كشف الكاتب الصحفي “عبدالناصر سلامة” رئيس تحرير الأهرام السابق، عن أن “سبتمبر المقبل” سوف يشهد البدء فى تخزين المياه وتوليد الكهرباء من سد النهضة الأثيوبي، واصفا الأمر بالكارثة.
وقال “سلامة” في مقاله المنشور بصحيفة “المصري اليوم” : ” كل الشواهد تؤكد أن مصر على المستوى الرسمى تعاملت، ومازالت تتعامل، مع هذا الوضع الخطير باستسلام غريب”.
وأضاف “على أى حال، أرى أن الكُرة الآن فى ملعب القضاء المصرى، للانتصار لمستقبل شعب، تؤكد كل الدراسات أنه سوف يعانى أيَّما معاناة، جراء هذه الكارثة، كما هى فى ملعب البرلمان”.
وفيما يلي نص المقال كاملا :
صواريخ إثيوبيا.. ومشروعية السد
الأنباء الواردة من إثيوبيا تؤكد أن سبتمبر المقبل سوف يشهد البدء فى تخزين المياه وتوليد الكهرباء من سد النهضة، الأنباء تؤكد أنها نشرت بطاريات صواريخ للدفاع الجوى، فرنسية الصنع، فى محيط إنشاءات السد، عقب اعتماد محيط موقع الإنشاءات بمساحة 63 كيلومترا مربعا، كمنطقة عسكرية خاضعة لتأمين قوات الجيش، إضافة إلى إنشاء حزام أمان من صخور أحد الجبال العملاقة هناك، بما يضمن تخفيف حدة اندفاع المياه، حال تعرض السد لعمل عدائى، وأن التفكير فى بناء هذا الحزام جاء فى أعقاب تهديد مصر، خلال فترة الرئيس محمد مرسى، بالقيام بعملية عسكرية ضد هذه الإنشاءات.
الأسبوع الماضى، فى عنتيبى بأوغندا، رفض الاجتماع الاستثنائى لدول حوض النيل طلب مصر الحصول على مزيد من السيطرة على الأمور المتعلقة بتدفق المياه، فى الوقت الذى استبقت فيه مصر الاجتماعات بالإعلان، على لسان وزير الرى، نيتها تجميد العضوية فى مبادرة حوض النيل، والعودة إلى ممارسة أنشطتها كاملة فى المبادرة، إذا ما جرى التوصل إلى اتفاق بشأن ما سمَّاه «المبادرة القانونية»، التى قدمتها القاهرة.
مما لاشك فيه أن الموقف يتأزم، فى إطار التعنت الإثيوبى من جهة، وموقف مصر غير الحاسم من جهة أخرى، ذلك أن توقيع مصر على اتفاقية إعلان المبادئ، فى مارس 2016، منح السد الإثيوبى المشروعية القانونية التى كان يفتقدها، وبالتالى حصل على اعتراف واضح، فى الوقت الذى لم تحترم فيه إثيوبيا نصوص الإعلان، وأجرت تعديلات فى التصميمات لم يتم الاتفاق عليها، بهدف إنتاج أكبر من الكهرباء، يصل إلى 6450 ميجاوات، وسعة تخزين مياه تصل إلى 79 مليار متر مكعب، بل رفضت طلباً مصرياً بزيادة الفتحات خلف السد من 2 إلى 4، لضمان تدفق المياه حال توقف المحركات عن العمل خلال فترة المناسيب الضعيفة لمجرى النيل، كما رفضت أيضاً زيادة فترة ملء خزان السد إلى 7 سنوات، أو حتى 4 سنوات، وهو ما سوف يشكل ضرراً مؤكداً على مصر، فى الوقت الذى ترفض فيه الاعتراف بحصة مصر السنوية، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
مصر، أيها السادة، تعانى عجزا مائيا سنويا يصل إلى 33 مليار متر مكعب من المياه، فى الوقت نفسه تستورد منتجات تزيد قيمتها على 70 مليار دولار، حسب بيانات 2016، بانخفاض 10% عن العام السابق، من بينها 10 سلع غذائية تستحوذ وحدها على 63% من حجم الإنفاق، فى مقدمتها القمح، والزيوت، والألبان، واللحوم، والشاى، والسكر، بما يشير إلى أننا فى حاجة إلى كل نقطة ماء، إن أردنا تحقيق تنمية حقيقية، مع الأخذ فى الاعتبار ما تؤكده الحسابات من أن العاصمة الإدارية الجديدة المزمع إنشاؤها سوف تحتاج وحدها إلى نحو 9 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً!!
كل الشواهد تؤكد أن مصر على المستوى الرسمى تعاملت، ومازالت تتعامل، مع هذا الوضع الخطير باستسلام غريب، فى الوقت الذى تتعامل فيه معنا الحكومة الإثيوبية باستخفاف مُهين، معتمدة فى ذلك على سياسة الأمر الواقع، وقد وجدت فى ذلك دعماً مالياً خليجياً لم يعد سراً، كما وجدت دعماً تفاوضياً سودانياً مفضوحاً، فى الوقت الذى اعتمدت فيه منذ البداية على دعم إسرائيلى فنى كبير، بينما انطلق الصمت الدولى، بل التأييد فى بعض الأحيان، بالنسبة لذلك الموقف المصرى، الذى لم يحمل على عاتقه التصعيد فى أى من المراحل، بما فسره المراقبون بأنه يأتى فى إطار صفقة عودة مصر إلى عضوية الاتحاد الأفريقى، وهى العضوية التى كان قد تم تجميدها بعد أحداث 3 يوليو 2013.
لم تتعامل مصر مع صواريخ السد، ولا مع مشروعيته، بالتهديد، ولا بالقانون، ولا بأى من أوراق الضغط الدولية، التى كانت تستخدمها فى السابق، على مدى نصف قرن مضى، والتى حالت طوال تلك السنوات دون تنفيذ هذا المشروع، بالتالى كانت إثيوبيا فى حِلّ من التراجع أو الخضوع، ذلك أنه لم يعد هناك ما يردعها، فى الوقت الذى لم تحدث فيه أى ضغوط شعبية على النظام الرسمى، مثلما حدث حين محاولات التنازل عن جزيرتى البحر الأحمر، سواء من خلال الشارع، أو من خلال القانون، وقد كان اللجوء إلى مجلس الدولة متأخراً، فى محاولة لإبطال التوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ، وهو التوقيع الذى حدث دون عودة إلى البرلمان، أو الحكومة، ضارباً أيضاً عرض الحائط بآراء ونصائح المتخصصين.
على أى حال، أرى أن الكُرة الآن فى ملعب القضاء المصرى، للانتصار لمستقبل شعب، تؤكد كل الدراسات أنه سوف يعانى أيَّما معاناة، جراء هذه الكارثة، كما هى فى ملعب البرلمان، الذى كان يجب أن ينتفض أيضاً فى مواجهتها مبكراً، فى الوقت الذى تظل فيه الإرادة الشعبية هى الحاسمة لكل ما يمس مقدراتها، ذلك أن الغموض فى الموقف الرسمى يظل أمراً مُحيِّراً!!