خلقت بطبعي هادئة، لا أحبّ العراك، قد أنفجر مرّة بالصدفة، لكنّني أقرّر الانسحاب على الفور إلى خلوتي في ركن منزلي أينما كان. وطني هو بيتي عندما أغلق بابه، وقد تهدّم حلمي في أن يكون لي ذلك الوطن الذي هو بضعة أمتار مربعة عدّة مرّات، وفي كلّ مرّة أبدأ من جديد. غادرت أماكني إلى أماكن أخرى، ومن الأماكن الأخرى إلى أماكن جديدة. أعيش اليوم في وطن لي هو بيتي.
عندما كنت أعيش هناك، وليس هنا كان لي حديقة زرعت أشجارها بيدي، سميّت كلّ شجرة باسم، وأهديت لكلّ وردة حلم. رحلت وخلفي حقيبة سفر فارغة إلا من الألم. وبينما أشجار الحديقة تبكي ، ودموعي تبلّل الشّال الذي وضعته على كتفي. لم ألتفت إلى الخلف. بقي صوت داليتي المجنونة يلاحقني إلا أن ماتت بعد أن أعلنت الحداد، وجهت تهمتها لي بجريمة قتل . لم أوكل أحدا للدفاع عنّي. اعترفت بالحقيقة، ونلت من العقاب ما يكفي. . .
لجأت إلى العالم الافتراضي من أجل علاج روحي العليلة، بنيت شبكة افتراضية تختار كلماتها على الغربال. أنيقة. تفهم في جميع الأشياء. وجدت نفسي أمتلئ بالفراغ في العالم الافتراضي، وكوني مصابة بمرض الملل من الأشياء القديمة. أنهيت دفتري الافتراضي، وضعته على رفّ ، أغلقت عليه بالشّمع الأحمر كي لا أعود له. لي ذكريات جميلة فيه، مع أصدقاء أحببتهم حقيقة، وكان لسانهم أرق من النّسيم. بعضهم اختفى عند أوّل طلب بسيط.
بدأت أعمل على دفتري الجديد. أبدأ من الصّفر. وضعت على غلافه اسمي. أقسمت له أن أستعمل قلمي على قدر معرفتي بالحياة. يا لها من ذاكرة ماكرة! لا أعرف كيف محت كلّ الزوايا التي تخرّبت في ذهني، جدّدتها. أمرتني أن أبدأ من جديد.
أنا اليوم جديدة. لي بيت، دفاتر جديدة، أقلام رصاص، وأقلام تلوين. قد لا تراني عندما أدون جمال الحياة بلونها الأبيض، أو الرّمادي رغم أنّك في وسط اللون، وقد لا تكون من الأسماء التي أعيرها اهتماماً. دفاتري الجديدة لا تضمّ أسماء، أو ألقاب.
خصّصت بعضها لحالاتي، وأخرى لحالاتك، ووضعت مصفاة لتنزيل الزّيف، ربما تلتقي عندها حالاتنا معاً. أعود إلى زمن الفنّ من أجل الحياة، وإن لم تمتّعك كتابتي أكون قد فقدت شرطاً هاماً من شروط الكتابة من أجل الحياة. هذا فقط إن كان لديك الحس الجمالي بالقراءة.