لم يكن ما قاله شيخ الأزهر الدكتور احمد الطيب في مؤتمر السلام العالمي جديداً، فهو نفسه قد كرره عشرات المرات، والعالم كله يعرفه باعتباره حقيقة تاريخية، وهي أن كل الأديان الإبراهيمية ( الإسلام، المسيحية، اليهودية) قد مارس بعض من يؤمنون بها العنف والإرهاب. بل ونمد الخط على استقامته ونقول أن كل الأيديولوجيات العقائدية مارس بعض من يؤمنون بها الإرهاب، منها الشيوعية، والنازية وغيرها وغيرها.
لكن الذي لم يقله شيخ الأزهر ورجاله وانصاره، هو أن هذا ليس مبرراً كافياً للرد على أن هناك ارهابيين مسلمين، ينطلقون من مقدسات اسلامية. فليس منطقياً عندما اسألك لماذا يسرق ابنك مثلا، أن يكون ردك: ابني ليس الوحيد، فهناك عائلة فلان وفلان وعلان فيها ايضاً لصوص. فهذا بشكل أو اخر تبرير للسرقة.
الأمر الثاني هو أن اغلب من يقتلون غيرهم على اساس ديني هم مسلمون، فهم يدهسون ويقتلون ويحرقون غيرهم من غير المسلمين في مكل مكان في العالم. من النادر أن تجد مثلاً مسيحياً أو يهودياً حمل سلاحه في اعقاب أي هجون ارهابي من مسلم، ودخل تجمع لمسلمين في مسجد أو مركز أو غيره وقتلهم انتقاماً لأنهم مسلمين. واذا حدث ذلك فهي استثناءات نادرة، مثل حادث الإعتداء الإرهابي علي مسجد في مدينة كيبيك الكندية.
لقد توقف المؤمنين بالأديان الإبراهيمية الأخرى عن استخدام الإرهاب ضد المختلفين معهم في العقيدة، والسبب أنهم دفعوا ثمناً غالياً ودماءاً غزيرة حتى وصلوا الى “الإصلاح الديني” وهو مشوار ومدارس واتجاهات كثيرة، انتهت الى نزع العنف والإرهاب من الخطاب الديني. منها مثلاً التعامل مع النصوص التي تتضمن عنفاً باعتبارها ليست امراً الهياً للمؤمن عليه تنفيذها، لكن قصصاً وليست تاريخاً، الهدف منها العظة.
اعرف أن ما قاله الشيخ الطيب لاقي استحساناً، ربما انعكس في التصفيق الحار عندما دخل الي قاعة الإحتفال بعيد العمال. فهذا سببه أنه يريحك كمسلم ويريحني كمسلم، وينقلنا من خانة مواجهة الحقيقة الى خانة انكارها، ومن ثم نرتاح الى الأكاذيب الحقيقية، أي التي تقول نصف الحقيقة وتخفي النصف الآخر. فنحن كمسلمين نعيش حالة انكار شبه كامل، نرفض بعنف الإعتراف بأن لدينا مشكلة علينا مواجهتها، لذلك نهرب مختفيين وراء مقولات مثل التي يرددها الأزهر ورجاله.
الأكذوبة الحقيقة الأخرى التي كثيراً ما يرددها الأزهر ويرددها الكثير من الإسلاميين في كل مكان في العالم، هي أن الإرهاب ليس له اسباباً دينية، ولكن سياسية واقتصادية واجتماعية .. والخ وأنه في مصر وفي الشرق الأوسط هو رد فعل على “الغرب” الذي يريد استعمار وتدمير ونهب لادنا.
للكن للأسف هذا غير صحيح، فهناك الاف من المسلمين الذين يعيشون مرفهين في مجتمعات غربية حرة التحقوا بادعش وبالتنظيمات الإرهابية. وبالتالي من الصعب أن نستريح لأن الإرهاب ليس له اسباباً دينية. واذا كان المسلمين يتعرضون في الشرق الأوسط ل”ظلم الغرب” فهناك اقليات دينية اخري تتعرض لنفس الظروف، مسيحيين ويزيديين ودروز وغيرهم وغيرهم، ومع ذلك لم يحمل احداً منهم السلاح لقتل غيره لأنه مختلف معه دينياً.
بدون لف أو دوران نعرف جميعاً أن هناك نصوصاً مقدسة هي الأساس الديني الذي ينطلق منه الإرهابيون المسلمون، ساعطيك مثالاً يحتاج الى حل جذري مثل الحديث المنسوب الى النبي (ص) من بدل دينه فاقتلوه” أو الآية القرآنية “ قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون “. وهناك تاريخاً مقدساً نتج عنه ما يسميه الدكتور مختار الشنقيطي (الفقه الإمبراطوري)، وهو كما تعرف يستند الي الغزو والإحتلال والسبي وغيره. على امتداد تاريخ المسلمين هناك اجتهادات عظيمة للخروج من هذا السجن الذي يدمر حياة المسلم وغير المسلم، لكن للأسف يتم محاربتها من حكام ومن رجال دين، ومن مؤسسات دينية مثل الأزهر.
سعيد شعيب
saiedshoaaib@gmail.com
الوسومسعيد شعيب