كان ذلك في بدايات تأسيس مؤسسة اليوم السابع في عام 2007 تقريباً، وجدنا رئيس التحرير صديقي خالد صلاح يقدم لنا شاباً بشوشاً اسمه اسلام بحيري، يرتدي الجينز وقميص مفتوح، واصفاً إياه بأنه كنز. كان بالفعل كنز كبير، كان باحثاً متميزاً يحل الكثير من المشاكل التي تقلق كثير من المسلمين، ينزع عن الدين ما علق به من سوءات. منها مثلاً ان النبي محمد عليه الصلاة والسلام خطب السيدة عائشة وهي طفلة تلعب وعمرها 6 سنوات، ودخل بها وعمرها 9 سنوات. فكيف يمكن لمسلم طبيعي أن يتقبل ما يقوله جيوش المبررين من شيوخ وازهريين وسلفيين واخوان وجماعات وغيرهم وغيرهم، منها مثلاً أن طبيعة منطقة الجزيرة العربية الحارة، حيث تنضج البنات بسرعة! هذه حلها بحيري بدراسة تاريخية موثقة تثبت أن نبينا ليس مغتصب للأطفال، فقد تزوج السيدة عائشة وعمرها 18 عاماً. لايوجد مسلم طبيعي يمكن أن يستريح لفكرة أن من حقك أن تدخل الدين الإسلامي، لكن ان تركته، فسوف نقتلك، طبقاً للحديث الشهير “من بدل دينه فاتلوه”. فاثبت بحيري أن هذا الحديث مشكوك فيه، ولا يجوز أن نتبعه، كما أنه يتناقض مع القرآن الكريم ( لكم دينكم ولي دين). ليس هذا فقط، ولكن الكثير من المشاكل التي شرحها فبتوسع في برنامجه الشهير علي قناة القاهرة والناس، ومن اهمها أن المسحيين ليسوا كفره، وأن الكفار تنطبق على من وقفوا ضد النبي عليه الصلاة والسلام بالسلاح وقتها، وليس الآن. كان اسلام دقيقاً، كنت اراجع معه (كنت وقتها مدير تحرير موقع اليوم السابع الإلكتروني الشهير) بالكلمة والحرف تليفونياً حيث كان يعمل بالكويت، ولم تكن وسائل الإتصال بالسهولة التي عليها اليوم. كان هذا الشاب كنزاً صحفياً، المشاكل المؤلمة التي يناقشها كانت تحقق شعبية هائلة وتحقق اعلى زيارات على موقع اليوم السابع الوليد، ولا ابالغ اذا قلت أن كتاباته كانت احد اسباب النجاح. ولعبت دوراً هاماً في تأكيد طابع المؤسسة أو سياستها التي وضعها خالد صلاح. كانت السياسة التحريرية ترتكز على أن اليوم السابع تتسع فعلاً لكل الأخبار والآراء، مع تغليب التوجة “المدني” الذي نحلم به للدولة المصرية. ربما كان خالد اكثرنا تقديراً لإسلام بحيري وقتها، فهو قادم من خلفية دينية عقائدية قوية، ويعرف قيمة ما يفعله اسلام، لذلك كان جعله يشاركنا في مجلس التحرير، وكان يشاركنا في مناقشة كثير من الأمور عندما يأتي في زيارة الى مصر. اليوم السابع تجربة استثنائية اتمنى من الله أن يعطيني الصحة والوقت لكي اكتب عن مشاركتي في تأسيسها، كيف كانت ادارة التحرير، علاقتها بمن حكموا مصر، علاقتها بمراكز القوة السياسية وغير السياسية، علاقاتها الداخلية، علاقاتها الإستثنائية بمن تملكوها، تجربة غنية، جزء من تاريخ مصر يحتاج الى من يرويه. كان اسلام جزءً من حلم اليوم السابع، وكان كنزاً للزملاء والزميلات، فهم مثل الكثير من القراء يبحثون عمن “يصالحهم علي دينهم ودنياهم”، دائماً تجد مجموعة من الزملاء والزميلات ملتفون حول، يطرحون عليه اسئلتهم القلقة والتي مصدرها انزعاجهم من “اسلام الشيوخ”، الذي لا يصدقه أو يتجاهله كثيراً منهم، لكنه لا يجد الأساس الديني الذي يستند عليه ويرتاح. اسلام منحهم هذا الأساس الديني. ضاقت مصر وضاقت اليوم السابع التي كانت تتسع لنا جميعاً، اسلام بحيري في ظل هذه التقلبات، حافظ على مشروعه وقاتل من اجله، لم يغير حتى طريقة ملبسه ولا طريقة كلامه، بسيط وواضح ويذهب مباشرة الى قلب القضية بدون لف أو دوران. ربما هذا هو ما منحه كل هذه الشعبية، فيمكنك القول أنه أول مجدد مسلم جعل تجديد الإسلام مطلباً شعبياً. نقل الدين المسجون في كهنوت ومصالح الشيوخ والمؤسسات الدينية والحكام الى الشارع، اصبح البخاري الذي نقسم به، موضوعاً للنقاش في كثير من البيوت. اختلف وتختلف مع اسلام كثيراً أو قليلاً، لكنه في كل الأحوال طاقة نور وامل، حرر الإسلام واعاده الى المسلمين. هذه هي معجزة اسلام. ربنا يحمي صديقي الغالي.
سعيد شعيب