بقلم: المحامي نوري إيشوع
في صباحاتِ الخريف الباردةِ، أستيقظ عند الصباح الباكرِ، على حفيفِ تساقط وريقات الأشجار الحزينة التي تهجرها
أثوابها الجميلة فتخلعُ عن أغصانها أجمل حللها الطبيعة، فتفرشُ الطرقات التي لا ترحم، لتصبح مداساً لكلِ قدمٍ بعد
أن كانت تزهو فخورةً في الأعالي وهي ثابتة مع المئات من أخواتها.
تذكرني تلك الوريقات المتساقطة، بالحالة المزرية التي وصلنا إليها من ضياعٍ وفرقة، فأصبحنا كأوراقِ الخريف مبعثرين على طرقاتِ الغربة و دروب المهاجر الذي قرر الهجرة حتى قبل أن تهبَ رياحَ الشتاء.
تذكرني تلك الوريقات الخريفية المتمردة غصباً عنها، عن تشريدنا في جميعِ أصقاع المعمورة وأجبارنا على طرق
أبواب الدول التي شاركت وبشكلٍ مباشر بأقتلاعنا من أرضنا، ليقتلوا حضارتنا و يطمسوا تاريخنا، فأباحوا دمائنا
ولوثوا طهارتنا وهتكوا اعراضنا جزاءً لنا على ما قدمه أجدادنا من علومِ وآدابِ و طبِ وفلكِ للعالم أجمع وطبقوا
مثلنا العامي القائل: (الأباء ياكلون الحصرم والأولاد يضرسون)! فدفعنا نحنُ الضريبة ونحن أهلها مادام الأمرُ جلل
ويتعلق بمصيرنا وتاريخنا، كلنا يتشرف ويفتخر بما قدمه أجدادنا الميامين ولنُضرس ملايين المرات مادام الهدفَ
نبيلاً رغم عدوانية الغاية.
تذكرني تلك الوريقات الخريفية، بسقوطِ قناعِ الدول الداعية إلى الديمقراطية والحرية الأرضية المزيفتين، فشرعوا
لنا أبوابهم على مصراعيها بعد أن أغلقوا أبوابنا ، فرشوا لنا أراضيهم، سجاداً احمراً، سموه: الأعتبارات الأنسانية
بعد أن قتلوا فينا أنسانيتنا وحطموا قلوبنا ودفنوا آمال أطفالنا وأغتصبوا أرضنا وسلموها لأعداء الإنسانية، عربونَ
وفاء لتنفيذهم مشاريعهم الشيطانية.
يذكرني تساقط أوراق الخريف بضياعنا في بلادِ الأغتراب الذي شتت عوائلنا، ففرقت ألأباء عن الأبناء وأبعدت
الأخوة والأخوات ناهيكم عن الأهل وألأصحاب الذين ضاعوا في الشتات بعد أن احتل بلادنا العبيدِ والكلاب.
رغم الحزن، رغم الغربة، رغم الفراق، رغم تبعثرنا كأوراقِ الخريف، آمالنا باقية لا تموت
وكلنا ثقة بأن الربيع الحقيقي، (وليس العربي، الغربي) قادم والأشجار سوف تخضر و يعود لها رونقها
وجمالها و سوف تكسوها أوراقها الوردية العطرية، لتعطيها جمالا وحياةً أبدية.
رغم الحزن أرى صورةَ حبيبتي مرسومةَ على أوراقي الصباحية المتساقطة كل صباح فيعود لي الأمل وترتسم على
شفتي بسمة أمل، لتبشرني بغدٍ أجمل، مادام الحبَ عنوانه ومادامت الحبيية رسمه وعبيره. أحبك أيها الخريف لأنك
ذكرتني بأهلي ووطني واصدقائي ورفاقي وبعد أن زينكَ رسمَ حبيبتي الملائكي.