د.ماجد عزت إسرائيل
قام قداسة البابا فرانسيس Franciscus رقم 266 فى عداد تاريخ بابوات الكنيسة الكاثوليكية،وأيضًا خليفة القديس بطرس الرسول وأسقف مدينة روما،وكذلك سيد وملك دولة الفاتكان،بزيارة تاريخية لمصر ما بين 28 -29 إبريل2017 م،بناء على دعوة رسمية من الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، وجاءت تلبية الزيارة عقب تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية فى أحد الشعانين(أحد الزعف) والتى راح ضحاياه نحو أكثر من 45 شهيداً، لتقديم واجب العزاء لرئيس مصر وقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية رقم 118 فى تاريخ بطاركة الكنيسة القبطية الإرثوذكسية،وإلقاء كلمة بمؤتمر السلام بمشيخة الأزهر الشريف بدعوة الدكتور أحمد الطيب،ومشاركة أبناء الكنيسة الكاثوليكية بمصر بزيارته الرعوية وهى الأولى فى تاريخها.
عقب وصول قداسة البابا فرانسيس إلى مطار القاهرة فى يوم الجمعة الموافق 28 إبريل 2017م فى الساعة الثانية ظهراً، كان فى استقباله رئيس الوزراء المصرى شريف إسماعيل ولفيف من كبار رجال الدولة،وأقافة الكنيسة الكاثوليكية والإرثوذكسية،بعد توجه موكبه إلى قصر الإتحادية وكان فى استقباله الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى،وتم أجراء مراسم الاستقبال الرسمية وبعدها أخذت الصور التذكارية ثم عقد اجتماع منفرد ما بين الرئيس المصرى وقداسة البابا فراسيس.
وفى تمام الساعة الرابعة مساء ذات اليوم 28 إبريل 2017 ذهب إلى مؤتمر السلام العالمي، حيث كان باستقباله لفيف من مشايخ الأزهر والدكتور أحمد الطيب،بعدها بدأ المؤتمر بكلمة الشيخ الطيب الذى أكد على أن تجارة السلاح كانت وراء حدوث الإرهاب وأن الأديان بريئة من الإرهاب ،بعدها قام قداسة البابا فرانسيس بإلقاء كلمته الذى بدائها باللغة العربية بالتحية الإسلامية “السلام عليكم ” ،إنها لهبة كبيرة أن أكون هنا وأن أبدا زيارتى لمصر من هذا المكان مخاطبا إياكم من هذا المؤتمر إياكم من هذا المؤتمر الدولى للسلام، وأكد أن مصر مهد الحضارات وعلمت العالم،وأوضح “أنه لن يكون هناك سلام دون تعليم للأجيال الصاعدة، ولن يكون هناك تعليم جيدا للشباب، إن لم تكن الأفكار المقدمة لهم فى عملية التعليم مرتبطة بما يحتاجونه وتلبى احتياجاتهم الأساسية”،وقد أشار قداسته إلى أن مستقبل البشرية قائم على الحوار بين الثقافات، لافتًا إلى أنه “بدون دين سنكون كالسماء بلا شمس، ولابد من السعى للوصول إلى الله، والدين ليس مشكلة لكن الدين جزء من حل المشكلة، ولابد أن نتعلم كيف نبني حضارة الإنسان، والله يؤكد أنه لا مجال للعنف وهذا هو الهدف الرئيسي لمؤتمر السلام”.
وفى مساء السادسة من مساء ذات اليوم، ذهب قداسة البابا فرانسيس إلى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وكان فى استقباله قداسة البابا تواضروس الثانى بطريرك الكنيسة المرقيسة، لتقديم واجب العزاء فى شهداء الأقباط فى كنيسة القديسين بطرس وبولس (البطرسية)،ودمياط والإسكندرية،وقام قداسة البابا تواضروس بإلقاء كلمة ترحب تحدث فيها عن مكانة الكنيسة الكنيسة الكاثوليكية وعلاقته بالكنيسة الإرثوذكسية منذ عهد المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (1971-2012م)، وقام قداسى البابا فرانسيس بإلقاء كلمته التى بدائها “المسيح قام بالحقيقة قام” وأكد قداسته على أن ذكر مبشرى المسيحية بمصر وأوروبا حينما ذكر قائلاً: ” بطرس ومرقس على وجه الخصوص يفرحان ويتهللان للقاءنا اليوم. وما أعظم الرابطة التي توحدهما معا. لا نحتاج إلا إلى للتفكير في حقيقة أن القديس مرقس وضع في قلب إنجيله إقرار إيمان بطرس: “أنت هو المسيح”، وكان الإجابة على سؤال يسوع عاجلا: “لكن من تقولون أنتم إني أنا؟” (مر 8: 29). واليوم أيضا، فإن كثيرين من الناس لا يمكنهم الإجابة على هذا السؤال. فهناك عدد قليل من الناس يمكنهم طرحه، وقبل كل شيء قليل من الذين يمكنهم الإجابة عليه بنفس فرحة معرفة يسوع، نفس الفرح الذي لنا الآن بنعمة اعترافنا معا به” وختم كلمته قائلاً:” قداستكم، أخى المحبوب جدا، ليهبنا نفس الرب اليوم أن نجتمع معا كحجاج الشركة ورسل السلام. وفي هذه الرحلة، لتصحبنا العذراء مريم ترافقنا، فهي التي جاءت بيسوع هنا، والتي يشهد لها التقليد اللاهوتي المصري العظيم بأنها ثيوتوكوس، والدة الله. وبهذا اللقب، انضم الناسوت واللاهوت معا، لأنه في أمه، أصبح الله إلى الأبد انسانا. ولتعطنا العذراء، التي تقودنا على الدوام إلى يسوع، الذي هو سيمفونية الكمال الإلهي والإنساني معا، أن تجلب مرة أخرى السماء إلى أرضنا”.ثم بعدها قام قداسته بزيارة الكنيسة البطرسية للمشاركة فى الصلاة المشركة بين الكنائس المسكونية ،وبعدها وضع أكليل من الزهور فى مكان دماء شهداء الكنيسة البطرسية وأضاء الشموع لارواح الشهداء الطاهرة.
وفى قاعة الماسة وفى الثامنة من مساء ذات اليوم شارك قداسة البابا فرانسيس فى لقاء”بابا السلام فى أرض السلام” حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى ، فى كلمته التى ألقاها خلال الاحتفال بزيارة البابا فرانسيس، إن مواقف بابا الفاتيكان التى تقوم على تشجيعِ التسامح والسلام والتعايش بين جميع الأمم موضع إعجابٍ واحترام وأضاف الرئيس أن أرض مصر الطيبة سطرت على مدار الزمن فصولاً مضيئة فى تاريخ الانسانية ومزجت بعبقرية متفردة بين رسالاتِ السماءِ إلى البشر وبين ما أنتجه هؤلاء البشر من حضارة وثقافة ليخرجَ إلى العالم نور يضئ معالم الطريق نحو السلام والعمران والتسامح بين كافة بنى البشر.. وعلى مرِّ العصور” .
وبعد قام قداسة البابا فرانسيس فى إلقاء كلمته التى جاء فيها” إني لسعيد أن أكون في مصر، أرض الحضارة النبيلة والعريقة، والتي حتى اليوم يمكن الانبهار أمام آثارها التي تصمد، في هيبة وجلال، وكأنها تتحدى العصور، إن هذه الأرض تعني الكثير لتاريخ البشرية ولتقليد الكنيسة، ليس فقط من أجل ماضيها التاريخي العريق -الفرعوني والقبطي والإسلامي- إنما أيضًا لأن العديد من الآباء البطاركة عاشوا في مصر واجتازوها في الحقيقة، قد ورد اسم مصر مرات عديدة في الكُتب المقدسة. ففي هذه الأرض أسمع الله صوته، و”كشف عن اسمه لموسى النبي” وفوق جبل سيناء أودع الرب شعبه والبشرية الوصايا الإلهية وعلى أرض مصر وجدت ملجأ وضيافة العائلة المقدسة: يسوع المسيح ومريم العذراء ويوسف النجار”،كما ذكر قداسته بضرورة تعليم أبنائنا حيث ذكر قائلاً”:علينا جميعا واجب أن نُعلِّم الأجيال الجديدة أن الله، خالق السماوات والأرض، ليس بحاجة إلى حماية من البشر بل، على العكس، هو الذي يحمي البشر، وهو لا يرغب مطلقًا في موت أبنائه بل في حياتهم وسعادتهم، وهو لا يمكن له أن يطلب العنف أو أن يبرره، إنما، على العكس، يرذله وينبذه، إن الإله الحقيقي يدعو للمحبة غير المشروطة، وللمغفرة المجانية، وللرحمة، وللاحترام المطلق لكل حياة، وللإخوّة ما بين أبنائه، مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين”. وختم كلمته قائلاً: أشكركم جميعًا على استقبالكم الحار،وأطلب من الله القدير والواحد أن يغمر جميع المواطنين المصريين ببركاته الإلهية، وليمنح الله مصر السلام والازدهار والتقدم والعدالة ويبارك جميع أبنائها.
شكرًا لكم وتحيا مصر، ومن الجدير بالذكر أن قداسته أكد فى عزائه للأقباط على أنهم ” أصل سكان مصر” وأيضًا “أن مصر أم الدنيا” وهذا ليس شعار بل لأن مصر تحتوى الجميع لمن يريد السلام.
وفى صباح يوم السبت الموافق 29 إبريل 2017م قام قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتكان بإقامة قداس من أجل السلام حيث إقيم باستاد الدفاع الجوى بحضور نحو 25 ألف نسمه ضم جميع طوائف الشعب المصرى،وبارك من خلاله الأطفال والمرضى وعروسين وقام بالصلاة من أجل مصر والمحتاجين والفقراء،وقدمت العديد فرق الكورال الكاثوليليكة والإرثوذكسية مشاركته فى خدمة القداس.كما إنطلقت الآف من البلونات تحمل صورة قداسته وصورة للسيدة العذراء فى منطقة الأهرامات والقلعة ومنطقة استاد الدفاع الجوى، وعقب القداس توجه قداسته إلى منطقة المعادى وبالتحديد كلية العلوم الإنسانية واللاهوتية بالمعادى،وقام بإلقاء محاضرة عن أهمية الخدمة للمكرسون والمكراسات وضرورة الألتزام بتعاليم الرب يسوع، وبعدها قام برسامة ثلاثة من خريجها قسوس للخدمة، ثم قام بمباركة الشعب فى محبة فرحة كبيرة.
وفى مساء ذات اليوم الأحد 29 إبريل 2017م غادر قداسته القاهرة متوجهه إلى روما فى تمام الساعة الخامسة مساء وكان فى وداعه الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى.
وخلاصة هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتكان: دعوة للسلام بمشاركته فى مؤتمر الأزهر للسلام، وعودة العلاقات بينهم،وتقديم التعازى لقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الكنيسة الإرثوذكسية فى شهداء أحد الزعف، وتدعيم الزحف نحو الوحدة ما بين الكنيسة القبطية الإرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية،وتأكيد على 70 سنة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين جمهورية مصر العربية ودولة الفاتكان،وتوطيد علاقات المحبة والتأخى والسلام ما بين الشرق والغرب،ودعوة لوقف الإرهاب وقتل الأبرياء،والتأكيد على مكانة مصر بين الأمم وأن مصر مهد الحضارات وأم الدنيا،وزيارة رعوية للكنيسة الكاثوليكية بمصر.
وأخيراً، تحية شكر لكل لرجال المسلحة المصرية ورجال الشرطة على تأمين مدينة القاهرة بهذا الشكل الذى بث روح الطمأنية لدى العالم خلال زيارة البابا فرانسيس بابا الفاتكان،وأيضًا للقوات المسلح على تجهيز استاد الدفاع الجوى بهذه الصورة الحضارية،لإقامة قداس من أجل السلام ،هذا المشهد الذى شاهدها نحو 6 مليار نسمه حول العالم.بالحق نقول: “بابا السلام فى أرض السلام صلى للمصريين جمعياً من أن أجل يعم السلام ….. نتمنى لمصرنا الحبيبة الخير والسلام”.