ما بين عامي 1871-1872 ظهرت عدة تقارير في بوسطن تفيد بأن العديد من الأولاد تم استدراجهم إلى مناطق نائية , وأوضحت التقارير بأن الأطفال تعرضوا لهجوم عنيف , ومع ذلك فطوال تلك الفترة لم يشتبه بأحد . ورغم أنها لم تكن هجمات قاتلة , إلا أنها كانت جديرة بالذكر بسبب حجم الوحشية التي أستخدمها المعتدي على هؤلاء الأطفال , فقد تم تهشيم وجوهم بقبضة اليد , وجلدوا بواسطة الحزام , وفي حالتين على الأقل تم استخدام سكين .
ومع أن جميع الأطفال الذين تعرضوا للهجوم أجمعوا على أن المهاجم كان طفلا يكبرهم بقليل , إلا أن الشرطة لم تقبض على أحد .
ربما تكون طبيعة المعتدي والضحايا , كونهم جميعهم أطفال , قد دفعت الشرطة للتسامح في متابعتها للقضية , وهكذا فأن المعتدي , وهو فتى في الثانية عشر من عمره يدعى جيسي بومروي , ظل طليقا .
بومروي كان الأبن الثاني للسيدة روث آن بومروي , وكان له شقيق يكبره بعامين .
في عام 1872 أنتقلت روث بومروي مع أبنيها إلى جنوب بوسطن , هناك تواصلت هجمات بوميروي على الأطفال إلى أن ألقي القبض عليه أخيرا وهو متلبس , ومثل أمام قاضي محكمة الأحداث الذي أصدر حكما بتحويله إلى إصلاحية ليمان الداخلية للبنين حتى يبلغ من العمر الثامنة عشر . وقد غطت عدة صحف قضية بومروي ومنها صحيفة بوسطن غلوب ونوهت في السطر الأخير قائلة عنه :”عموما فقد وجد أن الصبي قاصر عقليا” .
أفرج عن بومروي بعد أقل من عامين في فبراير 1874 ورجع إلى أمه وأخيه في جنوب بوسطن حيث افتتحت والدته متجر خياطة خاص بها هناك , أما أخيه الأكبر تشالرز فقط كان يبيع الصحف .
في مارس عام 1874 اختفت فتاة في العاشرة من عمرها تدعى كاتي كوران وأصبحت في عداد المفقودين , ومن جهة أخرى تم العثور على جثة مشوهة لطفل يدعى هوراس ميلن ويبلغ من العمر اربعة اعوام في مستنقع دورشستر باي . وعلى الفور , سعى المحققون وراء بومروي , على الرغم من عدم توفر أدلة تدل على تورطه في الجريمة .
وفي وقت لاحق , تم العثور على جثة كاتي كوران في الطابق السفلي من متجر خياطة الملابس الذي يعود لروث بومروي وكانت جثتها مخبأة على عجل وبلا مبالاة بين النفايات .
#
تم أخذ بوميروي لتفقد جثة الطفل ميلن وسئل عما إذا كان هو من قتله تحت الضغط والتهديد , فأعترف , فبدأت المحاكمات ورفض بوميروي الحق في الاستعانة بمحامي , ومثل بوميروي أمام القضاء الأعلى في 9 – 10 ديسمبر من عام 1874 حيث وجهت له تهمة القتل من الدرجة الأولى , وتم إعلان بوميروي مذنبا في 10 ديسمبر 1874 مع توصية بالرحمة من لجنة التحكيم وذلك لصغر سن المتهم , لكن يبدو أن تلك التوصية لم تجد أذانا صاغية , إذ تم الحكم على جيسي حكما أستثنائيا – لصغر سنه – في فبراير 1875 بالشنق حتى الموت .
هنا بقي على حاكم الولاية توقيع مذكرة الإعدام لكي ينفذ الحكم , لكن الحاكم وليام غاستون رفض التوقيع , وعندها لجأت السلطة القضائية لنظام التصويت في مجلس الولاية من أجل التصديق على الحكم . وكان الحاكم بحاجة لأغلبية بسيطة في المجلس من تسعة أصوات لتخفيف حكم الإعدام , لكن الحاكم فشل في الحصول على هذه الأغلبية في تصويتين , ومع ذلك رفض مجددا التوقيع على حكم الإعدام . وفي أغسطس 1876 صوت المجلس للمرة الثالثة , وهذه المرة حصل جيسي على تخفيف الحكم إلى السجن المؤبد في زنزانة انفرادية , وكان حينها يبلغ من العمر 16 سنة .
خلال سنوات السجن زعم بوميروي انه تعلم عدة لغات بما فيها العبرية , وزاره طبيب نفس ألماني فدهش من تحدثه الألمانية بطلاقة , وكذلك أخذ جيسي يكتب اشعارا وقصائد , ودرس كتب القانون وقضى سنين يكتب عرائض قانونية من أجل إبطال محكوميته والحصول على عفو , كما أقدم مرات عديدة وبإصرار عجيب على الهرب , حيث وجد في زنزانته ادوات يدوية للهرب كالحبل وادوات الحفر , وفقد بوميروي عينا بعد محاولة منه لتدمير جانب من زنزانته بإعادة توجيه الانابيب التي تمد السجن بالغاز .
في عام 1917 , بعد 41 عاما قضاها وحيدا في السجن الانفرادي سمح لجيسي أخيرا بالخروج إلى باحة السجن والاختلاط ببقية السجناء . لكن لم يطلق سراح جيسي أبدا , ولعله الشخص الوحيد في التاريخ الذي قضى عمرا كاملا , من الطفولة إلى الشيخوخة , في السجن .
في السنوات الأخيرة من عمره جرى نقله إلى مصحة عقلية حيث مات هناك في 29 سبتمبر 1932 . ويعد جيسي أصغر شخص أدين بجريمة قتل من الدرجة الأولى في ولاية ماساتشوستس الأمريكية
محمد السيد طبق
الوسوممحمد السيد طبق
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …