بدأت شخصيات مصرية عامة مساع لإنهاء حالة التوتر بين الرئاسة والأزهر، عبر وقف مشروع قانون مزمع مناقشته في مجلس النواب، ينتقص من صلاحيات شيخ الأزهر ويهدد استقلاليته.
وتسعى شخصيات مصرية مقربة من مؤسسة الرئاسة تأدية دور الوساطة لإنهاء حالة التوتر الشديد في العلاقة بين «عبد الفتاح السيسي»، وشيخ الأزهر «أحمد الطيب».
وشهدت العلاقة بين «السيسي» و«الطيب» توتراً ملحوظاً أخيراً، لا سيما بعد رفض هيئة كبار العلماء حديث «السيسي» عن عدم وقوع الطلاق الشفهي، وسبقها اختلاف وجهات النظر بين المؤسستين حول مسألة تجديد الخطاب الديني، وتكفير تنظيم «الدولة الإسلامية»، والخطبة الموحدة.
وعقب العمليات الإرهابية التي استهدفت كنيستي «مار جرجس» و«مار مرقس»، الشهر الماضي، بدأت الانتقادات العنيفة تنهال على مؤسسة الأزهر، لتتهمها بالتقصير في مسألة تجديد الخطاب الديني، ومواجهة أفكار التطرف، وتجاوزت انتقادات البعض لتتهمه بانه مفرخة للإرهاب والإرهابيين.
وتوسعت حملة الهجوم على مؤسسة الأزهر لتشمل المناهج التي تدرس في المعاهد الدينية وكليات جامعة الأزهر، والتي اعتبرها موالون للنظام الحالي أنها تربي أجيالاً عنيفة.
وساطة
وقالت مصادر قريبة من دوائر اتخاذ القرار، إن بعض الأطراف في الدولة وشخصيات قريبة من مؤسسة الرئاسة تحاول الوساطة بين «السيسي» و«الطيب» خلال الفترة الحالية.
وأضافت المصادر، أن تلك المحاولات تهدف لتهدئة الأمور بين مؤسستي الرئاسة والأزهر خلال الفترة المقبلة، ووقف التصعيد المتبادل من الطرفين.
وتابعت أن «الأزهر طالب صراحة بوقف الهجوم الإعلامي الممنهج عليه وتوجيه الاتهامات له بعدم المضي قدماً في مواجهة تجديد الخطاب الديني».
ولفتت إلى أن «الأزهر وفي إطار تعديل مناهجه، أصدر عدة كتب لتوضيح مسألة تعديل المناهج وما تم تعديله وما لم يتم تعديله مع شرح أسباب كل خطوة تم القيام بها في هذا الصدد».
وشددت المصادر على أن «حالة غضب شديدة انتابت مؤسسة الأزهر بالكامل وليس الطيب وحسب، وحاول بعضهم التدخل عبر اتصالات مع جهات في الدولة لوقف الهجوم المتعمد على الأزهر»، وفق المصادر.
وأشارت المصادر، إلى أن هذه المحاولات تلاقت مع رغبة شخصيات قريبة من مؤسسة الرئاسة، في محاولة احتواء الأزمة، وعدم تفاقمها خوفاً من ردة الفعل من قبل مؤسسة الأزهر.
واعتبرت المصادر ذاتها أن «السيسي» غاضب من إدارة مؤسسة الأزهر بهذه الطريقة التي لا تتخذ موقفاً واضحاً تجاه الجماعات الإرهابية لدعم الدولة في مكافحة الإرهاب، ومن عدم اتخاذ خطوات جادة في تجديد الخطاب الديني.
وشددت على أن «السيسي» كلما يطرح مسألة على «الطيب» يجد رفضاً لها، وليس فقط حين يتعلق الأمر بمسألة الطلاق الشفهي، حتى إنه عبّر عن تذمره في إحدى المرات قائلاً: «أتعبتني يا فضيلة الإمام»، وفق ما أوردت المصادر.
وحول ما يمكن أن تسفر عنه محاولات الوساطة، وعدم المضي في تمرير مشروع قانون للنائب «محمد أبو حامد»، لتعديل قواعد اختيار شيخ الأزهر، وفترة استمراره في المنصب التي لا تتجاوز 12 عاماً مقسمة على فترتين.
أوضحت أن هذا الأمر لم يتم النظر فيه حتى الآن، ولكن الاتصالات مستمرة لوقف هذا المشروع، وهو ما سيتضح خلال الأسبوع المقبل.
تخوف أزهري
ولكن هيئة كبار العلماء تخشى من تكرار نفس سيناريو تمرير مشروع قانون لتعديل قواعد تعيين رؤساء الهيئات القضائية، وتمرير مشروع قانون «أبو حامد».
وقال أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، إن التخوّفات تتلخص في إبداء مؤسسة الرئاسة ومجلس النواب مرونة في رفض أو تعديل مشروع قانون «أبو حامد»، تحت ذريعة منع الصدام مع مؤسسة الأزهر، ولكن فجأة يوافق البرلمان ومن خلفه يصادق «السيسي» ويصدر القانون رسمياً وينشر في الجريدة الرسمية، ليقطع الطريق على أي محاولة ضغوط عليه.
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء، متسائلاً أنه «على افتراض وجود قصور في أداء مؤسسة الأزهر، فما علاقة تعديل قواعد اختيار شيخ الأزهر بهذا الأمر؟».
واعتبر أنه «كان يمكن الاقتصار على التعديلات التي تتعلق بجوهر أي عملية إصلاح حقيقي وفقاً لرؤية مقدّم مشروع القانون»، بحسب قوله.
وتابع أن مشروع القانون المنتظر يتعلق في الأساس بشخص «الطيب»، وهو أمر معيب ويؤكد رغبة السلطة التنفيذية في السيطرة على كل مؤسسات الدولة، إذا ما وضع في الاعتبار الإطاحة بالمستشار «هشام جنينة» من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات، وتعديل قواعد اختيار رؤساء الهيئات القضائية، على حد تعبيره.
وشدد على أن الأزهر بذل جهوداً حثيثة لمراجعة المناهج، وما يظهر من التباس قد يؤدي إلى تغيير معنى في ما يتعلق بقضايا العنف والتكفير، يتم تعديله أو حذفه حسب أهمية المسألة، بحسب تأكيده.
وعلى الرغم من أن «الطيب» كان أحد أبرز الداعمين للانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وشارك في البيان الذي ألقاه «السيسي» حينما كان وزيرا للدفاع آنذاك للإعلان عن خارطة الطريق، في مرحلة ما بعد «محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب في البلاد، فإن حملات الهجوم الإعلامي تتواصل ضده، وسط إشارات رئاسية تؤكد عدم الرضا عن أدائه، بل وتلمح إلى تهميشه، وربما التخطيط في إقصائه من المشهد، وذلك عقب تشريعات برلمانية.