بقلم : ناصر عدلى محارب
قضية حقوق الاقباط الضائعة هى من القضايا التى تتجدد يوميا فى المجتمع المصرى ، و ترسخت فى الاذهان على مدى العقود الماضية ، ومع ظهور الفكر الوهابى وانتشاره فى المجتمع المصرى ، وتوغله فى نفوس وعقول كثير من الشعب المصرى ، وازاحته للفكر الوسطى المعتدل للازهر الشريف ، وسريانه فى جميع مناح التعليم المختلفة الحكومى والازهرى ، فاصبح متاصلا فى الاطفال قبل الكبار ، وهذا الفكر يعيدنا لعصور حقوق اهل الذمة وكان اخر هذة الحقوق لأهل الذمة هو الخط الهمايونى لبناء الكنائس فى مصر الذى تم الغاءة بالقانون رقم 80 لسنة 2016 بشان بناء وتنظيم الكنائس الذى يعدة الكاتب بانه الاسوا فى تاريخ القوانين المصرية .
وبدأت حقوق الاقباط الضائعة تطفو على السطح بصورة فجة بعد ثورة يوليو 1952 ووصلت فى ذروتها ايام الرئيس السادات الذى ضرب حقوق المواطنة فى مقتل من ناحية وادخل الدين فى السياسة ونادى بأنه رئيس مسلم لدولة مسلمه رغم ان جميع الدساتير تقول ان الدولة لا دين لها .
وفى عصر السادات لم تقتصر حقوق الاقباط الضائعة على مجرد حقوق ضائعه فى التعينات وفى الترقى وفى تولى المناصب الحساسة او السيادية ، انما تعدت الى الفتن الطائفية فى الزاوية الحمراء وانتشارهذة الفتن فى باقى انحاء الجمهورية ، والى صعوبات فى بناء الكنائس ومشاكل فى اسلمة الفتيات ، وخصوصا القصر منهم .
وجاء عصر الرئيس مبارك ، وتكررت الاحداث والحقوق الضائعة للأقباط خلال فترة رئاسته التى امتدت الثلاثين عاما ، ولم يحدث تغييرا وظلت حقوق الاقباط على حالها ضائعة ، وظل التعليم كما هو، ينادى فى مناهجة بتكفير الاقباط ، وترك المشايخ فى كل منبر يكفرون ويبغضون الاقباط ، ولم يحدث اى تغيير من جانب الدولة فى حقوق الاقباط الضائعه الا من اعتبار عيد ميلاد السيد المسيح له المجد 7 من يناير اجازة رسمية للبلاد .
وجاءت ثورة يناير2011 ، وازداد الوضع سوءا وزادت حقوق الاقباط الضائعة وتم حرق الكنائس وتهجير الاقباط ، واتت الثورة بالاخوان مما زاد الحمل على الاقباط مما استدعى كثير منهم الى الهجرة الى خارج البلاد وان الله لم يسمح بطول هذة الفترة ، وجاءت ثورة 30 يونية 2013 ، وتم وضع دستورا للبلاد يعيد مصر الى المواطنة والدولة المدنية من جديد .
لا أنكر أن هناك تمييزا ضد الاقباط حتى الان واضحا وجليا فى كثير من الحقوق الضائعة ، ومازالت حوادث الاختطاف مستمرة وأسلمة الفتيات القاصرات ، وعدم تولى الاقباط للمناصب السيادية أو الحساسة ، وكما ان صحيح ان الحكومة ودن من طين و ودن من عجين وتمارس نفس الاجراءات التعسفية التى كانت تستخدم فى العهود السابقة .
ولكن دعونا نتسأل ماذا فعل الرئيس السيسى لحقوق الأقباط الضائعة ، اولا ، اتساءل هل السيسى انتقص من حقوق الاقباط ؟ هل السيسى زادت فى عهدة حقوق الاقباط الضائعة ؟ هل الاقباط كانوا فى وضع افضل مما هم علية الان ؟ الاجابة بالنفى وهى ان وضع الاقباط ليس اسوا مما كنا علية فى السابق ، فماذا يريد الاقباط من الرئيس السيسى ؟
للاجابة على هذا التساؤل يجب ان نراع بعض المعطيات حتى نكون صادقيين مع انفسنا وساجيب بصفتى باحث ومهتم وبحيادية كاملة .
اولا : يجب ان نعترف ان طموحاتنا قد ارتفعت بعد ثورة 30 يونيو 2013 ، وزاد الوعى السياسى بحقوق الانسان وبحقوق المواطنة، ومن حق الجميع ومنهم الاقباط ان يطمحوا فى الدولة المدنية وفى فصل الدين عن الدولة من ناحية وبحقوق المواطنة ومحاربة التمييز من ناحية اخرى .
ثانيا : يجب ان نعى ان مصر منذ عقود تعانى من التمييز بكافة صورة واشكالة وليس التمييز الدينى فقط حتى نكون منصفين وصادقين مع انفسنا ، والمدقق فى اشكال وصور هذا التمييز يجد ان اشدهم واخطرهم على المجتمع التمييز الطبقى بين الاغنياء والفقراء ويليه التمييز الاجتماعى ثم يات بعد ذلك التمييز الدينى فالتمييز الطبقى اشد وطأة فى مصر من التمييز الدينى .
ثالثا : يجب ان يتصدى المجتمع المصرى كله لمحاربة التمييز بكافة اشكالة واحذر من قيام كل فئة تشعر بالتمييز بالتصدى لهذا النوع من التمييز لان قضية التمييز هى قضية شعب باكملة فلا يجب ان يتصدى الاقباط للتمييز الدينى ويتصدى الفقراء للتمييز الطبقى ويتصدى البدو والنوبة للتمييز العرقى ، فنحن نحارب التمييز لانة ضد الانسانية والاديان والحقوق والواجبات بغض النظر عن نوعه .
رابعا : يجب ان نفرق بين الرئيس وحكومتة وباقى المسئولين بالدولة من هيئات قضائية ومجلس النواب والهيئات الرقابية وباقى موظفى الدولة ، لان التمييز فى مصر اصبح متاصل فى العقول ، وصحيح أن الرئيس مسئول عن حكومته بحكم مسئوليته التضامنية والسياسية عن إختياراته ، ولكن يجب ان نعلم ان حتى مسئولية الرئيس اصبحب محدودة بنصوص مواد الدستور ولم يتمتع بالصحلايات الرئاسية التى كانت موجودة بدستور 1971 الملغى ، من ناحية ،
وكثير من السلطات بالدولة مثل السلطة القضائية والسلطة التشريعية هى سلطات مستقلة وهى خارج سلطات الرئيس بل سلطاتها توازى السلطة التنفيذية وقد تزيد فى كثير من الاحيان ، فهل الرئيس مسئول عن سلوك السلطة القضائية والتشريعية فى مهامهما واحكامهم ؟
واقولها صراحة انتهى عصر الإملاءات على السلطتين القضائية والتشريعية ، فقضائنا غير مسيس ومستقل ، والبرلمان خليط من احزاب مختلفة وليس للحكومة والرئيس حزب حاكم ، وكما ان تطبيق القانون واجب السلطة القضائية اصدار التشريعات من مهام السلطة التشريعية وليس الرئيس من ناحية ثانية ،
اما باقى جهاز الدولة الحكومى فلا ننكر انه من غالبية الشعب فهل مطالب الرئيس السيسى بالرقابة على كل موظف بالدولة من ناحية ثالثة .
خامسا : يجب ان نعترف ان مصر الان فى حالة حرب مع الارهاب وقواتها المسلحة منهكه فى القضاء على البؤر الارهابية ، ويد الرئيس تحارب الارهاب واليد الاخرى تبنى الوطن ، وفلا ننكر ان مصر بعد الثورتين ، قد انهار إقتصادها وتراجعت احتياطاتها والرئيس السيسى استلمها مدمره ، ولولا الله وقواتنا المسلحة و وقفة الشعب مع قواته المسلحة ورئيسه السيسى لحدث لمصر ما لايحمد عقباه وما كان مخطط لها ، وكان الوضع سيكون اسوا من سوريا وليبيا والعراق ، ولكن يجب ان نعرف قدر وحكمة الرئيس فى استعاده وضع مصر الريادى ومحاولاته الاصلاح الاقتصادى رغم انها متاخرة ، وتحديث الجيش المصرى وتسليحه بافضل الاسلحة لكى يصبح رادعا لاى قوة فى العالم تتطاول على مصر ، فما صنعه الرئيس وقواتنا المسلحة من صمود مصر امام المخططات العالمية ، لسوف يدرسه التاريخ ان مصر بفضل ابناءها نجت بعد ان كنا شارفنا على الغرق .
سادسا : يجب ان نعلم ان فترة الرئيس قصيرة ورغم قصرها ، فهى غامرة بالانجازات على كافة المستويات ، لكن ما نحن بصددة الحقوق والحريات ومحاربة التمييز ، صحيح التقدم فى هذا الملف بطيئا وليس بحسب الطموحات ، وان مبادئ الثورة كانت ” العدالة الاجتماعية والمواطنة والحرية ” ، وصحيح اننا لم نصل للمراد وقد تكون لاسباب خارجة عن ارادة الرئيس مثل الفساد الذى وصل الى الاعناق ، وبسبب التعليم الذى يجب علينا ان ننسف المناهج نسفا ونتخلص منها ، وبسبب البط فى تغيير الخطاب الدينى وبسبب إحتياجنا الى قوانين صارمة وحاسمة وعادلة تطبق على الجميع دون استثناء او محاباة .
ومن المعطيات السابقة نجد ان الوضع بالنسبة للاقباط ليس اسوا مما كان ، صحيح كنا نامل فى تحقيق المواطنة لنصل لطموحات الثورة ، ولكن لو دققنا فى هذا الامر ، السيسى ليس مسئولا عن حقوق الاقباط الضائعة لانها ميراث قديم من العهود السابقة وليس لدية عصا سحرية لتغيير المفاهيم التى تأصلت عبر سنوات سابقة ، وهذا التغيير يحتاج الى سنوات لتتغير هذة المفاهيم ضد الاقباط ،
صحيح عليه واجب كرئيس جمهورية فى بعض هذة الحقوق التى لا اجد مبررا لاعادتها للاقباط مثل التعيين على اساس الكفاءة فى جميع الوظائف الحكومية والسيادية ،
صحيح عليه مسئولية عدم محاسبة المقصرين من الاجهزة الحكومية فى التصدى بحزم لقضايا خطف الفتيات القاصرات واسلمتها ، والتصدى للمتشددين لمنع الصلاة فى اماكن العبادة ايا كانت مبرراتهم ،
ولكن تاصيل حقوق المواطنة فى عقول الشعب المصرى وقادته وحكومته يحتاج الى سنوات وسنوات ، ولكن ما استحسنته فى الرئيس انه بالفعل وضع اسس المواطنة وكان قدوة فيها وانه اول من يحارب التمييز بكل ما اوتى من قوة ، وقد نجنى ثمار هذة الاسس فى المستقبل .
فماذا يريد الاقباط من الرئيس السيسى ؟ ، هل يريدون اعادة حقوقهم المسلوبة منذ زمن طويل فى خلال سنتين او اكثر؟ ماذ اخطا فية الرئيس مع الاقباط ؟ ما الحقوق التى انتقصها منا وكنا نتمتع بها قبله ؟ اعتقد ان الرئيس لم ينتقص حقوقا للاقباط ، سوى قانون بناء الكنائس الذى غبن معظم كنائسنا القائمة وعرضها للخطر واعتقد انه دون قصد منه وانه كان يريد الصالح للاقباط ولكن جاء القانون بعكس مايريده تماما .
ولكن من يتابع ما حدث يرى ان الرئيس اظهر تقديرا كاملا للمواطنة وظهر جليا مع الاقباط فى كثير من المواقف نذكر منها على سبيل المثال ،
• انة الرئيس الذى انصف الاقباط حين تعرضوا للأستشهاد فى ليبيا ، فاقتص لهم فى نفس اليوم .
• وهو الذى كرم شهداء البطرسية بجنازتين ، رسمية بافضل تمثيل رسمى وهو رئيس الدولة وبجنازة عسكرية على افضل تمثيل عسكرى رغم ان الجنازة العسكرية لها تقاليد عسكرية فلا تؤدى التحية العسكرية الا فى للعسكريين ولشهداء عسكريين ، ولكن كنت قد طالبت الرئيس فى مقال بجنازة عسكرية للشهداء رغم معرفتى ان التقاليد العسكرية تمنع ذلك لكونهم شهداء مدنيين وليسوا عسكريين ، وبرغم تشييع الشهداء بجنازة رسمية الا انه استجاب وراينا موكب جنازة عسكرية رهيبة على اعلى تمثيل عسكرى الى جانب جنازة رسمية على اعلى تمثيل رسمى .
• وهو الذى زار وهنأ الاقباط بالكاتدرائية كاول رئيس مصرى يدخل الى محافل الكنيسة واثناء القداس .
• وهو الذى قال اننى اقف فى بيت من بيوت الله وهذا اعتراف باحترام مقدسات الاقباط واحترام عقيدتهم واحترام شعائرهم والدعوة من راس الدولة لعدم تكفيرهم .
• وهو الذى لا يصف الاقباط الا بالمصريين ، وهو الذى قدم اعتزارا للسيدة التى تعرت فى المنيا ، ولكنى اعتقد انة غير مسئولا عن احكام القضاء بتبرئه الجناة وهذا ان كان قصورا فقد يرجع الى اسباب اخرى كثيرة وليس الى الرئيس .
• وهو الذى امر القوات المسلحة بترميم جميع الكنائس التى تهدمت وحرقت بعد فض اعتصام رابعة على نفقة الدولة المصرية واعتزر عن التاخير فى ترميمها وهو الذى امر ببناء اكبر كنيسة مع اكبر مسجد فى العاصمة الادارية الجديدة .
صحيح هذا واجبة وهذة حقوق اصيلة للاقباط بصفتهم مواطنين لهم كافة الحقوق وعليهم كافة الواجبات ، ولكن هذة الحقوق كانت مهدرة وضائعة قبل الرئيس السيىسى وكنا نعانى من التجاهل المخزى من الرؤساء السابقين وهو فى كل ما سبق يعتبر اول رئيس يفعل ذلك .
وكما ان ما فعله الرئيس السيسى ليس كل ما لديه للاقباط ، فهو يعى تماما ان هناك تمييز واقع على الاقباط ويعى ان لهم حقوق ضائعة ويعمل على حلها من خلال محاربته للتمييز بكافة اشكاله وصوره .
ان اجنده السيد الرئيس ما زالت تحوى الكثير من حقوق المواطنة ومن حقوق الاقباط المهدرة ، فلم يمض على فترة رئاسته الكثير وهو لم يقدم كل ما يأمله فى حقوق المواطنة فلننتظر ، لان الامر ليس اسوا مما كان بل الامر يتحسن تدريجيا .
كما انة اعذر جميع المتخوفين من ضياع حقوق المواطنة و حقوق الاقباط المهدرة ، وأحس بوقع الظلم وبمرارة التمييز ، ولا اعفى الحكومة من التراخى فى معالجة هذة القضية ، ولكن لان طموحاتنا باتت لا يمكن التخلى عنها مع مصر الجديدة وثقتنا الكبيرة وفرحتنا بتولى الرئيس السيسى زمام الامور ،
فاننى اطالب من الرئيس وضع ملف المواطنة وليس حقوق الاقباط المهدرة فقط اولوية اولى ، لان الشعب المصرى مستعد لتحمل كل شى من اجل الوطن ، ولكن لا يستطيع ان يتحمل ان يعيش فى وطن يشعر فية بالتمييز والظلم وعدم الامان .