالإسكندرية، أن الانتهاء من قانون البناء الموحد خلال شهرين، موضحا أنه سيحل أزمة البناء المخالف وسيكون رادعاً للمخالفين.
وأضاف أن القانون جارى مناقشته فى لجنة الإسكان منذ 6 أشهر وهو القانون رقم 119 لعام 2008، يتضمن تسهيل إجراءات الترخيص، بالإضافة إلى معاقبة المخالفين حتى يكون رادعاً للعقارات المخالفة بالإسكندرية وجميع المحافظات.
وأشار إلى أن عقار الأزاريطة المائل هو مخالفة صريحة للقانون وهو متواجد خلف حى وسط المسئول عن التصاريح ومراقبة العقارات، وهو على مساحة 50 مترا وتم بناء عليه 12 دور مما كان يعرض حياه المواطنين للخطر، مطالبا بمحاسبة المتسببين فى انهيار العقار المخالف واتخاذ كافة الإجراءات القانونية.
وأكد النائب كمال أحمد، عن دائرة العطارين بالإسكندرية، أنه سيتقدم بطلب إحاطة لمجلس النواب لمحاسبة المتورطين فى ميل عقار الأزاريطة بالإسكندرية ومعاقبة كل من تسبب فيه، بالإضافة إلى فتح التحقيق فى العقارات المخالفة والأهمال داخل الأحياء.
وأضاف أن ميل العقار هو نتيجة للإهمال الجسيم داخل المحافظة والأحياء والفساد منذ عشرات السنين وهذه النتيجة النهائية للإهمال هو فقدان الأرواح .
وشدد النائب أنه لا يمكن التصالح مع المخالفين والشعب لا يقبل المصالحات فى هذه المخالفات التى تهدر الأرواح، مؤكداً أن تطبيق القانون هو الحل الأنسب لمعاقبة المخالفين والفاسدين فى الأحياء حتى يكونوا عبرة لغيرهم .