عمقت تصريحات الرئيس السوداني عمر البشير من التوتر الذي يسود العلاقات المصرية السودانية، بعد وصفه لمصر بالقوة المحتلة لأراض من بلاده، في إشارة إلى مثلث “حلايب وشلاتين وأم رماد”، الذي يزعم السودان تبعيته له.
وجاء الموقف السوداني الداعم لإثيوبيا خلال الجولة الرابعة عشرة لاجتماعات حوض النيل التي شهدت خلافات جذرية خلال 3أيام من انعقادها، ليعكس التباين الشديد في المواقف، بعد قدم أبلغ إشارة على انحياز الخرطوم لأديس أبابا.
إذ اقتصرت مواقف المسئولين السودانيين على طلب الحصول على ضمانات إثيوبية بتقديم الكهرباء للسودان بأسعار تفضيلية دون التطرق للأمن المائي لدولتي المصب.
وعمق فشل الجولة الرابعة من اجتماعات الدول الثلاثة في التوصل لحلول في ملف تشغيل سد النهضة والسعة التخزينية وقواعد ملء الخزان من العزلة التي تعاني منها مصر خلال المفاوضات، والعجز عن التعامل مع المماطلة الإثيوبية، وانحياز الخرطوم للموقف الإثيوبي الذي يضر بمصر.
تصريحات الرئيس البشير، وفرض الخرطوم عقوبات اقتصادية على مصر ومنع عشرات الشاحنات التي تحمل منتجات مصرية، فضلاً عن فرض تأشيرة دخول علي المصريين من سن 18 إلى 50، وضع علاقات البلدين على حافة الهوية، خصوصًا مع تزامنها مع تأجيل زيارة كان يعتزم وزير الخارجية سامح شكري القيام بها للخرطوم، لتسوية الخلافات، وبعد أن خفقت دبلوماسية “الهاتف” في تسوية الخلافات بين وزير الخارجية سامح شكري ونظيره السوداني إبراهيم غندور.
ودفع توتر العلاقات بين القاهرة والخرطوم، دولاً عربية للدخول على خط الأزمة لتنقية علاقات البلدين مما لحق بها من شوائب.
وطالبت عاصمة خليجية الخرطوم بإبداء خطوات تثبت حسن النية في علاقاتها مع القاهرة، وهو ما اصطدم بإصرار سوداني على ضرورة انسحاب القوات المصرية من “حلايب وشلاتين”، أو إعلان القاهرة عن قبولها بمبدأ التحكيم الدولي لتسوية النزاع، فضلاً عن تقديم تنازل في ملفات أخرى.
وعرضت الخرطوم على العاصمة الخليجية وثائق تثبت أحقيتها في “حلايب وشلاتين”، باعتبارها أراض سودانية، الأمر الذي لاقى ارتياحًا وتقديرًا من جانب الوسيط الخليجي.
وشددت الخرطوم على ضرورة انسحاب مصر من المثلث الجنوبي كشرط لتليين موقفها فيما يتعلق بملف سد النهضة، وتعهدت بالتدخل لدى أديس أبابا في مسألة تشغيل سد النهضة وطرق ملء الخزان.
إلا أن شروط الخرطوم لتطبيع علاقاتها مع القاهرة لم تجد أي صدى لدى المسئولين في مصر، الذين أبلغوهم باستحالة التنازل عن حبة تراب واحدة من “حلايب وشلاتين”.
يأتي هذا في الوقت الذي أبدت فيه القاهرة ضيقًا من انحياز عواصم خليجية ترتبط بعلاقات وثيقة بها للخرطوم في الأزمة.
يأتي ذلك في ظل الشكوك التي تحكم علاقات القاهرة بهذه العواصم، فيما نجح السودان في تسويق نفسه كحليف يمكن الاعتماد عليه بعد قيامه بإرسال قوات برية تحارب إلى جانب قوات التحالف العربي في اليمن، بينما تحفظت مصر على الأمر.
زاد الغضب المصري من إخفاق عاصمتين خليجيتين في إقناع السودان بتغيير موقفه من ملف حوض النيل من تأزم موقف مصر، خاصة وأن المسئولين المصريين تكرست لديهم قناعة بعدم جدوى الرهان على دعم سوداني في الصراع مع إثيوبيا.
ولا تنحصر المطالب السودانية في مسألة “حلايب وشلاتين”، بل تتعلق بفرملة التقارب بين القاهرة وجوبا، وبذل القاهرة جهود لرفع جميع العقوبات الاقتصادية عن السودان وحذف اسمه نهائيًا من قوائم الإرهاب.
من جانبه، حمل السفير معصوم مرزوق مساعد وزير الخارجية السابق القيادي، في “تيار الكرامة”، القيادة السودانية مسئولية التدهور الذي تشهده العلاقات مع القاهرة.
وقال إن “البشير اعتاد على الفرار إلى الإمام من مشاكله الداخلية، وذلك بافتعال النزاع مع مصر من حين لآخر بشأن الحدود، والحقيقة التي يعرفها الجميع بما في ذلك الأشقاء في السودان أن خط عرض 22 هو الحدود بين البلدين، وتاريخيًا كان السودان كله تحت السيادة المصرية”.
وفيما يتعلق بسد النهضة، شدد مرزوق على أن “المصلحة تقتضي من الأشقاء السودانيين التنسيق مع مصر، لأن أي أضرار تترتب علي بناء هذا السد سوف تصيب البلدين، كما أن هناك ترتيبات أخرى تتعلق بإدارة المياه المشتركة تتطلب استمرار هذا التنسيق”.