بقلم : د/ عبداللطيف مشرف
مثلت الضربات الأمريكية على سوريا التي جاءت للرد على هجوم بأسلحة كيماوية تصعيدا حادا في الحرب الأهلية السورية لكن العالم العربي لا يعتبرها مغيرة لقواعد اللعبة في صراع مستمر منذ ست سنوات أثار الانقسام في المنطقة.
وأطلقت بارجتان أمريكيتان صواريخ كروز على قاعدة جوية تسيطر عليها قوات بشار الأسد في وقت مبكر من صباح يوم الجمعة ردا على الهجوم بالغاز السام الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 70 شخصا في منطقة تسيطر عليها المعارضة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن الهجمات ضربة واحدة تستهدف ردع شن هجمات بأسلحة كيماوية في المستقبل ولا تأتي في إطار توسيع للدور الأمريكي في الحرب.
وصدرت ردود فعل متوقعة من إيران، حليف دمشق، وعدوتها السعودية وهما قوتان إقليميتان تدعمان أطرافا متعارضة في صراعات في سوريا ودول أخرى بالشرق الأوسط.
فقد أشادت المملكة العربية السعودية “بالقرار الشجاع” للرئيس دونالد ترامب كما عبرت الإمارات العربية المتحدة، العضو في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لقتال تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، عن دعمها للضربات.
أما إيران فنددت “بالضربات الأحادية”، وهى ما ترفضه ، حيث الدعم الواضح لأرهاب الأسد، وقتل الأطفال الأبرياء ، على حساب طموحاتها فى المنطقة وتوسعها، وأعادة حلم الأمبراطورية القديمة حتى ولو على حساب جثث المسلمين أجمعين، وهذا ما يؤيد رأينا، كلام المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي قوله “مثل هذه الإجراءات ستقوي شوكة الإرهابيين في سوريا… وستؤدي إلى تعقيد الوضع في سوريا والمنطقة.”، حيث يسمى أبناء الشعب والمعارضة والأطفال الأبرياء بالأرهاب، وهم أصل الأرهاب ومدعمى الأرهاب، فهذا من أحمق الردود السياسية .
وتمثل الضربة أقوى تحرك أمريكي مباشر في سوريا حتى الآن ولكننا نرى من النظرة السياسية، حيث نشك في أنها ستحدث تغيرا كبيرا في اتجاه الصراع في سوريا أو في الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي له. يد أنها توضح في الوقت نفسه المدى الذي يمكن لترامب الذهاب إليه واضعا على الأرجح جمهوره المحلي في الاعتبار حتى إذا هدد ذلك بمخالفته لمواقف سابقة له وبمواجهة مع روسيا، الحليف العسكري الرئيسي الآخر للأسد.
حيث كان ترامب دوما يعبر مرارا عن رغبته في تحسين العلاقات مع موسكو بما في ذلك التعاون مع روسيا في قتال تنظيم الدولة الإسلامية ويركز سياسته بشأن سوريا حتى الآن بشكل كامل على هذا الجهد، وهذا ما يؤكد عدم ثبات رؤية الرئيس الأمريكى وسرعة تغير موقفه السياسى، وهذه الضربة تمثل التغير ى وجهة النظر للرئيس الأمريكى، حيث يريد أثبات الوجود الأمريكى ووجوده فى المنطقة حتى لأتستأثر بها الند الروسى ، ونرى أنها أخذه من الجانب الأنسانى أتجاه أطفال أبرياء، حتى يحسن موقفه وإنسانيته أما الشعب الأمريكى، ويكسب عطف جزء كبير من معارضيه، ويظهر الموقف الإنسانى له.
لكنه انتقد أيضا سلفه باراك أوباما لوضعه “خطا أحمر”، مهددا باستخدام القوة ضد الأسد إذا استخدم الأسلحة الكيماوية، ثم تراجعه عن إصدار أمر بشن ضربات جوية في 2013 عندما وافق الأسد على التخلي عن ترسانته من الأسلحة الكيماوية.
وندد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالضربات الصاروخية ووصفها بأنها تحرك غير قانوني من شأنه أن يضر بالعلاقات الأمريكية الروسية، وهنا السؤال يكمن هل الوجود الروسي أيضا قانونى وشرعي، الأجابة لا، ولكنها صراع القوة والبقاء للأقوى، على حسام دم الشعوب، وقتل الطموح لدى أى شعب يهدد مصالحهم، الوجود الروسى والأمريكى خطأ ، ونظام بشار الذى قتل ودمر شعبه خطأ، فكان من الأول حل عربيا وتدخل عربي واضح، حتى يقطع الطريق على الروس والأمريكان وأطماعهم المتزايده فى المنطقة العربية، وأيضا الحد من الخطر والتدخل الأيرانى المستفز دوما فى المنطقة العربية، والتى تجعل من نفسه فى كثير من المواقف الواصى على كثير من الشعوب، ونرى ذلك فى الشأن العراقى والسورى.
ومن وجهة النظر الساياسى والتحليل المنطقى نرى أن هذا النوع من الضربات لن يسقط النظام السوري.، ولكنها تظهر توجها جديدا من الإدارة الأمريكية في المنطقة وهو أنها ستأخذ بزمام المبادرة بمفردها إذا لزم الأمر.
ونجد على مدار الشهور القليلة الماضية تراجع كثير من الدول الغربية عن مطالبات قديمة بوجوب ترك الأسد للسلطة إذ قبلت بأن المعارضة لم يعد لديها القوة الكافية للإطاحة به. لكن بعد الهجوم الكيماوي نادى العديد من الدول بضرورة رحيله، حيث تعتبر عودة مثل هذه المطالبة نتيجة حسنة لصالح المعارضة، وأعادة كسب أرضية مرة أخرى لدى النظام العالمى، وأيضا نتيجة للضربة الأمريكية التى كانت بمثابة أعلان ورفض لمثل هذه الممارسات واستخدام السلاح الكيماوى، وهى كدولة عظمى يتبعها فى الرأى الكثير من ددول العالم، وما تقوله قول مصدق لدى دول الأتحاد الأوروبي.
وتركيا من بين الدول التي تؤيد الضربات بشدة وتطالب بالإطاحة بالأسد. وحدث تقارب في الشهور الأخيرة بين تركيا وروسيا وترعى أنقرة محادثات سلام سورية في قازاخستان بالاشتراك مع موسكو.
ونشكك نحن في أن تقوض الهجمات هذا النوع من الجهود، حيث تعتبر هذا تغيرا في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا ولكنها ضربة محدودة ربما استهدف بها ترامب تعزيز موقفه داخل الولايات المتحدة.، وتحسن صورته الإنسانية مرة أخرى لدى المواطن الأمريكى الذى يراه فاقد الإنسانية، ومثال عملى للعنصرية.
ويتضح موقف العراق حيث نرى أنه في موقف صعب حيث يتعين عليه فيه موازنة مصالحه بين حليفيه الرئيسيين الولايات المتحدة وإيران. والتزم مسؤولوه الصمت بشأن الضربات حتى الآن، ونجد أن الجانب العراقي لن يهرع إلى رد فعل من شأنه أن يأتي بنتائج عكسية.”
وفي شوارع العاصمة العراقية اعتبر البعض تحرك ترامب مجرد علامة أخرى على أن الولايات المتحدة تريد الهيمنة على الشرق الأوسط.
وعن البعد السياسى للضربة الأمريكية، قبل الموقف الإنسانى نجد أن النظام الأمريكى يريد عزل إيران وبناء قواعد عسكرية أمريكية في العراق.”
وقد حصلت الضربات على دعم من اللاعبين الغربيين الرئيسيين مثل تركيا والقوى الإقليمية المحاذية لها. الوحدة والحماس من هؤلاء اللاعبين الرئيسيين هو شيء نادراً ما نشاهده بشأن هذه الحرب التي استمرت ست سنوات.
وبالنسبة لتحليل الضربة من داخل الوضع الأمريكى والشعب، نرى ربما يكون الشعب الأمريكي قد سئم من “الحروب التي لا تنتهي أبداً” في الشرق الأوسط، إلا أن المصالح الحيوية للولايات المتحدة تتطلب استمرار تدخلها العسكري في المنطقة. فاحتياطيات المنطقة الهائلة من النفط والغاز تُعتبر أساسية من الناحية الاقتصادية لشركاء تجاريين رئيسيين، ويكون تجاهل دورها على صعيد الانتشار وكمصدّر للاضطرابات والتطرف العنيف والإرهاب على مسؤولية المرء الشخصية. فمنذ هجمات 11 أيلول/سبتمبر، تعلمت الولايات المتحدة درساً صعباً مفاده أن ما يحصل في الشرق الأوسط لا يبقى محصوراً فيه.غير أن الولايات المتحدة لم تتعامل بفعالية كبيرة مع التحديات الأمنية في المنطقة خلال حقبة ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر – بدءاً من مكافحة الشبكات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية، أو قمع الحركات المتمردة المقاومة أو التحديات التي تهدد بناء دولة أو أمة. وقد ساهم تدخلها (أو في بعض الأحيان عدم انخراطها) في بروز دول ضعيفة أو متعثرة كما هو الحال في العراق وليبيا وسوريا، في حين أن الإرهاب الذي نشأ في المنطقة أو انبثق منها قد ازداد بشكل كبير منذ 11 أيلول/سبتمبر. على صناع السياسة الأمريكيين إعادة تقييم كيفية تفكير حكومتهم وترتيبها للأمور وتدخلها العسكري في المنطقة، لكي تعزّز المصالح الأمريكية في جزء من العالم لا يزال يكتسي أهمية حيوية بالنسبة لبلادهم.
وهذا يعني تطوير فهم أفضل لثقافة المنطقة وسياستها (أو بيئة العمليات، وفقاً للمصطلح العسكري) ولا سيما كيفية عمل نظام الدولة “غير الويستفالي” – حيث غالباً ما تتدخل دول الشرق الأوسط في شؤون بعضها البعض، وتسير مع التيار (بمساعدة قوى خارجية عموماً) بهدف منع الأعداء من دمج نجاحاتهم العسكرية ومنع بروز قوة إقليمية مهيمنة.
وقد فاقمت انتفاضات “الربيع العربي” بين عامي 2010 و2011 هذه الميول فضلاً عن ازدياد عدد الدول الضعيفة والمتعثرة في أعقابها، مما سمح للجماعات الإرهابية على غرار تنظيميْ «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» بالتمركز في مساحات لا تخضع لسيطرة الدولة، وأتاح لدول عربية ناشطة حديثاً مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر (فضلاً عن قوى غير عربية مثل تركيا وإيران وروسيا) التدخل في الصراعات في جميع أنحاء المنطقة. وقد أصبحت الصراعات أكثر تعقيداً وتداخلاً، مما أدى إلى بروز “نظام صراع” إقليمي يمتد من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى جنوب آسيا، تنتقل فيه الأسلحة والمقاتلون الأجانب والتكتيكات والتقنيات، والمحاربون من صراع إلى آخر، ما يؤدي غالباً إلى إذكاء هذه الحروب المدمرة وتكثيف حدّتها وتعقيد الجهود الرامية إلى حل هذه الصراعات.
الوسومعبد اللطيف مشرف
شاهد أيضاً
“غواني ما قبل الحروب وسبايا ما بعد الخراب ..!! “
بقلم الكاتب الليبي .. محمد علي أبورزيزة رغم اندلاع الثورة الفكرية مُبكِرًا في الوطن العربي …