بقلم رمضان ابو اسماعيل
الحديث عن الموازنة العامة للدولة يذكرني دوما عن الحديث حول الغارمين الذين دأبت الجمعيات الخيرية علي جمع التبرعات لإخراجهم من عثراتهم بسداد ما عليهم من ديون عجزوا عن الايفاء بها بكل ما توافر لديهم من سبل.
تتملكني الشجون والأحزان كلما تذكرت حال الموازنة العامة لدولتنا مصر، التي تعاني عجزا مزمنا يشل قدرتها علي التحرك إلي الأمام في سبيل تحقيق آمال الشباب الحالم بغد أفضل، وكيف يتحقق ذلك ونفقات الدولة –دوما- تفوق إيراداتها، مما تضطر الحكومة معه –أسفة- إلي الاستدانة سواء من الداخل أو الخارج، فيكون الدين الذي هو هم بالليل ومذلة بالنهار.
وبمرور الوقت، يتحول الدين من مجرد آلية لسداد عجز آني إلي مصدر متجدد لزيادة العجز في الموازنة فيما بعد، حتي وصل الحال إلي ما نحن فيه الآن، حيث يعجز القائمون علي صناعة الموازنة عن الحركة، فالقيود عليهم أكبر من أن يمكن التعامل معها، فالموازنة التي خرج علينا مسئولو الحكومة –متباهين- بأنها سوف تفوق التريليون جنيه في العام المالي الجديد 2017 / 2018.
كأن هذه الضخامة التي ينتظر أن تكون عليها موازنة العام الجديد ميزة، وكأن هذه الزيادات في نفقات الدولة خلال العام المالي الجديد أمر إيجابي، وكأن الحكومة نجحت في تمويل هذه النفقات المتزايدة، وكأن هذه الزيادات في النفقات تعني ضمان حياة أكثر كرامة للمواطنين –خاصة الفقراء منهم- للأسف أقول بملء فمي “لا” هذه الزيادة في النفقات العامة من 936 مليار جنيه في العام المالي الحالي إلي أكثر من تريليون جنيها أي 12 صفرا أمام الواحد الصحيح، لن يترتب عليها تحسنا ملحوظا في حياة المواطنين.
ببساطة شديدة، سوف تبتلع هذه الزيادات الممول نحو 10% منها بالعجز، البنود الإلزامية في الموازنة، فالأجور تستحوذ علي نحو 30% من الموازنة، فمخصصات باب الأجور لن تقل بأي حال من الأحوال عن 300 مليار جنيه، ثم يأتي الباب الإلزامي الثاني المتمثل في خدمة الدين العام المقدر له في الموازنة الجديدة نحو 300 مليار أيضا، فيما تأتي مخصصات الدعم التي تستحوذ علي 20% من الانفاق العام في أقل تقدير –نحو 200 مليار جنيها- ليتبقي من إجمالي المصروفات العامة نحو 200 مليار جنيه.
وبالتالي تجد الحكومة نفسها مضطرة إلي التقوقع داخل المتبقي من المصروفات العامة نحو 200 مليار جنيه يفترض أن يخصص منهم مصرفات إدارة الدولة طوال العام المالي والاستثمارات في مختلف القطاعات لسد العجز في الفجوة التمويلية التي تعانيها الدولة نتيجة قلة الاستثمارات الوافدة إلي مصر من الخارج، فتكون الكارثة فلا انفاق كاف علي الصحة ولا مخصصات معتبرة للتعليم والبحث العلمي، لتبقي الحكومة في بحث دائم عن سبل تدبير هذه الالتزامات بالاستدامة والتمويل بالعجز.
الغريب في الأمر أنه مع هذا التأزم الشديد في إيرادات الدولة وزيادة نفقاتها، يغيب عن قاموس كبار مسئولي الدولة مفهوم “رشادة الإنفاق” أو “جودة الإنفاق” ، فالمليارات تنفق سنويا علي التعليم بدون نتائج إيجابية ملموسة، فيكون الإنفاق هدرا للمال العام، فالحكومة تنفق من اللحم الحي للمواطن ورغم ذلك لا تلقي بالا بجدوي هذا الإنفاق، وهذا ما يستحق التوقف مليا، متوجهين بسؤال إلي من يهمه الأمر في هذا البلد .. “لماذا لا يكون التحول الناجز إلي موازنة الخطط والبرامج حتي يسهل قياس كفاءة الإنفاق بدلا من هذا العبث؟
الوسومرمضان ابو اسماعيل
شاهد أيضاً
كيف نحمي البيئة من التلوث؟
بقلم رحمة سعيد متابعة دكتور علاء ثابت مسلم إن البيئة هي عنصر أساسي من عناصر …