ماجد سوس يكتب: مُعلِّم الدستور ، خارقه
13 مارس، 2017 مقالات واراء
عبر سنوات عدة مضت و دأب رئيس الجمهورية و الأحزاب السياسية على ترشيح أساتذة القانون لتولي منصب رئيس مجلس النواب (مجلس الشعب سابقاً) لعلمهم ليقين أن من يقود السلطة التشريعية في مصر وجب عليه أن يكون ملماً بغالبية القوانين الأساسية و على رأسهم الدستور و قد إختار الرئيس السابق حسني مبارك مجموعة من اساتذة القانون لقيادة مجلس الشعب كان آخرهم الأستاذ الدكتور الفقيه في القانون الجنائي أحمد فتحي سرور حيث أن قيادة المجلس تتطلب حنكة و موهبة خاصة لا توجد في الكثيرين و قد قاد سرور المجلس واحد و عشرون عاماً و بما له أو عليه فقد كان رجلاً قوياً محنكاً.
و في عام 2015 أجريت الإنتخابات العامة لإختيار أعضاء مجلس النواب المصري وفقاً للدستور المصري الحديث 2014 و قد اختار الشعب 596عضواً و هو أكبر عدد لأعضاء البرلمان المصري بعد إعادة تقسيم الدوائر و كان هناك رجل مستقل ترشح في أسوان على قائمة في حب مصر و كانت سيرته الشخصية العلمية و العملية ما جعلت إجماع النواب يقع عليه حينما ترشح لرئاسة المجلس فالرجل هو أستاذ القانون الدستوري و الإداري بجامعة عين شمس و الرجل خريج جامعة السوربون الفرنسية العريقة بتقدير جيد جدا و في عام 1992 أختير خبيراً دستورياً في مجلس الشعب المصري حين ذاك.
ياللعجب الرجل الذي قام بتأليف كتاباً شهيراً عن الحريات العامة العامة هو الذي يقمع الحريات . الذي يدرّس و يشرح لشباب كلية القانون (الحقوق) باب الحريات في الدستور هو ذاته من يخرقه و يضعه تحت قدميه .
القصة تبدأ من عند الإعلامي الشهير الأستاذ إبراهيم عيسى و الذي دأب أن ينتقد سلبيات الحكومة و أجهزة الدولة بل و رئيسها نفسه في ظل دولة تعاني من ضعف الأحزاب و الحركات المعارضة
راح الرجل ينتقد مجلس النواب في اداءه الضعيف و لو من وجهت نظره كإعلامي وقد تعهد أمام ضميره ألا يسكت عن ظلم أو هوان او تهاون في اداء المسئوليات الملقية على عاتق المسئولين جميعا . ينتقد التعليم و المناهج . ينتقد الأمن و أداؤه ينتقد الحكومة في تناولها لمشكلات المواطنين من حاجياتهم الضرورية بل راح ينتقد الأزهر و الكنيسة في بعض الأمور و الكل يتفهم حرية الكلمة و القلم عند الإعلامي و اهميتها و هو كغيرة يصيب و يخطيء و للإعلام ان يتخذ في نقده صور السخرية أو الكريكاتور او حتى الغناء طالما ما يفعله يشكل خرقاً للنظام العام و الآداب .
على أن المعادلة المعضلة هنا هو ان أولئك الذين أعطاهم الدستور الحق في حرية الرأي و التعبير دون مساءلة هم الذين يسجنون حرية الآخرين و يقدمون معها الأحرار الى المحاكمة.
وقف رئيس المجلس و نوابه في مشهد محزن يقدمون الديمقراطية ذبيحة لأعداء الوطن . يتركون من يحمل السلاح و يقتل ابناء الوطن و يقوم بتهجيرهم ليتفرغوا لذبح صاحب قلم !!
ما آلمني في ذاك المشهد هؤلاء الثلاثة الذين هاجموا الرجل أولهم أستاذ القانون الدستوري رئيس المجلس الذي تسبب في غلق برنامج ابراهيم عيسى مباشرة قبل ان يقدم شكواه للنائب العام ، ثانيهما النائب المتلون مصطفى بكرى و هو رئيس تحريرة جريدة بدأت كصفراء حين كان مغموراً ليهاجم زميلا له و كان بالأولى أن يقف بجواره و يعضدده في التمسك بحرية الإعلام ! و ثالثهما النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان الذي راح يهاجم حقوق الإنسان في مشهد تمثيلي ينم على الرجل غير المناسب في المكان المناسب.
إنه لأمر مؤسف و مؤشر خطير على زيف الديمقراطية في مصر لأن من يملكون الحرية هم من يسدون أفواه الأحرار.